السيمر / السبت 17 . 02 . 2018
حسام عبد الحسين
إن المتحرشين في المجتمعات العربية، يتفاعلون مع التحرش الجنسي على أنه وسيلة ترفيهية؛ للتخفيف عن النفس من العناء، أو من أجل فرحتهم بالمناسبات والأعياد، وينظرون إليه كنوع من أنواع الرجولة، إلا أنهم لا يدركون الآثار السلبية التي يتركها التحرش على شخصية المرأة، من آثار سلبية اجتماعية ونفسية وربما جسدية، مما يجعلهن في حالة من الارتباك المعنوي والانعكاسات العصبية في التعامل مع جميع الرجال.
هناك اسباب معينة لهذه الظاهرة الخطيرة، التي تكمن بوجود تاريخ سابق من الأمراض النفسية لدى المتحرش، كالاستمتاع بإزعاج الآخرين وإهانتهم، وتنفيذ النظرية السلطوية الذكورية المطلقة في حق الذكر في التعدي على حرمة الإناث؛ لمجرد الاستمتاع، مع مرضه بالسلوك العنيف بشكل عام، وعدم القدرة على بناء علاقات حميمية، والاشتغال العقلي الكبير بالأمور الجنسية المختلفة سواء الخيالات الجنسية أو الافلام والأنشطة والأحاديث المرتبطة بالجنس، مع وجود معتقدات عقلية (وهمية) تبرر التحرش، وعدم الاستقرار العائلي، ووجود ضعف في التحكم في الذات امام الجنس الآخر.
ثمة توضيح مهم لابد من الإشارة إليه وهو ان المتحرش يمر بعدة مراحل:
اولا: مرحلة التفكير؛ حيث يبحث المتحرش عن حافز يدفعه لممارسة التحرش والاعتداء الجنسي، لحصوله على استثارة جنسية من فعل التحرش، بسبب عدم قدرته في الحصول على نفس القدر من الإشباع الجنسي بطريقة مشروعة.
ثانيا: مرحلة إعطاء الإذن من العقل بالشروع في ممارسة الفعل ذاته، ومن أجل هذا يكون على المتحرش تجاوز بعض القيم والمبادئ، سواء الدينية
بالنظر لنمط ملابسات معينة واعتبارها مبررا للتحرش، وبعض المفاهيم الخاطئة في التطرف الديني الذي يبرر إباحة بعض الاعتداءات على المذاهب والأفكار المختلفة، أو الاجتماعية والتي يفترض بها منعه من التحرش، الا انه يقنع ذاته بصعوبة الضغوط الاجتماعية معتبرا ذلك مبررا له للتحرش ايضا.
ثالثا: مرحلة انتهاز الفرصة التي تتضمن البحث عن بيئة ملائمة لممارسة فعل التحرش، وقد تشمل هذه الفرصة العديد من المواقف؛ مثل وسائل المواصلات المزدحمة، وأماكن التجمعات الغير خاضعة لضوابط أنظمة الحماية.
رابعا: مرحلة التجاوز الفعلي التي تعتبر البداية في مهاجمة المرأة، والاعتداء عليها، وتتمثل بالتهديد اللفظي والابتزاز خوفا من الفضيحة، وربما التهديد بالأسلحة والضرب، وبعض الأحيان أدى ذلك إلى قضايا جنائية.
الكثير من نساء العالم تمنوا أن يكون هناك قانونا يعالج هذه الأفعال غير الإنسانية، وهذا ما سعت إليه الدول في جميع العالم من خلال سن قوانين للتحرش وتجريم مرتكبيه، ولكن اختلفت القوانين بين دول العالم فمنها ما كان قاسيا وغريبا وغير فعال، ففي الهند اقترح نفاذ قانون يدين أي رجل يحدق بامرأة لأكثر من 14 ثانية، وإلا ربما يواجه عقوبة السجن، واقترح حاكم ولاية كيرالا الهندية، في خطاب ألقاه بإحدى حفلات مدينة كوتشي، دعا فيه النساء للدفاع عن أنفسهن من التحرش وأنظار الرجال، باستخدام السكاكين ورذاذ الفلفل، نعم انه قانون “مضحك” لكن له دور في معالجة هذه الظاهرة، اما في الولايات المتحدة الأمريكية يواجه المتحرش جنسيا عقوبة تصل إلى السجن مدى الحياة، وغرامة قدرها ربع مليون دولار، والكثير من الدول التي وضعت قانون يعاقب المتحرش منها السعودية وباكستان والمغرب ومصر. اما القانون العراقي للتحرش؛ فأوضح أن “المشرع العراقي تطرق إلى التحرش في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، وأفرد له المواد (402، 401، 400) تحت عنوان الجرائم المخلة بالحياء، وعقوبتها الحبس مدة لا تزيد عن سنة أو غرامة مالية”، واشار إلى أن “الواقعة بحاجة إلى أدلة لكي يتم تجريم مرتكبها وفي مقدمة تلك الأدلة الشهود”، مشيرا إلى أن “التحرش يتضمن الكلام المخل بالحياء الذي لا ينسجم وطبيعة الأعراف المجتمعية”.
لذا لابد ان تبدأ المعالجة من الداخل في الحوار الأسري، وان تعمل المؤسسات الثقافية والاعلامية في تنمية التطوير الفكري والحضاري، وتفنيد النظريات السلطوية الذكورية المطلقة وحق الذكر في التعدي على حرمة الاناث للاستمتاع، وتفنيد مبررات ممارسة التحرش، وتوضيح أن التحرش ليس دليلا على الذكورة، وأن أغلبية الرجال يعتبره شخصا منحرفا ومريضا نفسيا، مع توضيح التجريم القانوني لفعل التحرش والعقوبات عليه وتعديله وفق المتغيرات الاجتماعية، والدولة مسؤولة في بناء نظام ايدلوجي رصين؛ لقطع الأسباب هذه الظاهرة، ووضع قواعد علمية واقعية لمعالجتها.