السيمر / الجمعة 25 . 05 . 2018
صالح الطائي
اطلعت مؤخرا على وجود نوايا لدى بعض المنظمات الغربية لإعادة توطين الإخوة المسيحيين العراقيين في منطقة محددة من العراق معزولة عن باقي مكونات الشعب بحجة أنهم يتعرضون إلى التعنيف وتصادر حقوقهم في العيش الآمن السعيد، وأنا إذ استنكر مثل هذه المشاريع الخبيثة وأدينها وأشجبها، أذَّكر المجتمع الدولي وهذه المنظمات وكل من له علاقة بقصة ترشيح عمار فرنسيس لمجلس النواب.
من المؤكد والمعروف للجميع أن ثلاث عائلات مسيحية فقط لا تزال متواجدة في مدينة الكوت/ محافظة واسط جنوبي العاصمة بغداد، وهذه العائلات لا يتجاوز عدد أفرادها الخمسة عشر شخصا، ومع ذلك رشح أحد أبنائها إلى الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر أيار 2018، هو الأستاذ عمار فرنسيس بطرس (41) عاماً، ولم تكن مفاجأة حصول عمار على (5348) صوتاً انتخابياً من مدينة عراقية جنوبية تكاد تخلو من العائلات المسيحية، فثلاث عائلات من أصل 1.149 مليون إنسان هم مجموع أهالي هذه المحافظة لا تمثل ثقلا يذكر يشجع شابا لترشيح نفسه ضمن هذا التحدي الكبير؛ الذي يحتاج إلى آلاف الأصوات، ومع ذلك حصل عمار على هذه النسبة الكبيرة بما يدل على أن العراقيين نجحوا في تجاوز محنة الطائفية التي فتح أبوابها تنظيم داعش الإرهابي مدعوما بجميع أنواع الدعم من دول الجوار العراقي جميعها والاستكبار العالمي والماسونية، وان حلم الدولة المدنية بدأ يتبلور في أذهان العراقيين الذي أصبحوا يسعون إلى التغيير بعد النكسات التاريخية التي تعرضوا لها منذ التغيير في عام 2003 ولغاية هذا التاريخ.
إن حصول عمار فرنسيس على هذا العدد الكبير من الأصوات يعني بكل تأكيد أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين العراقيين ليست لعبة رمي العملة (كتابة/صورة) بل هي زواج كاثوليكي لا طلاق فيه، وما حدث في السنوات القليلة الماضية كان تطليقا موقتا حكمت به داعش، وأقرته شريعتها، والتطليق كما هو معروف: الفصل بين الزوجين بناء على حكم محكمة ولأسباب تقرها الكنيسة.
ويعني حصول عمار فرنسيس على هذا العدد الكبير من الأصوات أن تجربة الرهان على العقيدة والقومية والمناطقية التي كان معمولا بها على مدى أكثر من خمسة عشر عاما، أثبتت فشلها وسقوطها، وأن الجماهير التي أيدتها بداية، أدركت أن أهدافها لم تكن لوجه الله تعالى، بعدما تسببت في تمزيق اللحمة الوطنية، وأن البديل المنطقي لتلك الفوضى هو بتغيير الوجوه التقليدية عن طريق انتخاب كفاءات شبابية تؤمن بالدولة المدنية، ولذا أعتقد أن الانتخابات العراقية القادمة ستكون بطعم آخر يختلف كليا عن سابقاته وبشكل جذري.
طبعا هذا إذا ما بقي النظام الديمقراطي معمولا به في العراق، مع وجود رفض جماهيري لحالة الفوضى التي نعيشها، وأبسطها موضوع الطاقة الكهربائية المتهالكة الذي بلغ ذروة السوء في الأيام القليلة الماضية، والذي قد يدفع الجماهير إلى الثورة الشاملة تحت شعار عليَّ وعلى أعدائي!.