السيمر / الاثنين 21 . 05 . 2018
وداد عبد الزهرة فاخر *
تردد أكثر من مرة على لسان السيد مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الداعم لكتلة ” سائرون” مصطلح ” الحكومة الأبوية ” ، الذي جاء في المؤتمر الصحفي الذي جمعة مع السيد عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة أولا ، بقوله ” حكومة أبوية تكنوقراط ديمقراطية ” . ومرة أخرى جاء هذا المصطلح في المؤتمر الصحفي الذي جمع السيد الصدر مع رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي اثر لقائهما الأخير ببغداد بتاريخ 19 . 05 . 2018 ، بان : ” الحكومة المقبلة أبوية وترعى كل الشعب ” . وقبل ذلك جاء مصطلح ” الحكومة الأبوية ” في تغريدة السيد الصدر ” وليكون حراكنا الديمقراطي نحو تأسيس حكومة أبوية من كوادر تكنوقراط لا تحزب فيها ” ..
وللحديث عن هذا المصطلح ، أي مصطلح ” الحكومة الأبوية ” ، نعود إلى اصل المصطلح وهو ” الأبوية ” ، وقد ورد في موسوعة ويكيبيديا التعريف التالي ” معنى النظام الأبوي حرفيًا هو “حكم الأب”، ويأتي مصدر المصطلح من الكلمة الإغريقية (patriarkhēs) والتي تعني “أب الجنس البشري” أو “حاكم الجنس البشري”.” ..
ونحن كدارسين للتاريخ البشري ومراحله المتعددة نعرف إن ” النظام الأبوي ” هو نظام يتعارض تماما مع الديمقراطية ، كونه نمط حكم متأخر كثيرا في تاريخ البشرية لذلك جاء تعريفه أكثر توسعا بمكان آخر من الويكيبيديا حيث يقول التعريف ” نظام أبوي أو نظام بطريركي أو بطريركية (بالإنجليزية: Patriarchy) هو نظام اجتماعي يمتلك فيه الرجال السلطات الأساسية في المجتمع، من ضمنها السلطات السياسية والأخلاقية والقانونية، مما ينتج عنه إمتيازات عديدة للرجل وسيطرة على حقوق الملكية. في الحقل الأسري، يتحكم الآباء (أو شخصية-الأب) في النساء والأطفال، ويفرضون سيطرتهم عليهم. تاريخيًا، تمثل النظام الأبوي في العديد من المؤسسات الاجتماعية والقانونية والسياسية والاقتصادية والدينية.” ..
وقد شخص المفكر السوري هشام شرابي الهيمنة الأبوية في بحوثه ” في تشخيص الأزمة في البنية الأبوية العربية القائمة على التسلط والتراتبية الفوقية ، التي تبدأ من الأسرة وتنتهي في رأس الهرم للسلطة السياسية ، إذ هي تقوم على الهيمنة الأبوية ( البطريركية ) ” . وأكثر الظلم والحيف في هذا النظام يقع على المراة العضو الأضعف داخل تشكيلة العائلة ، ويليها الأطفال .. فهو أصلا مجتمع ذكوري تتركز فيه السلطة بيد الأب الآمر الناهي . وقد كانت البدوية العربية تفضل هذا النظام خاصة في العصر الجاهلي . وبمجيء الإسلام كحركة مجتمع تقدمية لما قبلها حاول الإسلام رسم شخصية جديدة للمراة ، لكن وجود الرق ، والإماء ، وملك اليمين عطل هذا الدور ” التقدمي ” ، وأدى لفشله .
ويقودنا الباحث د . إبراهيم الحيدري إلى تعريف أوسع ، حيث يقول ” تمتد جذور النظام الأبوي في العالم العربي إلى النظام القبلي الذي يقوم على صلة الدم والقربى والعصبية القبلية، وتكون من شروط تاريخية وجغرافية وثقافية وذلك عن طريق سيطرة الثقافة البدوية على الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية عن طريق نظام القبيلة ( المشيخة)الذي كان بديلا للدولة وإدارتها كتنظيم اجتماعي يقوم على القيم والعصبيات والعلاقات العشائرية.” 1 .
