السيمر / الاثنين 28 . 05 . 2018
د. مصطفى يوسف اللداوي / فلسطين
أمام هول وفظاعة وبشاعة ما ترتكبه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين عامةً، وبحق سكان قطاع غزة، ترتفع بعض الأصوات الدولية على خجلٍ واستحياء، وبصوتٍ خافتٍ خائفٍ، تطالب المجتمع الدولي بإجراء تحقيقٍ نزيهٍ وعادلٍ في الأحداث الدموية التي شهدها قطاع غزة على مدى الشهرين الماضيين، ومعرفة خلفيات وأسباب ما حدث، وتفسير الارتفاع الكبير في عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين، وتحديد الجهة المسؤولة عن تدهور الأوضاع العامة، والتي كانت السبب في الزيادة المهولة في أعداد الشهداء والجرحى، حيث رأت بعض الدول أنه لا يمكنها السكوت عما يجري، ولا القبول بالسلوك الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، وتبرير جرائمها الدموية بأنها دفاعٌ مشروعٌ عن النفس، وحماية سيادية لحدودها.
تصدرت دولة الكويت العضو العربي في مجلس الأمن الدعوة إلى إجراء التحقيق الدولي، ودعت مجلس الأمن إلى الانعقاد أكثر من مرة، وأعدت مسودة بيانٍ دبلوماسي، أجريت عليه أكثر من تعديل، وحرصت على أن تحذف منه كل ما يغضب الولايات المتحدة الأمريكية ويثير حفيظتها، ويدفعها لاستخدام حق النقض “الفيتو” الذي تتمتع به في مجلس الأمن الدولي، لعلمها أن المندوبة الأمريكية لن توافق على أي قرارٍ يدين دولة الكيان، أو يحملها مسؤولية ما يحدث في قطاع غزة، بل قد تبريء الكيان الإسرائيلي المجرم وتدين الشعب الفلسطيني وقوى المقاومة في قطاع غزة، وهو الضحية والمظلوم في هذه المجازر الدموية التي يرتكبها جيش الاحتلال، والتي لم تتوقف على مدى شهرين متتاليين.
رغم التنازلات الكبيرة والتعديلات الكثيرة التي قدمتها الكويت في مجلس الأمن لتمرير مشروع قرارها، أو مسودة بيانها الصحفي، إلا أنها فشلت في إصدار قرارٍ يدين دولة الكيان الصهيوني، ويحملها مسؤولية جرائمها، وبقيت الولايات المتحدة الأمريكية تحمي الكيان، وتغطي جرائمه، وتشجعه على المزيد منها، إذ اتهمت المندوبة الأمريكية في مجلس نيكي هايلي الفلسطينيين بأنهم يستفزون جيش الاحتلال، وأنهم اعتدوا على السياج الفاصل وأسقطوه، ونزعوا الأسلاك الشائكة وهددوا أمن المستوطنين وسلامتهم، مما دفع بجنود جيش الاحتلال لإطلاق النار عليهم، إذ ليس أمام الحكومة الإسرائيلية خياراً آخر يواجهون به آلاف الجماهير الزاحفة غير إطلاق النار عليهم، إذ يصعب اعتقالهم ولا يمكن توقيفهم بغير إطلاق النار عليهم.
رغم أن الفلسطينيين لا يأملون كثيراً في مجلس الأمن الدولي الذي تتربع فيه الإدارة الأمريكية، وتهيمن على قراراته وتمارس نفوذها على أعضائه، وتضغط عليهم وتؤثر في قرارهم، ولا تستحي من تهديدهم بالعقوبات أو حرمانهم من المساعدات، حيث لا يمرر بسببها أي قرارٍ ينصف الفلسطينيين ويقف معهم، أو يدين الاحتلال ويحمل حكومته المسؤولية، وشواهد مجلس الأمن كثيرة، وقراراته المعطلة محفوظة، إذ تتسلح فيه ضد العدل والسلام، وضد الخير والمحبة، بسلاح الظلم الفيتو الذي اعتادت أن تستخدمه ضد الشعوب المقهورة، وعلى حساب الدول الضعيفة، تأييداً للدول الظالمة، والجيوش المعتدية.
