أخبار عاجلة
الرئيسية / ثقافة وادب / ليلة أسرى بها الشوق

ليلة أسرى بها الشوق

السيمر / الأربعاء 04 . 10 . 2017

سردار محمد سعيد

كان البرد يتوغل في العظام .
ليت العشاق يتعلمون منه الإختراق .
الطبيعة غاضبة فأضحى كل شيء يتحرك بلا نظام ,كمعشوقة انهارت ففقدت السيطرة بفقدان العشيق في لحظة غموض . سعف النخيل يتهاوى وأوراق الشجر غدت كالعهن المنفوش .
إستلقيت على ظهري وأسناني تصطك , التحفت بلحاف صوفي وثير.
ربما لو كنت زير نساء لبعثت في الدفء إحدى المولعات بالكذب دون الحاجة لمدفأة أو موقد, لا أعرف إن كانت الإناث حقاً تشع أجسادهن الحرارة ؟
فيستغنى عن الأغطية الوثيرة , أم تلك كذبة ذكورية تطرب لها من يخفق الشبق في حناياها خفق رايات التتر.
كنت أسمع صوت الريح تزعزع فيرتج شباك الغرفة حتى تصورت أن الزجاج سيتهشم .
لو أن لي أصابع كالريح لزعزعت شبابيك الأنوثة وهشمت زجاج العفّة القاتم .
في بعض الأحيان يمتزج صوت حفيف الأشجار بصريخ الرعد الغاضب كأنه صهيل أنثى متفاقمة الشبق, فأشعر بالخوف .
ويتضاعف بومضات البرق التي تقدح للحظة ثم تهرب وقد تسلط مارج رمحها الناري على كوخ مزارع فتمحقه .
سمعت صوت نقرات على الزجاج .
لاأظن ,هو صوت الريح التي تجعل أغصان الشجر ترتطم ببعض .
لا شك أني واهم .
عاد النقر, تنصتُ جيداً
لا هي نقرات ربما لطائر
نظرت من طرف الستارة فرأيت حمامة مبللة تنفض عن ريشها الماء وأدهشني ارتجافها فلم أحتمل المنظر المؤلم .
إقشعر جلدي ولكن ما باليد حيلة .
عاودت النقربإصرار
كأنها تطلب مني الدخول إلى غرفتي لتتقي البرد والريح والمطر
فرجة صغيرة في الشباك كانت كافية لدخولها
دخلت واستقرت على منضدة تجاور السرير
رقدتُ ولم أعر وجودها أهمية كبيرة فما الذي باستطاعتها فعله .
صحوت ُ, الجو مضطرب مع تساؤلات كثيرة .
من أين جاءت ؟
لماذا تركت عشّها في هذا الليل البارد ؟
هل الريح الزعزع شتتت العش ؟ ربما قلعت الشجرة ؟
وفي غمرة تساؤلاتي بدأت طبول السحاب تقرع وورق الأشجار يتراقص في حفل الطبيعة القاهر.
تساقط المطر بغزارة فرسم في الطين ثقوباً كما أن مساميرَ دُقت
ألم تغرز في فؤادك مساميراً من ظننتها ستبعث فيك الدفء ؟
تصوّري أنني أسائل نفسي ولكن ماهذا الصوت المتهدج المخضب بعبارات عاشقة لا تخشى صولة المجتمع الباطلة ؟
مَن يحادثني فيما لا يعرفه إلاي ,فيما تغنيت فيه للتوت والتين والزيتون.
ورحت تفرش تنسج من أهدابك سجّادة تسيرعليها لئلا تخدش الأشواك قدميها .
طرقت أبواباً غلقت بمفاتيح ضاعت في ضباب وعتمة .
حملتَ قناديلاً لتنير دروب الكاذبات .فتحتُ عيني ناظراً الحمامة فلم أعثر عليها ووجدت ملابس مبللة انثوية من لباس الأميرات موشاة بخيوط الذهب ومزركشة بأبيات شعر نسجت على حواشيها , نُشرت الكبيرة ذات الطيّات الكثيرة على كراسي مائدة الطعام والصغيرة التي لا تحتاج إلى مساحة تزيد عن بضع سينتيمترات على مؤخرة الأريكة , إذن هي ليست حمامة بل إنسيّة وقد تعرّت رغم برودة الجو .
نعم لست حمامة , وتعرّيت , وأنا خلفك الآن فاستدرلترى جسدي البض.
امتدت يدٌ ضمّتني بقوة فاكتويت بحرارة جسدها العاري
كاد يغمى عليّ .
لاتخف أنا “عليّة ” بنت الخلافة العباسية , التي خرقت كل شيء ,الخزائن والمدن والوهاد وبكارات الجاريات.
ألا تحب معاشرة أميرة أظناها الجوع ؟
إستلق على جنبك الآخر, ماذا ترى في زجاج الشباك ؟ إستدر سترى جسداً بللورياً .
تمناه كثير من الأمراء والشرفاء اللاشرفاء , بل هم يتمنون ابتسامة مني .
لكن دافع الحب قادني لخادمي ” طل ” .
أخرجني الشوق .
منعت منه فهو خادم وأنا أميرة ,و في عرف الخلافة يحرّم على بنات الخلافة العشق
كأن بنات الخلافة لا قلوب لديهن .
ولما لم امتثل لأمرهم .
فخرجت سائرة على ميزاب لأصل إليه , وتعانقنا رغم الخوف .
إتحدنا وتوحدنا متشابكين لحد الإمتزاج .
وكان الحتف .
قتلوني بطعنة خنجر , وأشاعوا أنني مت بضمّة من أخي .
لا أحد يستطيع البوح بالحقيقة , سيلاقي هو الآخر حتفه بتنورمترع بالمسامير محميّ أويصلب على جذع نخلة ولن يدفن حتى يعشعش الطير في صدره .
غسّلوني وكفنوني وحملوني على آلة حدباء.
وبطريق المقبرة أستنسخت حمامة فأزحت الكفن وطرت .
تأبى الجثث أن تستقر بقبور الكذب والرياء النتنة .
في شفا القبر لم يجدوا جثتي ,وجدوا الكفن , فدفنوه .
داهمتني الليلة العاصفة بحثت عن ملجأ .
فلمحت شباكك , وسبق أن أخبرني الجن عنك عاشقاً كبيراً وولهاً مدنفاً
ففتحت لي فرجة في شباكك أويت بعيدا عن قسوة الطبيعة بعد هروبي من قسوة الخلفاء
أعتقد أن الصباح سيبزغ عمّا قريب
أغمض عينيك لألبس ملابسي
سأرحل
كن أباً وأخاً وحبيباً لمشمشية الشفتين
وتمتع بمذاق المشمش
وعلى هونك
فالمشمش رهيف .
أغمضت عيني
افتح عينيك وافتح لي شباكك .
طارت الحمامة بريشها المزركش .
إبتعدت ولم تعدالعين تلمح سوى نقطة تلاشت في السحاب .

نقيب العشاق بين ذرى قنديل وقمم هملايا ..

اترك تعليقاً