ويستطرد الباحث الحيدري وفي نفس المصدر السابق إلى شرح أوفى بقوله ” كما يمتد النظام الأبوي ـ البطريركي العربي إلى تشكيلات السلطة التي ما زالت تعتمد على النفوذ العائلي، وما زالت التكتلات العائلية والعشائرية والطائفية تلعب دورا هاما وبارزا في كثير من القرى والأرياف وحتى في كثير من المدن العربية. وليس من النادر أن نجد أفراد قبيلة واحدة أو طائفة واحدة أو مدينة واحدة أو منطقة واحدة يسيطرون على السلطة والدولة والنفوذ ويتحكمون في رقاب الناس.”2 .
وهو ما رأيناه على ارض الواقع في حكم العائلة الصدامية التي اختزلت حتى حزبها الفاشي ، حزب البعث ، بشخص ” القائد الضرورة ” ، ونخبة مختارة من العائلة وتوابعها ، بعد أن كانت الهيمنة الأولى لـ ” الحزب القائد ” ، ثم تحولت للمدينة ” تكريت ” ، ثم لقرية هي ” العوجه ” .
أما ما حصل ما بعد سقوط نظام البعث فقد لوحظ مرة أخرى اثر حالة الفلتان الأمني ، وتقصير تنفيذ القانون ، وعجز لسلطات الدولة بحماية المواطنين ، أن لجأ المواطنون من جديد لسلطة العشيرة لحماية أمنهم الشخصي ، أو لاسترداد حقوق ضائعة ، فتم تغييب دور الدولة ، وبروز الدور الأبوي للعشيرة .. وظهر هذا الدور أكثر فأكثر إثناء الدورات الانتخابية لدورات مجلس النواب العراقي وفق الديمقراطية العرجاء التي أصبحت سلما للصعود لمراكز السلطة والهيمنة ، والمال.
فكان للعائلة والعشيرة دورا مميزا لنجاح العديد من المرشحين إضافة لمواقعهم الحزبية الجديدة . وأدى إلى تراجع دور العلماء والتكنوقراط والمثقفين لغياب جمهور العشيرة الداعم لهم انتخابيا وسياسيا ، وقوة تعتمد أحيانا على السلاح لحماية ” ابن العشيرة ” .
لذلك غابت شخوص وأسماء لامعة وعوائل عريقة وشريفة عن المشهد السياسي ، وتغلب الجانب الأبوي المذهبي الديني ” سنة وشيعة “، أو العشائري ، أو الحزبي ، وتم وضع الرجل الغير مناسب بمكان كان يجب أن يشغله الرجل المناسب ، وحضر المشهد الجانب البدوي العشائري العربي متغلبا على العالم أو الأكاديمي ، أو المثقف العراقي ، أو ما نستطيع إطلاق تسمية ” المتريفين ” على المشهد السياسي العراقي .
ومن عوامل ديمومة الدولة الأبوية كما كتب ميثم الجشي ” ومن العناصر التي تطوّل أمد أبوية الدولة هي الوفرة المالية وضعف أو انعدام مؤسسات المجتمع المدني، فالوفرة المالية تدفع الدولة إلى التأصيل في ذهنية المواطن بأنها الوحيدة القادرة على إدارة الثروة القومية، وأنه لا يستطيع تقرير مصيره إلا في إطار النظام القائم، فيظل محتاجا دائما للدولة لتنير له طريقه وتبين له خطأه من صوابه. ” 3 ، وهذا التعريف ينبطق تماما في عصرنا الراهن على السعودية ، ومشيخات الخليج التي تسير وفق هذا النهج الأبوي ، كون السلطة فيها مزيج بين رئيس العشيرة البدوي ، وسلطة المال التي تشكل العامل الرئيسي له للهيمنة على كل مفاصل ما يسمى بـ ” الدولة ” .
