السيمر / الأربعاء 30 . 05 . 2018 — أحدث قرار البرلمان العراقي، مساء الإثنين الماضي، إرباكاً كبيراً على الساحة العراقية، إذ تعني حزمة قراراته، المتعلقة بإلغاء نتائج انتخابات عراقيي المهجر والنازحين، والتي تبلغ نحو مليون صوت، وكذلك إعادة عملية العد والفرز لـ10 في المائة من صناديق الاقتراع ومن مختلف مدن البلاد، في حال تنفيذها، إعادة رسم شكل وحجم التحالفات ومقاعد كل منها، إذ من المتوقع أن تتم إزاحة مرشحين فائزين وصعود آخرين اعتبروا خاسرين.
ووفقاً لقرارات البرلمان، التي ما زال الجدل قائماً حول دستوريتها من عدمه، فقد يتأثر بهذا الأمر أكثر من 20 نائباً من الذين فازوا عبر اقتراع عراقيي المهجر والنازحين، أبرزهم حزب الحل، أو ما بات يعرف بتحالف الكرابلة، بزعامة جمال الكربولي، إذ تدور اتهامات بتلاعب جرى لصالحهم في محطات اقتراع في الأردن، وائتلاف دولة القانون الذي توجه له تهم التلاعب بمحطات اقتراع في إيران ولبنان، وأيضاً الحزب الديمقراطي الكردستاني في محطات اقتراع في ألمانيا. ووفقاً لمسؤولين في مكتب رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، فإن اللجنة الوزارية المشكلة الأسبوع الماضي للتحقيق في اتهامات التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات، وجدت خروقات كبيرة وخطيرة تتعلق بعملية الاقتراع وآلية نقل البيانات من صندوق الاقتراع إلى قاعدة البيانات الرئيسية، فضلاً عن عمليات تعمد عدم فتح محطات اقتراع في مناطق نائية ومعسكرات نزوح وعرقلة تصويت ناخبين من جمهور طرف معين، وتحيز مدراء مراكز ومحطات انتخابية خارج العراق وداخله لصالح تحالفات دون أخرى، واتضاح كسر صناديق اقتراع وإدخال أوراق انتخابية فيها من دون وجود معلومات عنها في جهاز البصمة (التحقق من هوية الناخب).
وقال مسؤول في مكتب العبادي، لـ”العربي الجديد”، إنه “في حال أخذ بقرار البرلمان الأخير أو لم يؤخذ، فإن اللجنة العليا، المشكلة في أمانة مجلس الوزراء للتحقيق في نزاهة الانتخابات، مستمرة بعملها وعلى خط واحد مع مجلس القضاء الأعلى”. وأضاف “تم استدعاء أربعة من مسؤولي المفوضية، هم رئيس مجلس المفوضين ورئيس الدوائر الانتخابية ومسؤول انتخابات الخارج ومسؤول تكنولوجيا المعلومات، بحضور مسؤولين من هيئة النزاهة، وجرت عملية استجوابهم في قصر الخلد، وسط بغداد، الإثنين وصباح الثلاثاء، على التوالي، ولا تزال هناك عمليات استدعاء جديدة لمسؤولي مكاتب المفوضية في المحافظات”.
وكان البرلمان العراقي قد أقر، في جلسة استثنائية مساء الإثنين، قانوناً يقضي بإلزام مفوضية الانتخابات بإلغاء أصوات المغتربين والنازحين بسبب شكاوى التزوير وثبوت عمليات تلاعب بأصواتهم، بالإضافة إلى إعادة فرز 10 في المائة من أصوات الناخبين في عموم المدن العراقية، خصوصاً كركوك، ومنع إتلاف أو التلاعب بالمستلزمات الانتخابية التي تشمل استمارات الناخبين وهويات التحقق وقواعد المعلومات للعراقيين الذين دخلوا محطات الاقتراع وصولاً إلى صناديق الاقتراع نفسها وأشرطة كاميرات المراقبة. وتركت رئاسة البرلمان الجلسة مفتوحة، في إشارة الى إمكانية انعقادها في أي وقت خلال الشهر الأخير المتبقي من عمر الدورة التشريعية الدستورية، المقرر أن تنتهي نهاية يونيو/ حزيران المقبل.
