السيمر / الاثنين 21 . 05 . 2018
د . لبيب قمحاوي
ليس هناك ما هو أصعب من الدفاع عن قضية خاسرة . لقد أشفقت فعلاً عن الإنسان المهذب السيد حسام أبو علي مدير عام دائرة ضريبة الدخل والمبيعات في محاولاته المستميتة للدفاع عن مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد من الضربات الموجعة التي وجهها إليه رجال الأعمال الأردنيين من صناعيين وتجاريين ومستثمرين .
لم يسقط حسام أبو علي في الامتحان بقدر ما سقط مشروع قانون ضريبة الدخل نفسه من خلال النقاش الذي استضافته جريدة الدستور ظهر يوم السبت الموافق 2018/5/19 .
فيما يلي أهم الملاحظات على ما قيل مباشرة في ذلك اللقاء وعلى الحقائق المتعلقة بمشروع القانون والتي تم تجاهلها رسمياً أو عملياً وكذلك عن وجود مثالب لم يتم الإشارة إليها علماً أن معظم ما أثاره المواطنين من نقاط ، خصوصاً الحاج حمدي الطباع ، كان في غاية الأهمية لمن يريد أن يصحح المسار ويُعَدِّل مشروع القانون ويخدم الوطن وليس فقط الرد على تلك النقاط كيفما كان ولمجرد إبقاء مشروع القانون على حاله دون أي رغبة حقيقية في تعديله وتحسينه .
ففي الوقت الذي يحاول فيه المسؤولين في دول أخرى التملص ما أمكن من طلبات وتعليمات صندوق النقد الدولي خدمة لشعوبهم ، فإن معظم المسؤولين الأردنيين يظهرون تفانياً ملحوظاً في تطبيق تعليمات ذلك الصندوق بحذافيرها ودون مناقشة وكأنها قادمة من السماء . إن مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد في أصوله وفي أحكامه الجزائية قريب جداً من الأفكار الأمريكية وقد يكون مستوحى منها ولا ينطبق بالضرورة على الحالة الأردنية ولا داعي لأن يُصِرّ المسؤولون الأردنيون على الالتزام بتطبيقها .
أولاً : ابتدأ السيد / حسام أبو علي بالإشارة إلى أنه يتحدث عن ضريبة الدخل فقط وبمعزل عن باقي الضرائب ، وهذا خطأ . فالحمل الضريبي واحد ولقبه كمسؤول هو مدير دائرة ضريبة الدخل والمبيعات أي كلا الضريبتين معاً . الحمل الضريبي يُقاسُ بمجموع الضرائب المفروضة على المواطن وليس بمعزل عن بعضها البعض ، وإلاّ أصبح التلاعب اللفظي من خلال اتهام الأردنيين بأنهم لا يدفعون ضريبة ممكناً من خلال الإنتقائية في الأرقام والمعلومات . وعلى أية حال وبموجب بنود الميزانية فإن 84% من مجمل عائدات الدولة الضريبية يدفعها الأفراد و16% من الشركات ، علماً أن الايرادات الضريبية قد تضاعفت تسع مرات منذ العام 1994 (من 575 مليون دينار إلى 5146 مليون دينار أي خمسة مليارات ومائة وستة وأربعون مليون ديناراً) وذلك بعد صدور قانون ضريبة المبيعات عام 1994 .
ثانياً : ضريبة المبيعات هي في اصولها ضريبة ضد الإسراف وعلى الكماليات وتحولت على أيدي المسؤولين في الأردن إلى وسيلة جباية وإلى ضريبة مجحفة على الأساسيات وعلى غذاء ودواء وملبس الفقراء من الأردنيين . والأردن بذلك يخالف المفهوم الأساسي والفلسفة الكامنة وراء فرض ضريبة المبيعات .
ثالثاً : وكما صرح السيد حسام أبو علي نفسه فإن الهدف من مشروع قانون ضريبة الدخل هو توسيع القاعدة الضريبة وليس العدالة الضريبة . بحديث أخر هدف مشروع القانون هو الجباية وليس العدالة في توزيع الحمل الضريبي .
رابعاً : أشار السيد حسام أبو علي إلى ضرورة توسيع قاعدة معلومات دائرة ضريبة الدخل والمبيعات مما يعني تحويلها إلى دائرة مخابرات مالية وكأن الشعب بحاجة إلى المزيد من أجهزة المخابرات ، وطبعاً الهدف هو الجباية وليس العدالة .