اما الكاتب الفلسطيني تيسير الناشف فيقول “أحد الأسباب الرئيسية للتخلف العربي هو النظام الذكوري الأبوي (الباطرياركي) والثقافة الأبوية السائدان في البنية الاجتماعية العربية. يُعَرَّف هذا النظام بمفاهيم السيطرة والهيمنة والمراقبة والسيطرة والأمر. وهذه المفاهيم تنافي وتناقض مفاهيم النقاش والحوار والأخذ والعطاء والتعددية في الفكر والسلوك، وهي من سمات النظام الديمقراطي. وذلك هو السبب الأهم في خنق التعبير الحر عن الفكر والعاطفة.” 4 .
ويقول في مكان آخر من نفس المقال ” في النظام الذكوري الأبوي لا يوجد متسع لحرية المرأة في الإطار القانوني ولتأمين مكانها الذي تستحقه في إطار الأسرة ولا يوجد متسع لتحقيق بعض مفاهيم الديمقراطية ولممارسة الديمقراطية.” 5
وحتى لا نشتط بعيدا فمن العدل أن نعود ونتساءل حول مفهوم ” الدولة الأبوية ” بالنسبة للسيد الصدر ، وهل استقى هذا المصطلح من مفهوم المرجعية الذي تردد دائما بـ ” أن المرجعية أب للجميع ” ؟ ، بمعنى ” الرعاية ” ، وبرأينا لو إن السيد الصدر قصد هذا المنحى ، فهو إذن قصد إيماني ، وليس غرض سياسي كما المفهوم الأصلي لـ ” الأبوية ” ، لان المرجعية وكل رجال الدين يقومون بخدمة المؤمنين بموجب الدور ” الأبوي ” الديني ، وليس السياسي لجميع أبناء الشعب وفق مفهوم ” الوقوف بمسافة واحدة من الجميع ” كما ورد مرارا وتكرارا على لسان المرجعية الدينية .
وفي الأخير رغم عدم قناعتنا وإيماننا العميق بعدم أهلية قيادة العملية الانتخابية الأخيرة من قبل السلطة المتحاصصة الحاكمة، التي أثبتت القرائن العديدة عن عمليات التلاعب والتزوير فيها ، وبذا انتفت الصفة القانونية عنها ، إلا إن النمط الأبوي للسلطة الحاكمة التي جاءت كنتيجة حتمية لاحتلال أجنبي تعمد إقصاء دور الدولة ، وشكل سلطة بعيدة كل البعد عن شكل ونمط الدولة المؤسساتية ، لوضع العوائق لعدم تطور الدولة العراقية بعد سقوط النظام الفاشي الذي استمر ثلاث عقود ونصف من الزمن ، هذا النمط من الحكم الأبوي فرض سلطويا نتيجة انتخابية غير مقبولة جماهيريا وهناك براهين مؤكدة على تبعية السلطة إقليميا وعالميا ، حيث تتحكم أطراف خارجية بكل شئ بوطن اسمه العراق ، وبذا يمكن أن نؤكد بان ” النظام الأبوي ” للأطراف المتحاصصة في إدارة السلطة القائمة، هو المتسلط على العراق ولا علاقة له بأي شكل من أشكال الديمقراطية الحديثة .
هوامش :
1 – النظام الأبوي وتأثيره على العائلة والمجتمع والسلطة / د إبراهيم الحيدري / ايلاف 2010 الأربعاء 27 أكتوبر
2 – نفس المصدر السابق.
3 – أبوية الدولة، الإصلاح والاقتصاد / ميثم الجشي / موقع المقال 30 مارس, 2012
4 – النظام الأبوي والتعددية / تيسير الناشف / ديوان العرب / ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
5 – نفس المصدر السابق كما ورد في 4
* شروكي من بقايا القرامطة ، وحفدة ثورة الزنج
www.saymar.org
alsaymarnews@gmail.com
الأحد 20 . 05 . 2018