السيمر / الاحد 07 . 10 . 2018
معمر حبار / الجزائر
لم يبق للقارئ المتتبّع غير 64 صفحة لإتمام قراءة كتاب: “فكر السّيرة” للأستاذ: مهنّا الحبيل، دار المشرق، القاهرة، مصر، 2017، من 270 صفحة، الذي ما زال يواصل قراءته ويكتب عنه في صفحته ويدوّن ملاحظاته الكثيرة عبر حاشية الكتاب. والكتاب من النوع الذي يدفع القارىء المتتبّع لاستخراج العبر والعظات التي ربّما لم يقف عليها الكاتب و وقف عليها القارىء، ومنها:
عظمة سيّدنا الصّديق وآل الصّديق رضوان الله عليهم من خلال حادثة الإفك، رغم أنّ المعروف لدى الأوّلين والآخرين أنّ حادثة الإفك تدلّ على عظمة سيّدتنا أمّنا الطاهرة الشريفة عائشة رحمة الله عليها ورضي الله عنها وأرضاها.
يدخل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم على زوجه سيّدتنا أمّنا عائشة وهي في حضرة أبيها الصّديق وأمّها رضوان الله عليهم جميعا، ويقول وهو الزّوج المتألّم: “يا عائشة إنّه قد كان مابلغك من قول النّاس فاتّقي الله وإن كنت قد قارفت سوء مما يقول النّاس فتوبي إلى الله، فإنّ الله يقبل التوبة عن عباده”. تلتفت سيّدتنا أمّنا عائشة لأبويها بعدما رأت صمت والديها، قائلة: “ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟”، فيردان على البنت والزوجة الجريحة وهما لا يقلان عنها جرحا وألما، بقولهما: “والله ما ندري بماذا نجيب”.
العبرة من هذا المشهد الحزين والأليم، أنّ الأدب والاحترام والطّاعة وحسن المعاملة وطول العشرة التي يكنّها الصّديق لصاحبه وصهره وصديق الطفولة والعمر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم منعته من أن يعلّق على ما وجّهه لابنته سيّدتنا أمّنا عائشة وزوجه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ويعتبر موقف الصّديق من أسمى عبارات الأدب والأخلاق والتقدير والاحترام. ولم يبد سيّدنا الصّديق أيّة علامة غضب من صهره صلى الله عليه وسلّم، ولم يقل له أبدا: كيف تتّهم ابنتي وهي الطّاهرة العفيفة؟ ! وهو الأب المتألّم المصاب المجروح ممّا أصابه.
نفس الشيء يقال عن الأم العظيمة التي التزمت الصّمت تأدبا واحتراما وطاعة لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وهي الأم المجروحة المتألّمة لما أصاب ابنتها سيّدتنا أمّنا عائشة ظلما وعدوانا.
البراءة التي نالتها سيّدتنا أمّنا عائشة لم تكن موجّهة لها وحدها، فقد نال البراءة أيضا أسيادنا آل الصديق وعلى رأسهم سيّدنا الصّديق رضوان الله عليهم جميعا، لأنّهم هم الذين تضرّروا ممّا قيل كذبا وزورا حول ابنتهم سيّدتنا أمّنا عائشة، وهم الذين التزموا الصّمت تجاه مالحق بابنتهم الشّريفة الطّاهرة، وهم الذين ثبتوا على طاعة زوج ابنتهم وصهرهم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يفرّطوا في حبّ وطاعة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فنالوا بذلك شرف ابنتهم سيّدتنا أمّنا عائشة، وشرف الصحبة التي زادت رسوخا مع الأيام، وشرف العائلة، وشرف المحبّة والطاعة لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
البراءة التي نالتها سيّدتنا أمّنا عائشة، كانت أيضا جائزة للصّديق على صدقه، وطول صحبته، وثباته، ووفائه، وإخلاصه لصاحبه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الذي وقف معه في أحلك الظروف من قبل ومن بعد.
العرب لا تولي عليها المطعون في شرفه ولو كان أفضلهم جميعا، ويبدو لي – وهذا رأيي الشخصي النّابع من قراءتي وتحليلي -، أنّ البراءة التي نالها آل الصّديق رضوان الله عليهم جميعا وبقيت تتلى على الكون إلى يوم الدين بعد حادثة الإفك، كانت من عوامل – أقول من عوامل – اختيار المسلمين لسيّدنا الصّديق خليفة للمسلمين، واتّفاق الجميع على قيادته وخلافته.
المتأمّل في سيرة سيّدنا الصّديق رضوان الله عليه، يقف على حقيقة مفادها: لم يكن من رواة الحديث مقارنة بغيره الذين لم يكونوا ملازمين ملا زمته لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والذين عرفوا سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم لمدّة قصيرة، وبصحبته الدّائمة لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم والتي لم تنقطع يوما، حيث امتد من قبل نزول الوحي إلى التحاق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالرفيق الأعلى، ما يدلّ على أنّه رجل عظيم خلق للعمل والمواقف.
يرى المتتبّع لسيرة الصّديق رضوان الله عليه، أنّ ذكره في السّيرة النبوية كان قليلا مقارنة بطول صحبته لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لكنّه يلاحظ أنّ اسم الصّديق كان دوما في المحطات والمنعرجات الخطيرة التي مرّت بها الأمّة الإسلامية وكان لها الصّديق مواجها بثقته وإيمانه وإرادته القوية، ومنها: إيمانه أثناء نزول الوحي، الإسراء والمعراج، الهجرة، حادثة الإفك، التحاق سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، الإصرار على تجهيز جيش أسامة ومعارضة أسيادنا الصّحابة له، وكأنّ الصّديق خلق لهذه المحطّات الخطيرة الصّعبة. ويمكن القول، أنّ الفضل الذي تعيشه الأمة اليوم يعود – فيما يعود – لموقف سيّدنا الصّديق الخالد من تلك الأحداث الخطيرة والصّعبة جدّا.
رحم الله سيّدنا الصّديق ورضي الله عنه وأرضاه، والتقدير والاحترام للأستاذ مهنّا الحبيل” الذي دفع القارىء المتتبّع لاستخراج هذه العبر والدروس، وهو يقرأ بإعجاب شديد لكتابه القيّم “فكر السّيرة”.