أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / تغييب الدور السياسي الرئيسي للجماهير العراقية

تغييب الدور السياسي الرئيسي للجماهير العراقية

السيمر / الثلاثاء 12 . 06 . 2018

وداد عبد الزهرة فاخر *

الوضع العراقي وضع سئ ومعقد برمته وليس فقط الوضع السياسي لوحده بل مجمل الوضع العراقي ، كون عملية الفوضى الخلاقة لا زالت سارية بغياب تام لقيادة سياسية حكيمة ، وصارمة وحازمة .. وقد زاد من تفاقم حالة الفوضى الخلاقة استلاب الشارع العراقي من شخوصه الحقيقيين أي الجماهير من قبل أطراف سياسية معينة ، وخلوه من المطالب المعيشية والاجتماعية الحقيقية . وسنضرب مثلا بسيطا عن قضايا ومطالب جماهيرية لشعوب من دول العالم وخاصة دول العالم الثالث ، حيث يتم دعم من الدولة لسعر مكون غذائي رئيسي وهو الخبز ، الذي تندلع ثورات شعبية كبيرة من اجله عند التلاعب بأسعاره ورفع الدعم عنه ، هو والزيت والسكر والحليب .. لكننا نرى تلاعبا واضحا في هذا المجال في العراق فأسعاره تتفاوت بين مخبز وآخر ، أو بين محافظة وأخرى سوية مع الزيت والسكر والحليب ، دون أن يعترض احد ، أو أي طرف أو جهة سياسية تدعي الدفاع عن الجماهير .
فما يجري ضمن نظرية الفوضى الخلاقة هو استعراض للقوة والوجود السياسي باسم تظاهرات مليونية من طرف سياسي معين يلحقه بصورة ذيلية ما يسمى باليسار العراقي طائعا ومختارا ، وهو يدبج البيانات التي لا تغني ولا تسمن من جوع ..
فلم نر للآن أي تظاهرات شعبية جامعة لكافة صنوف ومنظمات المجتمع المدني ، ولا قواه السياسية ، وسيطر النقد اللاذع على ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي ، دون أية مناقشات أو حلول لأي أزمات ، الذي يجب أن يطلق عليه قول شاعرنا نزار قباني ” بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة ” . بالمجمل فالمواطن العراقي ناقد متذمر ، ولا يطرح ، ولا يناقش ، اية حلول للمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية .
وتتحمل الأحزاب الإسلامية الشيعية المهرولة نحو السلطة فقط ، والمرجعية التي لا تتحرك وفق ما يريد الشارع العراقي أو عجز عن التعبير عنه ، كما كان المرحوم السيد الخميني يفعل ذلك مباشرة ، وليس عن طريق الوكلاء . ملحقا بها الشارع السياسي السني ، وحزبه الإسلامي ” الإخوان المسلمون ” ببدلة زاهية براقة ، وبقية المكونات العراقية ، مع اليسار الذي يطبل بالبيانات المشهورة عنه منذ الأزل وزر هذه القضية برمتها .
هذا الاستلاب للشارع السياسي ، أدى لتمزق واضح بين المكونات الاجتماعية المتعددة . حيث ركزت الأحزاب الشيعية التقليدية ، على بناء التمذهب الطائفي بدل الاهتمام ببناء الدولة المؤسساتية ، وَجَرتْ الجماهير بطريقة ديماغوجية لمسيرات مليونية إثناء المناسبات الشيعية ، بدل أن تثقف الجماهير الشيعية بحقوقها ومطالبها الحقيقية ، وتوفر لها الأجواء الصحية الثقافية لممارسة طقوسها الدينية بحرية تامة وعقلية متفتحة ” ندوات تثقيفية بأهمية الثورات الحسينية وثورة الحسين بالذات ، ودور المذهب الشيعي على مدى التاريخ كيسار الإسلام الديمقراطي الثوري ، وعكس الماضي الثوري للمذهب الشيعي على الحاضر وكيفية الاستفادة منه ، وغير ذلك ” بعيدا عن اللطم وضرب القامة ، والزحف على الأرض ، والمشاية ، واكل القيمة والهريسة ، وغيرها .
وقد وعى النظام الإيراني هذه القضية وفصل الدين عن الممارسات السياسية عن طريق تشكيل هيئات للتبليغات الدينية ، ولم يسمح بإقامة طقوس مذهبية عشوائية حيث إن القانون لا يسمح إلا بيومين عطلة تقام فيها الممارسات المذهبية في العشرة الأولى من محرم الحرام ، اليوم التاسع والعاشر من محرم .. ولا يحق لأي طرف أن يفعل كما يجري في العراق باستغلال الشوارع لإقامة العزيات .. مع صدور فتوى من السيد الخامنئي العام 1995 بتحريم كامل لضرب القامة ، وتم تطبيق الفتوى حرفيا. ولم ترى أية مواكب إيرانية بمدينة قم ، أو غيرها من المدن الإيرانية ، لضرب الزنجيل أو القامة أو اللطامة … بل مواكب هادئة خاصة لكبار الشخصيات الرسمية والشعبية والعلمية تسير بهدوء وتضع يدها برفق على صدورها .. أي إن بناء الدولة يجب أن لا يتداخل مع تسييس الجماهير دينيا ..
عموما فنحن نسير بطريقة عشوائية نحو المجهول ، فقد غاب العلم ، والتطور عن ذهن الحاكمين الجدد ، بل كان هم الجميع اللصوصية والرشوة ، والمحسوبية ، مع اشغال الجماهير البسيطة بالطقوس المذهبية ، لإبعاد أذهانها عما يحدث من خرق تام للقوانين ، وغياب للخدمات الصحية ، وسوء الإدارات الرسمية ، والقطع المبرمج للكهرباء ، ولحق كل ذلك جفاف نهر دجلة من مياهه اثر ملء سد اليسو التركي بعد انتهاء العمل به . ثم صحى الشعب فجأة على انتخابات مزورة بالكامل ، مع تلاعب تام بأصوات الناخبين ، على الطريقة ” الديمقراطية الأمريكية ” لدولة الاحتلال .
والحل برأيي العودة للحكومة المركزية القوية لإعادة برمجة الشارع العراقي وفق التطور العلمي والسياسي الحديث ، لفترة انتقالية قصيرة تزيل كل مساوئ الاحتلال الأمريكي ولعبته الديمقراطية المزيفة ، وخلق مواطن عراقي مجد ومتعلم بموجب حكومة طوارئ عسكرية تشكل لهذا الغرض ، وفرض الأحكام العرفية ، ومحاسبة كل اللصوص والمرتشين ، ومن ثم عقد مؤتمر عراقي جامع على غرار اللوراجركا الأفغاني ، على أن يتم اختيار رجال العلم والثقافة وأهل الخبرة ، والأكاديميين والعلماء ، ويمنع مشاركة أي طرف أو شخص شارك بالسلطة منذ 2003 ليوم انعقاد المؤتمر ، ليخرج على العراقيين بخارطة طريق لإقامة عراق جديد ..

* شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج
www.saymar.org
alsaymarnews@gmail.com

ديسلدورف / المانيا
الأربعاء 11 . 06 . 2018

اترك تعليقاً