وفي أول رد فعل لها، حذرت المفوضية العليا للانتخابات في العراق من “اندلاع حرب أهلية في العراق” بسبب “محاولة الانقلاب على نتائج الانتخابات”. وقال رئيس الدائرة الانتخابية في مفوضية الانتخابات، رياض البدران، في تصريح لقناة محلية، إن “هناك خطورة لمحاولة الانقلاب على نتائج الانتخابات” التي أعلنتها المفوضية في وقت سابق. وحذر البدران من أن الانقلاب على نتائج الانتخابات قد يؤدي إلى “اندلاع حرب أهلية” في البلاد، مشيراً إلى أن “القانون لا يسمح بإلغاء انتخابات الخارج الذي طالب به البرلمان”.
وأوضح النائب العراقي عبد الكريم عبطان، أن “جلسة البرلمان عقدت بنصاب مكتمل (165 نائباً)، واستندت في قراراتها إلى المواد الدستورية 5 و20 و38 و102، باعتبار الدستور صاحب السلطة الأعلى في البلاد وله السلطة على المفوضية بموجب المادة 102، وتم التصويت على ضوء ذلك بقرارات تهدف لضمان نزاهة الانتخابات وحماية العملية الديمقراطية، وهي ملزمة للمفوضية. وفي حال عدم التزامها بالقرارات، نذكر أن الجلسة ما زالت مفتوحة وسنرتقي إلى قرارات أخرى بهذا الشأن”. وتابع “هناك تزوير واضح، وتوجد أدلة دامغة وأفلام ووثائق بأنه تم بيع أصوات عراقيي الخارج لصالح جهات دون أخرى”.
من جانبه، قال الخبير القانوني العراقي، طارق حرب، لـ”العربي الجديد”، إن “عملية العد والفرز يدوياً قرار مقبول ودستوري من قبل البرلمان، لأنه تدقيق وتثبّت وتأكد من أن هذه الصناديق قانونية أم لا. ومن حق البرلمان اتخاذ هذا القرار، بل إن ممانعة المفوضية لهذا القرار تحملها مسؤولية قانونية”. وأضاف “أما إلغاء الانتخابات فإنه أمر غير مقبول دستورياً، لأنه يجب أن يصدر بقانون خاص وليس بقرار برلماني، وأن يكون بمبررات معقولة، وليس مجرد تهم أو شكوك. وهنا لا يجوز إلغاء جزء من أصوات المواطنين العراقيين، كالنازحين والمهجرين، لأن حق التصويت للعراقي مكفول بموجب الدستور، ويجب أن يكون هناك مبرر لإلغاء هذا الحق أو تأجيله”.
وتوقع تحالف “النصر”، الذي يتزعمه رئيس الوزراء حيدر العبادي، تدخل القضاء لـ”فك الاشتباك القانوني الحالي الذي خلفته جلسة البرلمان الاستثنائية”. وقال عضو التحالف، محمد العبيدي، لـ”العربي الجديد”، إن “القرار أربك المفاوضات، وهناك كتل حصلت على مقعدين أو ثلاثة قد تختفي، ومرشحون فائزون قد يخسرون، وخاسرون قد يفوزون، والكتل المتقاربة في ما بينها بعدد الأصوات قد ترتفع واحدة وتنزل أخرى”. وأضاف “من المرجح أن يتدخل القضاء بقرار ملزم من قبل مجلس القضاء الأعلى. أتوقع أن تبرد، خلال هذا الوقت، حماوة اللقاءات والمفاوضات بين الكتل السياسية”.
وبدا الانقسام واضحاً داخل الكتل والقوائم السياسية العراقية حول قرار البرلمان، ووصل حد الانقسام داخل الكتلة ذاتها. ففي الوقت الذي رحبت فيه كتلة التغيير الكردية بالقرار، عارضته قيادات الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستاني، بينما تحفظت عليه قائمة سائرون، بزعامة مقتدى الصدر، واعتبرته تجاوزاً من البرلمان على قرارات القضاء وسلطته، في حين رحب الخاسرون من ائتلاف دولة القانون بالقرار، فيما طالب النواب الفائزون فيه بعرض الأمر على القضاء العراقي. وفي حين التزمت كتلة العبادي الصمت حيال ذلك، اعتبرت قائمة الفتح، التي تمثل “الحشد الشعبي”، أن جلسة البرلمان غير شرعية من الأساس ولا يمكنها اتخاذ قرارات بهذا الشكل.
المصدر: العربي الجديد