السيمر / الخميس 17 . 05 . 2018
د . رحيم الغرباوي
القصة هي حكاية سردية تقوم بتهديم الواقع وبنائه من جديد من خلال توظيف عناصر السرد القصصي والحوار والشخصيات ، فهي تقدم حياة المجتمع بعاطفة إنسانية , بوقائع تكاد تقرأ بعين الحقيقة إذا ما كانت هذه القصة تعالج قضية واقعية في عالمنا المعيش , ومهمة كاتب القصة هي وضع هذا الواقع تحت مجهر الإبداع للوقوف على بؤر الخراب الماكثة في ثناياه , ولعل بعض الأساليب التي يوظفها الكاتب في نصوصه تمنح النص عنصر التشويق الذي يهيمن على المتلقي وهو يقرأ الحادثة وما يتبعها بصبر وشوق ومن تلك الأساليب هما : أسلوب المفارقة وهي من تقنيات الأدب التي يمارسها الأديب لإحداث الدهشة في نفس المتلقي ، لاسيما في المواقف , والآخر التداخل الزمني وهو ما أشار إليه , وحدده جيرار جينيت , وسار عليه كثير من الروائيين والقصصين , في الاستباق والتحول في الزمن , فقد مارسه جماعة تيار الوعي , ومنهم جيمس جويس وولف وآخرون , إذ يمنح النص السردي طاقاته التي تعد من التقنيات التي تتداخل بها الصور الحية من خلال الخروج من دائرة الملل , وهي تسرد الاحداث بزمن واحد .
ولما كان النص السردي ” يرتكز في بنائه الفني للزمان على التلاعب بالمحددات الزمنية ، بمعنى أننا لانركن إلى توقيت زمني محدد , ففي الوقت الذي ينطلق فيه النص من الحاضر نجد أنفسنا بإزاء ماضٍ يتسلط عنوةً على الحدث ” من جانب آخر تتسلط المفارقة المعنوية على اجترار المتلقي نحو إيهام الكاتب له في إحداث تلك المفارقة التي يلعب فيها الزمن دوراً كبيراً من طريق تلك المفارقة , وهذا ما نلمسه لدى القاصة الناشئة بسمة على في قصتها ( حالة ذهول ) وهي تستعمل أنواعلً من الأفعال ؛ لتضفي ألواناً من التداخلات الزمنية , إذ نجدها تستهل قصتها بالأفعال المضارعة ” يطمئن قلبي بجانبك , ويدور فلك عيني حول وجهك الملائكي , أتنفس معك الهواء , وتستنشق أنفاسي أنفاسك العطرة ” ؛ لتجعل بذلك من المتلقي أنْ يعيش معها آنية الحدث ؛ ثم بعد سطور تقوم بكسر الرتابة الزمنية ؛ لتتحول في حديثها بالزمن الماضي ؛ لتحث المتلقي أن يعيش في أمل دنياها وانبساطها في واقعها , حين تنهض من نومتها بعدما تضع الدثار على حبيبها الذي تتركه راقداً على سريرها ؛ لتهيء مائدة الإفطار لكليهما , فهي تروي لنا قائلة : “طلَّ الصباح , وأنا على هذه الحال , فصوت تراتيل الكنيسة يمتزج بآذن الفجر… أكملت غسل أسناني , ثم وجهي متجهة إلى المطبخ ؛ لأعد الفطور , أضرمتُ النار تحت القهوة , وأخرجت بعض شرائح الجبن وقطعتين من الكعك والزيتون واضعة إياها على الطاولة ” ؛ مما يدفع بالمتلقي إلى الخلاص من الرتابة الزمنية ؛ لتنقله من مشهد السرير الذي أوردته في الزمن الحاضر ؛ ليعيش صورة الحبيبين اللذين يرفلان بمتعة الحبِّ والوله , إلى صورة أخرى وهي الحمَّام , ثم المطبخ ؛ لإعداد الطعام فيه , وهي تحكي قصتها في الزمن الماضي , إذ تنقل صورة هذين المكانين , ثم تستمر في استعمال صيغة الماضي ” هَرولتُ نحو غرفة نومنا , وأنا أفتح الباب بلهفه ؛ لرؤيته استرقت النظر إلى السرير , فإذا به خالٍ !! ناديتُ مرهً ومرَّات فلا يجيب , صرختُ به لاتمزح معي , لا أطيق مثل هذةِ الألاعيب ” لتحدث لنا مفارقة من خلال ذلك ؛ فتشعرنا أننا في أحداث هي في الماضي وليست آنية , لتفاجئنا بالحدث الذي ترويه لنا كان جميعه من زمن الغياب , لكن حضور الحبيب جعلها تشعرنا أنه يعيش معها حين تهدأ ثورتها بأحلامها الندية وهي خارج نطاق الزمن بينما واقعها هو الزمن الماضي , فأحلامها متحققة طالما هي خارج أرض الواقع , وهو زمن مستمر , في حين أنَّ الزمن الأرضي ( الواقعي هو زمن متهالك لايبقى منه إلا الذكريات العالقة في الأذهان , وأنها تعيش في غيبوبة الحرمان الذي تعيشه كثير من النساء اللواتي فقدنَ أزواجهن ؛ مما يجعلهن لايطقن العيش من دونهم . وقد أحدثت المفارقة من خلال بصمة التحول في الزمن من خلال الفعلين المضارع والماضي الذي بنت من خلالهما حبكة نصها القصصي , فضلاً عن الصورة النفسية التي خلقت رابطا عاطفيا بين الشخصية والقارئ ؛ لما أحدثته من شفقة ؛ مما يمنح انسجاماً في الصورة النفسية للشخصية , وهو لون آخر من ألوان تقنيات السرد .