السيمر / الأحد 20 . 05 . 2018
صائب خليل
انتشر الفيديو الذي صدمت النائبة الجديدة التي قدمها الحزب الشيوعي للبرلمان، به الجميع، حين تغزلت بـ “الموقف الأميركي الداعم لاستقلالية العراق والإرادة السياسية العراقية”! البعض اعتبرها زلة لسان وآخرين اعتبروها جهل أو غباء، أخبرني أحد الأصدقاء ان الأمر ليس كذلك وانه اتجاه “عائلي”. فزوجها ماجد الأمين، ، وهو أيضاً شيوعي سابق، معروف بتغزله المفرط بأميركا ومديحه لإسرائيل.
يجب ان لا يفهم هنا ان هذا المقال إساءة لهيفاء الأمين او حتى لوم لها. فأنا أؤمن تماما أن كل شخص مسؤول عن نفسه فقط وبالمطلق. إنما اريد ان ابين منه أن ما قالته هو ضمن الجو السائد كما يبدو في العائلة، وليس زلة لسان او نقص في الخبرة والمعلومات (إلا إذا اعتبرنا ان الخبرة هنا في إخفاء الحقائق غير المناسبة عن الناس لحين يأتي وقتها).
على صفحته في الفيسبوك، يكتب ماجد الأمين مثلاً عن الشهيد البناني سمير قنطار انه “سحق رأس طفله عمرها اقل من ٥ سنين على حافة الرصيف وقتل ابوها اليهودي!” (لاحظ: “اليهودي”، وكأن الرجل لم يقتله إلا لأنه يهودي) كما يصف زواج القنطار بكل سوقية بأنه “الاسير المتزوج (بلوشي نكاح نضال بالمفهوم ما بعد داعش)” (عبارات لا يهبط إليها احط الصهاينة كما افترض) وأنه عزى بمقتل رابين. ثم يذهب مفصلا “اسره” لزوجته التي رفض تطليقها. (وقد ردت عليه قارئة بأن كل ما قاله عن القنطار تم تكذيبه مشيرة حتى الى مصادر إسرائيلية، فما يتبناه ماجد الأمين يأنه منه نسبة من الاعلام الإسرائيلي ذاته.
ثم يتحول إلى عهد التميمي متبيناً أيضاً الوجهة الإسرائيلية فيصفها بأنها طفله غرر بها ابوها القانوني، وأنها كان يجب ان تركز على دراستها وأن العنف ليس مناسبا للأطفال فهو “منحاز للطفولة والسلام”، وطبعا لم يشر الى كتابة الأطفال الاسرائيليين على الصوراريخ بأنها هدايا لاطفال لبنان وغزة ولا على تدريبهم على السلاح في المدرسة ولا على ضحايا إسرائيل من أطفال فلسطين، كما ردت عليه نفس القارئة.
ويضيف بصراحة انه ” مقتنع بان اسرائيل دوله المفروض كل الدول العربيه تعترف بها كما فعلت مصر والاردن والسلطه وتطبع معها بشكل حقيقي”. فهو يرى أن المسلمين يتفقون “جماعيا وضد عدو غير مسلم ودون حاجه لمعلومه حقيقيه”!
أما عن اميركا فينطلق الغزل بلا حدود: “لم أجد رئيس دوله في العالم يهاجم في الاعلام العالمي “الصديق” والعدو ومن المنظمات السياسيه وشبه سياسية مثل رؤساء امريكا. لم أجد دوله تتعرض للشتيمه والهجمات الشعبيه والسياسيه والمسلحه من سفارات الى منظمات اغاثه واعلاميين الخ ويحرق علمها مثل أمريكا”.
وطبعا هذه كلها علامات إيجابية لدى زوج هيفاء الأمين، وليست دلالة على حالة عدوان امريكي وتعبيرا عن كره الشعوب لها. ولماذا هذا الكره؟ فهي “لم تكن دوله استعماريه تاريخيا وان تدخلت عسكريا”، كما يؤكد.
ما هو السبب في كره العرب لها إذن في رأي ماجد الأمين؟ “المشكله الاكبر هو ثبات الكذب!”. وقد علقت إحدى القارئات: “هاي امريكا طلعت مظلومة واحنا الي حاقدين ع البشرية وضد امريكا لانها منظمة خيرية وتشومسكي هذا غبي ما يفهم من يسولف عن السياسة الامريكية الاستعمارية لان امريكا في فيتنام كانت تدرس الشعب الفيتنامي موسيقى الجاز”.