خامساً : تكلم السيد حسام أبو علي عن مسؤولية المواطن الأردني في دفع كل أشكال الضريبة تحت طائلة العقوبة والسجن طبقاً لمشروع القانون الجديد ولم يتكلم عن مسؤولية الحكومة تجاه المواطن الأردني وفشلها المزمن في تقديم الخدمات الأساسية والضرورية له ، وما هي السبل التي يستطيع المواطن بموجبها محاسبة الحكومة على تقصيرها في ظل الأوضاع السائدة ، وإنما إكتفى بتبيان ما تستطيع الحكومة أن تفعله بالمواطن إذا ما قـَصَّرَ في دفع إلتزاماته الضريبية ، وهذا منطق فوقي استعلائي مستبد .
سادساً : لم يتكلم السيد حسام أبو علي عن الإنفاق المسعور للدولة بالرغم من إدعائها بشح الموارد ، مثل إنفاق ما يزيد عن خمسين مليون دينار لمبنى وزارة الصحة مع خفض الإنفاق بالمقابل على الخدمات الصحية للمواطنين بما في ذلك مرضى السرطان ، أو ما يزيد عن 50 مليون دينار لمحطة تلفزيون جديدة أو ما يزيد عن 55 مليون دينار لمبنى وزارة المالية علماً أن كل تلك الأموال جاءت من الخزينة وليس من مساعدات خارجية في الوقت الذي قامت فيه الحكومة بخفض الدعم عن الخبز مثلاً بحجة ضعف الموارد . كل هذا ناهيك عن مصاريف لأجهزة أخرى بمئات الملايين سنوياً .
سابعاً : خلافاً لكل الأعراف الضريبية في العالم والتي تمنع الازدواج الضريبي ، فإن مشروع قانون ضريبة الدخل يسمح بالازدواج الضريبي من خلال فرض ضريبة إضافية على توزيع الأرباح في الشركات المساهمة العامة علماً أن الأرباح المذكورة مدفوعة الضريبة ، بالإضافة إلى رفض إعتبار ضريبة المسقفات جزأً من الضريبة مما يستوجب في العادة اقتطاعها من الضريبة العامة .
ثامناً : مع أن السيد حسام أبو علي نفى أن مشروع القانون يسمح بالإطلاع على أرصدة حسابات البنوك إلا بأمر المحكمة ، إلا أنه لم ينفي حقيقة أن بإمكان موظفين في دائرة ضريبة الدخل والمبيعات الحجز على أموال وأملاك وأرصدة حسابات أي مواطن أردني “بكبسة زر” دون الرجوع لأي محكمة مما يُمَكـِّن الدائرة المذكورة بالنتيجة من الاطلاع على حسابات أي مواطن من خلال الحجز عليه بقرار إداري علماً أن قيمة الحجوزات تفوق في معظم الأحيان ماهو مطلوب بعشرات أو مئات المرات .
تاسعاً : يوصي مشروع القانون بإلغاء الحوافز ورفع ضريبة الدخل على الصناعة بالرغم من معاناتها من زيادة أسعار الوقود والكهرباء والمياه والضرائب والمنافسة القادمة من دول أخرى وجَعْلـِها في مهب الريح مما قد يؤدي إلى إغلاق العديد من المصانع في الوقت الذي يعاني فيه الأردن من مشكلة بطالة متفاقمة .
عاشراً : يسعى قانون الضريبة الجديد إلى معاقبة التهرب الضريبي ويتجاهل الفساد الكبير الذي يؤثر على ربحية العديد من الشركات والمؤسسات العامة مما يؤثر على دخل الدولة من الضريبة على الأرباح .
على الحكومة أن تعترف إبتداءً بأنها قد كذبت وأساءت إلى الشعب الأردني عندما إتهمته بأنه من أقل شعوب العالم دفعاً للضرائب . الضرائب ليست ضريبة الدخل فقط ، ولكنها أيضاً وبالإضافة ضريبة المبيعات على كل شئ يتم شراءه من مواد وخدمات (16%) والطوابع (200 مليون في العام) وضريبة المبيعات الخاصة على الإتصالات (26+16%) والضريبة الخاصة على المحروقات (50%) والضريبة الخاصة على استهلاك الكهرباء …. إلى آخر ذلك من ضرائب مباشرة وغير مباشرة ، معلنة وغير معلنه .
إن الإستهتار بعقل المواطن من قبل أي مسؤول هي جريمة بحق الوطن . وموقع المسؤولية لا يُعطي شاغله الحق في التعامل مع المواطن بإعتباره كماً لا قيمة ولا رأي له وأن كل ما عليه فِعْلـَهُ هو إطاعة الأوامر . والعقلية العرفية التي يتمتع بها معظم المسؤولين الأردنيين ، ما داموا في مناصبهم ، تسمح لهم بالتفكير إما بفوقية واضحة أو بإستسلام واضح لمن هم أعلى منهم في هرم المسؤولية مما ينتج عنه في العادة مشاريع قوانين مُستـَبِدَّة وعُرْفـِيـَّة مثل مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد .
- مفكر وكاتب عربي
21 . 05 . 2018