إلا أن هذا الواقع المؤلم والنتيجة الحتمية المعلومة مسبقاً، لا يمنعنا من شكر الكويت وغيرها من دول العالم الحرة، العربية والإسلامية والصديقة، التي وقفت إلى جانب الشعب الفلسطيني، وآمنت بمظلوميته، وساندته في قضيته، واستعدت لتحمل أعباء مواقفها، فما تقوم به هذه الدول جهدٌ مشكورٌ وعملٌ مبرورٌ، نقدره كثيراً رغم عجز مؤسسات المجتمع الدولي عن خلق قوةٍ تحمي الحق، وإصدار قراراتٍ تنصف المظلومين، وتضع حداً للقتلة المجرمين، وعدم قدرتها على مواجهة صلف الإدارة الأمريكية وعنجهية وقلة أدب مندوبتها في مجلس الأمن، التي تريد قلب الحقائق، وتشويه الوقائع، وتبديل المعطيات، لتبدو إسرائيل مظلومة، والشعب الفلسطيني وقواه ظالمين معتدين يستحقون ما أصابهم ولحق بهم.
المشكلة التي تثير الضحك وتدعو إلى السخرية، أن المجتمع الدولي يبدو وكأنه في حاجةٍ إلى تحقيقٍ وتفتيش، وإلى بحثٍ واستقصاء، ليعرف أسباب ما جرى على السياج الفاصل شرق قطاع غزة، وكأن دوله ومؤسساته، وهيئاته ومنظماته، وصحافته وأجهزته الأمنية والرقابية لا تدرك ما يحدث، ولا تعرف من هو المعتدِي القاتل الظالم، ومن هو المعتدَى عليه المقتول المظلوم، وكأنهم لم يروا المسيرات الشعبية السلمية المجردة من الأسلحة، والتي شارك فيها الأطفال والنساء والشيخ إلى جانب الشبان والرجال، بما يؤكد سلمية هذه المسيرات، وعدم اعتمادها العنف أبداً خلال فعالياتها اليومية، ولم يروا عمليات القنص الإسرائيلية الممنهجة والمقصودة والكثيفة والعنيفة، التي أدت إلى استشهاد أكثر من مائة وعشرين شهيداً، وإصابة أكثر من ثلاثة عشر ألف فلسطيني بجراحٍ مختلفةٍ، إصابة الكثير منهم خطرة.
لهذا لا يعول الفلسطينيون كثيراً على لجان التحقيق الدولية، التي له بها ومعها خبرة طويلة منذ أربعينيات القرن العشرين حتى اليوم، إذ فشلت لجان التحقيق الدولية كافةً في وضع تقاريرها، وإذا نجحت فإن المجتمع الدولي عجر عن تنفيذها، ولم يقوَ على فرض مقرراتها على الكيان الصهيوني، الأمر الذي جعل من عمل لجان التحقيق الدولية في فلسطين المحتلة ترفاً لا طائل منها، وعبثاً لا فائدة فيها، فهي ليست إلا لذر الرماد في العيون، أو لتشويه الحقائق وإخفاء الدلائل وتذويب الوقائع، أو لتمكين العدو من الاسترخاء قليلاً قبل الإقدام على القيام بمجزرةٍ جديدةٍ أو مذبحةٍ أخرى.
على هذه اللا مسؤولية واللا جدية واللا أخلاقية قد عودنا المجتمع الدولي، رغم أنه لا يخلو من دولٍ صادقةٍ صديقةٍ، وأصواتٍ جادةٍ حريصةٍ، إلا أنها تبقى أضعف من أن تفرض رأيها أو تنفذ وعدها، وأقل من أن تشكل حالةً عامة، وقد اعتاد الشعب الفلسطيني على عدم الإصغاء إليها أو الركون إلى جهودها ونتائجها، حيث يؤثر الاعتماد بعد الله عز وجل على قوته وتماسكه، ووحدته وإرادته، وصبره وثباته، ووعيه وفهمه، ويسأل الله أن يحفظه وأبناءه، وأن ينصره ويمكن له في الأرض المقدسة التي كتب له، وما ذلك على الله بعزيز، إذ أنه سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير.
بيروت في 28 . 05 . 2018