السيمر / السبت 06 . 10 . 2018
حامد گعید الجبوري
عام 1973 كنت ضابطا صغيرا برتبة م أول ووحدتي العسكرية مقرها معسكر المحاويل في محافظة بابل، ومعسكر المحاويل تتواجد فيه كتائب المدفعية المأتمرة للمقر العام إلا كتبية مدفعية الميدان / 19 من تشكيلات الفرقة المدرعة الثالثة، ومقر الفرقة في محافظة صلاح الدين، وكتيبة 19 بإمرة اللواء المدرع السادس ومقره في معسكر المسيب محافظة بابل. 20 /9 / 1973 التحقت بدورة القتال في مدرسة قتال الفرقة المدرعة الثالثة ومقرها في معسكر الحبانية محافظة الأنبار، كنا مجموعة من الضباط برتب متقاربة واقدمنا عسكريا الزميل م أول مشتاق طالب الجبوري، الخميس 4 /10 وبعد نهاية الدوام تركنا معسكر الحبانية كل إلى بيته وعدنا الجمعة ليلاً، السبت بعد الظهر علمنا من خلال إذاعة جمهورية العراق بأن مصر وسوريا شنتا هجوما واسعا كل بجبهته، قبل نهاية الدوام صدرت الأوامر بتأجيل الدورة والالتحاق كل لوحدته العسكرية، وصلت إلى معسكر المحاويل الساعة الثامنة ليلا مساء يوم 6 تشرين ووجدت كتيبتي التي انتسب لها مهيأة العدة والعدد للذهاب إلى سوريا والمشاركة مع إخوتنا أبناء سوريا بمعركة تشرين، ومن الجدير ذكره أن القيادة العسكرية العراقية لم يكن لها أي علم بالمعركة وتفاصيل حدوثها، وكان الواجب الوطني العربي يدعوا للمشاركة، فجر يوم 7 تشرين بدأت رحلتنا الشاقة صوب سوريا وكان على كتيبتنا أن تصل إلى معسكر h3 وتعسكر فيه ليلة واحدة كمرحلة أولى، يتصور البعض أن مسألة حركة قطعة عسكرية بمستوى كتيبة مدفعية ميدان 18 مدفع d30 شئ يسير، والحقيقة انه شئ صعب ومحال جدا، بسبب عدم وجود ناقلات لنقل المدافع عليها، وكل الناقلات العراقية توجهت لنقل الدبابات الروسية المجنزرة لنقل اللواء 12 واللواء الثامن واللواء السادس، ومدافع الميدان لا يمكن أن تسير على الطرق المعبدة أكثر من 30 كم ثم تأخذ استراحة لمدة ساعة وتباشر المسير، السبب ان إطارات المدافع من النوع المكبوس ( لايوجد هواء بداخلها)، وهذه الإطارات ترتفع درجة حرارتها أثناء المسير وتنفجر ويخرج منها مايشبه القار السائل، والمرحلة الأولى هي من المحاويل ثم بغداد ثم الأنبار ثم وصولا إلى h3، وهنا حددت المسير لكي يعرف القارئ الكريم ان كل هذه المسافة التي هي بحدود 250 كم تصل إلى الرمادي وبعدها يصبح الأمر أكثر سهولة، والصعوبة هي أن المدافع لايمكن أن تسير خارج الطريق المعبد الذي يسبب ارتفاع بدرجة حرارة الإطارات جراء الاحتكاك، ولايمكن اخذ الطريق الترابي بسبب وعورته اولا ووجود القصبات المدنية التي تحيط بالشوارع ثانيا ، وكان لكل مدفع إطار احتياطي واحد، ونفذت كل إطاراتنا الاحتياطية، وبدأنا نسير على الطرق والاطار يقذف حممه، ليلا وصلنا إلى معسكر الورار وبقي أمامنا 100 كم اوأكثر بقليل، الطريق من الأنبار إلى مفرق ابو شامات أصبح أكثر سهولة بسبب الأرض الرملية والوقت ليلاً وجو الصحراء ليلاً يختلف عن جو المدن، كنت اركب عجلة حمل كبيرة ( لوري مرسيدس) ويسوقها (العريف شهيد) وهو من أهالي النجف، وربما يسأل احد كيف تتذكر هذا الاسم؟