هذا الحب الشديد للتسامح والانفتاح، ينفجر فجأة حين نقرأ تعليقا لقارئة له:
“لماذا استاذي العزيز وانت الان كتبت عن جمال القيم الديمقراطية الامريكية وتقبلها للاخر حظرت أحدهم لمجرد انه كتب ان كلامك هذا لا يصدقه الامريكان نفسهم ”
يجيبها ماجد الأمين: “انا يا بنتي مافاتحها خان لمن يتجاوز او يتهكم”!!
لم يكن العشق الأعمى للانفتاح وتقبل النقد، وراء شطط ماجد الأمين، إنما هي محاولة إعلامية بائسة لتمجيد أميركا وإسرائيل، مثل الكثير غيرها.
لكن ماجد لا يجد اعمالا مجيدة تسعفه فتاريخ اميركا هو “سجل إجرامي” كما وصفه أحدهم، لذلك نلاحظ أن ماجد يركز على إقناع قارئه أن المهم ليس الجريمة. المهم كيف ان المجرم كان لطيفا باسما حين صارحوه بجريمته! إنه لا يجد في أية جريمة أمريكية إلا دليلا آخر على عظمة أميركا. وحين ذكّره أحدهم ببشاعة الحروب الأمريكية أجاب، وكأنه مدرب على تلك الإجابات:
“الحرب اكيد بشعة بس الصحافيين والجنود الامريكان هم من كشفوا بشاعتها”! لاحظوا “الحرب بشعة” بشكل عام.. حالة بشرية عامة.. لكن من “كشف بشاعتها” ليس عاماً بل محدداً: الجنود الأمريكان!
وطبيعي أن هؤلاء الجنود الامريكان الذين كشفوا تلك البشاعة لا يحتفظون لمثل ماجد الأمين إلا بأشد الاحتقار، لأنه يستخدم احتجاجهم على سياسة حكوماتهم، لامتداح تلك الحكومات في حقيقة الأمر!
ويحيط ماجد نفسه بمجموعة من الأصدقاء المشابهين له، فـ(ثامر خاجي) أيضا لا يجد في جريمة تعذيب السجناء في أبو غريب ما يثير اهتمامه إلا حقيقة “ان من سرب عمليات التعذيب البشع للسجناء والمحتجزين في ابو غريب هم جنود امريكان”.!
هكذا تتحول تلك الجريمة إلى مصدر للمديح، وكأننا في عالم سريالي. لكننا لا نستطيع ان نلوم الأمين أو أصحابه، فالطريقة الوحيدة كما يبدو لامتداح أميركا هي في قلب الحقائق، تماما كعبارة هيفاء الأمين التي تجعل من المحتل، داعما لاستقلالية البلد الذي يحتله، ولإرادته السياسية.
لم يكن كل معلقي ماجد الأمين بهذا البؤس، فسخر البعض من اطروحاته ..
“يبدو ان اليابان كانت متخلفة واليورانيوم الامريكي فتح عقولهم”
“اغلبية الشعب الامريكي مؤيد لالقاء النووي ع اليابان وهذة احصائيات بربكم شنو عدكم معنى الانتماء الإنساني.”
