السيمر / الأحد 20 . 05 . 2018
عبدالكريم كاصد *
منذ الخطوات الأولى في الماركسية كان تعرّفنا الأول الذي استوعبناه لبداهته وعمقه هو: التناقضان الرئيسيّ والثانويّ، وقد يضيف إليه البعض التناقضين الداخليّ باعتباره أساساً في فهم أي ظاهرة اجتماعية أو سياسية، والتناقض الخارجي، وقد يستطرد البعض، متفلسفاً، فيعتبر التناقض الخارجيّ قد يكون داخلياً حينما يكون تأثيره طاغياً. لذلك لم استوعب ما قاله لي صديقٌ اتصل بي ليخبرني أن الشيوعيين رفعوا في ساحة التحرير ببغداد شعار: “إيران برّه برّه” ولا اعتراض على شعارهم وقناعتهم فيه، فهم أحرار في ما يتخذونه من مواقف، ولكنني قلت للصديق إنَ ذلك مستحيل، فليس في أدبياتهم ما يشي أن إيران هي تناقضهم الرئيسيّ؟ وليس هناك في أدبياتهم ما يشي أن أمريكا لم تعد تناقضاً رئيسياً؟ وفي هذه الحال ما الذي يميّزموقفهم عن الموقف السعوديّ إزاء إيران مثلاً؟ لابدّ ثمة مسافة بالتأكيد. ألم يكن من الأفضل لهم أن يرفعوا هذا الشعار معبرين عن رفضهم تدخلات جميع الأطراف المعنية؟ وثمة اسئلة كثيرة يمكن أن يثيرها هذا الموقف بعيداً عن صوابه أو خطئه، ثم عبرتُ له عن يقيني أنه من فعل الصدريين. غير أنني بعد يوم فقط شاءت المصادفة أو الصدفة – اللتين يتناحر حولهما أصحاب قلْ ولا تقلْ وكأن أحداهما جاءتنا من الصين- أن أستمع للنائبة هيفاء الأمين التي أفرحني فوزها حقّاً ووجهها الطيب الذي اكتسى في التلفزيون صرامة غريبة عن صورتها المألوفة، فكأنّ حديثها المسهب يصدر من فمٍ آخر، فاستوقفني في حديثها أكثر من موضع لا لغرابته ولا لخطئه ولكن لعدم انسجامه مع ما قرأته من أدبيات الحزب الشيوعيّ العراقيّ: فهي تقول بالحرف :”إن التغيير الذي حصل في السعودية في كل المجالات هذا يؤثر أيجابي. ينعكس تأثيره الأيجابي على العراق” ، ثم تعقبه بالقول: “الموقف الأمريكيّ الداعم للاستقلالية العراقية وللإرادة السياسية العراقية البعيدة عن التأثير الإيراني يحجم وجود إيران في العراق” ثم أضافت: “الدعم الأمريكي باتجاه الدولة المدنية دولة المؤسسات دولة المواطنة”. ولم تكتفِ بذلك فهي تنقض حديثها عن إيران بمدح ميليشياته وأحزابه، وتمتد في مديحها إلى من هم سبب خراب بلادنا، فهي تقول أيضاً وما أكثر ما قالت دون أن تنتبه لمحدثَين آخرَين معها رغم تنبيه المذيع لها: إن “سائرون، والعبادي، والحكيم، والوطنية، والجبوري، سيشكلون تحالف كبير جدّاً مؤمنين الوطن فوق الجميع” بحيث أن المذيع صدر منه استغراب شديد لجملتها هذه لخّصه تعبيره المشدوه: “هاي شنو؟” إذا كان كلّ هؤلاء مخلصين فصراعنا مع من إذن؟. أما تزييف الانتخابات فترجعها إلى الطبيعة البشرية التي تفرح إذا فازت وتحزن إن خسرت وتحمل الطرف الآخر مشكلتها، وهي بذلك تضرب عرض الحائط بكل الدلائل التي دلت على التزييف والتي عبّر عنها منتخبوها أنفسهم والوقائع التي نشرت. وكان بإمكانها أن تجدها فرصة لتحمل الأطراف جميعاً، أمريكا وإيران والسعودية، مسؤولية ما يجري من تزييف سافر في مسار الانتخابات، وبذلك يكون الحديث عن التناقض الخارجي واقعياً.
لا أريد أن أقف عند محمد بن سلمان وصهيونيته المعلنة ولن أقف عند حرب اليمن وإرهاب السعودية المعلن، ولكن أقول للرفيقة التي أطلب منها التأني في المقابلات والإصغاء لرأي الآخر ليكون الحوار نافعاً بلا حقائق ومسلمات قبْلية، فردية كانت أم جماعية: أن أمريكا أسوأ إمبريالية عرفها التاريخ. لست أنا من يقول ذلك وليست المسألة تنحصر بترامب فوراء ترامب جيش من المتعصبين الخطرين على الشعب الأمريكي، قبل غيره من الشعوب الأخرى. يقول الأمريكيّ تشومسكي الذي ينعت ترامب بالمهرج أن الحزب الجمهوري أخطر حزب في تاريخ البشرية وليس في حاضرها حسب. أما رأي الكتاب الأمريكيين فهو أشد عنفاً إزاء ترامب وحكومته فهذا الكاتب المعروف بول اوستر، يقول عنه في لقاء له مع الجمهور السويديّ: “إنّ ترامب سافل” وله صفحات عديدة تعبر عن قرفه مما يجري في أمريكا؟ ولن أحيلك إلى مصدر آخر غير الفيديو الشهير الذي يتحدث فيه ترامب عن العراق كبلد لا وجود له، ولا سيادة ولم يأته الأمريكان إلا لنفطه، وحين نطق ساخراً من السيادة التي يُنعت بها العراق ضحك وأضحك من في القاعة، دون أن يجد تصرفه هذا احتجاجاً من لدن نوابنا أو حكومتنا، بل ومنظماتنا أيضاً.
عن أيّ أمريكا تتحدثين عزيزتي هيفاء؟
* كاتب وشاعر عراقي