، وفعلا لا يمكن حفظ الأسماء وخاصة لضباط الصف أو الجنود لأنهم كثيرون جدا، وسبب تذكري اسم هذا الرجل بسبب إصابته بداء النوم، الغريب يحدثك بشئ ما ولا يكمل حديثه وتأخذه غفوة، لذلك قررت أن أركب معه بسيارته التي تسحب مدفعا عيار متوسط مدى قذيفته 22 كم، والعجلة التي تسحب المدفع محملة ب44 قذيفة مدفع تنفجر بأي لحظة لو لامست كبسولتها اي جسم صلب وبصورة عمودية، إضافة لوجود 9 جنود قداحين يعملون على المدفع، ركبت جنبه وعيني لاتفارق النظر لعينيه، الغريب أن الرجل متماسك رغم بدانته وقال لي ( سيدي تستطيع النوم لأني واعٍ وصاح جدا) ، حقيقة ضحكت وقلت له انت كذاب إذن كنت تحتال علينا بالنوم فقال ( اقسم اني مريض ولو توقفنا لحظة واحدة فسأنام خلالها)، لم اصدق قوله وكنت ارقبه عن كثب، كنا نسير ساعة ونتوقف بمثابات معلومة وفعلا كان يغط بنوم عميق كلما توقفنا، الساعة الثانية فجر يوم 8 وصلنا إلى مثابتنا الأولى.
إستدراك لابد منه:
حين بدأت الحرب أعلنت القيادة العسكرية العراقية بوجوب التحاق المواليد التي أصبحت أعمارهم 18 سنة، وتم دعوة مواليد 1946 لخدمة الاحتياط، وصلت قطعتنا العسكرية إلى مدينة الفلوجة ووصلنا الجسر الذي يربط شقيها، جسر حديدي صغير لايسمح بالذهاب والإياب بوقت واحد لضيق الجسر، قطعت شرطة المرور طريق العبور للسماح للقوات المسلحة بالعبور حصرا، وحين عبرنا الجسر استوقفنا شاب طويل القامة ضعيف البنية ابيض البشرة، صرخ السائق العريف شهيد سيدي انه الجندي( أحمد عيد)، قلت له هو جندي بكتيبتنا؟، قال نعم، قلت لم أراه من قبل؟، قال إنه احتياط من مواليد 1946، وقفت عجلتنا أمامه وقلت له ( أحمد) اذهب للتجنيد وهم يسوقونك حسب اوامرهم، قال لي سيدي اذهب للتجنيد ويرسلوني بكتاب لكم وكم تستغرق هذه المدة ارجوك اريد الالتحاق معكم الان، قلت له لا يحق لي ذلك، قال سيدي انا اركب معكم على مسؤوليتي الخاصة، قلت له لايجوز ذلك نحن نمتثل للأوامر العسكرية، قال طالما هي كذلك ارجوك اتصل بأمر البطارية الثالثة واستطلع منه الخبر، فعلا اتصلت عبر جهاز اللاسلكي مع أمر بطاريتي النقيب (محمد نواف فرحان العفتان الشرجي الدليمي) ، قال لي انا اعرف هذا الجندي وهو من قبيلتي وان لم يلتحق معنا سيشكوني لشيخ القبيلة وهو والدي، وقال لي لحظة اتصل بأمر الكتيبة ( المقدم صلاح الدين بهجت الخيلاني) وجاء الأمر ليلحق بالكتيبة البطارية الثالثة وفعلا التحق بنا الجندي الاحتياط ( أحمد عيد أحمد) ولا تنسو انه من أهل الفلوجة وسيكون له حدث مهم باستذكاريتي هذه.