“الامركيان نفسهم من يقرون هذا الكلام يتخيلون انه كتب عن ملائكة مو عنهم. ترامب ما يفكر يكول الي تكوله”
“عجيب طيب شنو سبب انهيار التعليم والطبقة الوسطى”
“بوش حملته الانتخابية عنوانها نقل الحرب من شوارع واشنطن الى بغداد ويفوز ومع ذلك” “يبدو امريكا خير امه ع وجه الارض وشعب فاتحها سبيل لصلاح الأمم”
“ماتدفعه الولايات المتحدة تاخذه اضعاف عبر صندوق النقد الدولي المشبوه بعد تهيئة بإنهاك اقتصاديات البلدان والتلاعب باسعار النفط ومايسمى بفتح الحدود والتجارة الحرة الغير منضبطة اضافة لمخلفات صواريخهم التي تحمل يورانيوم منضب باسلوب خبيث وقذر تستمر تاثيراته عقود اضافة لدعم وجود حكومات ضعيفة فاسدة بتوفير بيئة ضامنة لبقاءهم…. فالمساعدات مرتبطة بمقدار الدعم الذيلي للدول الاستعمارية”
“اميركا دعمت الجماعات المسلحة وحدات الحماية الكردية شمال سوريا بعد ان كانت موضوعة على قوائم الارهاب وجبهة النصرة وكثير من القيادات الارهابية الموجودة اليوم في قاعدتي التنف والركبانية السورية”
“(بل) كلا للعنصرية الدينية التي جمعت أشتاتاً من كل الشعوب لا يجمعهم سوى الهوية الدينية ليقيموا دولة على أرض شعب آخر ويهددوا أمن الدول والشعوب المجاورة. متى ينتفض العالم ضد الدولة الوحيدة التي تدعو جميع أتباع الديانة التي تتستر بها إلى الهجرة إليها واغتصاب الأرض من أهلها لأنهم من دين آخر؟”
لكن ماجد الأمين لا يسمح لهذه الحقائق أن تزعجه، بل يمضي في سبيله. ولدى ماجد تعابير مبدعة أخرى متناثرة كثيرة على صفحته، مثل:
“إن مناقشة التاريخ بما فيه الهنود الحمر هو لتبرير الكراهيه”
“امريكا يشعر بها العالم وكانها دولته الموعوده او المتمناة بكل تنوعها وحريتها ولذلك فهي تُنتقد وتشتم بحريه ورؤساءها كذلك لانها ديمقراطيه ولا تؤذي الناقد وليس لديها منظمه او بوليس يلاحق من يشتم”
ولتبرير قصف مدن اليابان بالنووي يقول: “اليابان كانت دولة احتلال توسعيه قمعيه قوميه عنصريه شديدة القسوه والدكتاتوريه.”
“الاسلاميون خلال أربع عقود يتلاعبون بالغرب”
“متى يكون العالم شجاعا ويقول الواقع كما هو لا للعنصريه الاسلاميه ضد بقية البشر والأديان”
نحن “مغرمون بالعداء المطلق والخبر الغير حقيقي للأسف… اليهود عرق ودين”
“اتباع الاسلام كدين يلقنوهم الكراهيه والعلو والثقافه المحدده والعنف والتوسع عنصرية المتخلف وعقدة النقص / التفوق المركبه للاسف الشديد..”
“اليهود تعرضوا للتشريد في القرون الاخيره من امبراطوريات ودول اوروبيه فيما شردوا وسبوا كعبيد وعبدات منذ نبوخذ نصر وحتى الاسلام والجزيره العربيه التي صفيت فيها الاديان وما بعدها حنى بني عثمان”
“الملاحق تاريخيا ليس مذنب وإذا كون دوله ودافع عن نفسه في حروب مفروضه منذ ٤٨ وفاز فيها ليس خطأ”
“انا مطالب ومن كل وجداني بايقاف العنصريه الاسلاميه المجازه دون كل العنصريات الاخرى”
“إيران دوله عنصريه لان دستورها اسلامي امامي”
“معلومات بسيطه لمن يكره اسرائيل دون تردد ولمن لديه رغبه في الإطلاع (إسرائيل دوله بمعنى الكلمه للدوله الحديثه)”
إذن لا غرابة ان تجد هيفاء الأمين في اميركا “داعماً للاستقلالية العراقية والإرادة السياسية العراقية”، فكل ما يهدد تلك الإرادة هو إيران والإسلام وليس الاحتلال وجيوشه وقواعده وسفيره المتجول في المفوضية وسفارته المهولة وكل ما تركه من مخلفات وما يعلن أنه يخطط له في المستقبل من بقاء أزلي.
في المقالة القادمة سنبين ان هذه الروحية ليست فقط لدى هيفاء الأمين ومحيطها الأسري وإنما هي تمثل في حقيقتها الاتجاه الذي يراد دفع الحزب الشيوعي العراقي اليه، بل و “سائرون” التي لم تتجمع في اعتقادي إلا بمخطط من أجل الدفع تدريجياً بالعراق إلى الطريق السعودي الذي ينتهي بالتحالف مع إسرائيل وتجنيد نفسه لحسابها للحرب مع إيران، وأن “سائرون” لم تحصل على ما حصلت عليه من أصوات (سنشرح لاحقاً لماذا نعتقد أنها مزورة)، إلا من أجل هذا الغرض.