الرئيسية / مقالات / ستيفان لاكروا: الخبير في الشؤون السعودية
وليد شرارة

ستيفان لاكروا: الخبير في الشؤون السعودية

السيمر / السبت 10 . 11 . 2018

وليد شرارة / لبنان

ستيفان لاكروا

حل أزمة اليمن مخرج للتعامل مجدداً مع وليّ العهد

أدت عملية تدويل اغتيال جمال خاشقجي وإخفاء جثته إلى تسليط الأضواء على النظام السعودي وسياساته وحروبه بطريقة لا سابق لها في تاريخه المعاصر. فجأة، اكتشف الإعلام الغربي أن السعودية تعتدي على اليمن، بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف على بداية العدوان، وأن بين ضحاياه الكثر أطفال بات لديهم أسماء، كالطفلة أمل حسين، التي حظيت بنشر صورتها في الصفحة الأولى من «نيويورك تايمز» أربعة أيام قبل استشهادها. اكتشف هذا الإعلام أيضاً أن في السعودية معتقلين سياسيين ومعتقلي رأي من خلفيات أيديولوجية وسياسية مختلفة يتعرض بعضهم للتعذيب في أقبية النظام. أسهمت هذه «الاكتشافات»، التي ترافقت مع إدانة غربية سياسية وإعلامية واسعة لجريمة الاغتيال واتهام مباشر «لجهات عليا» في النظام بالمسؤولية عنها، في تعزيز فرضية تزايد احتمال إزاحة وليّ العهد السعودي. ويرى أصحاب هذه الفرضية أن استمرار الحملة الحالية على الحكم السعودي وتصاعدها ستفضي إلى تشجيع القوى والكتل المعارضة لمحمد بن سلمان داخل العائلة الحاكمة والنخب للتحرك بشكل موازٍ، ما يؤدي إلى خلق ظروف ضاغطة، داخلية وخارجية، تدفع إلى اختيار بديل له. ونتيجة ندرة الخبراء الجديين في الشؤون السعودية، فإننا نطّلع بنحو شبه يومي في وسائل الإعلام على فرضيات جديدة ومتناقضة عن تداعيات قضية خاشقجي المحتملة على حاضر الحكم ومستقبله في المملكة. ستيفان لاكروا، من أبرز المتخصصين الفرنسيين والغربيين في الشؤون السعودية، وهو أستاذ مشارك في معهد العلوم السياسية في باريس، وله مؤلفات عدة أبرزها: «زمن الصحوة: الحركات الإسلامية في السعودية»، ومساهمات في كتب مشتركة: «الوجه المتغير للإسلام السياسي» و«احتلال الشارع: النضال السياسي والانتفاضات العربية والتحول الديمقراطي»، وعشرات الأبحاث والمقالات في الدوريات المتخصصة.
يرى ستيفان لاكروا أن الأزمة الناجمة عن اغتيال جمال خاشقجي لم تنته بعد، وأن لها تداعيات على صورة ولي العهد وسمعته: «موقف محمد بن سلمان أضعف من السابق بكل تأكيد، على مستوى التوازنات الداخلية في السعودية. هو أقصى منذ وصوله إلى الحكم، وخاصة في السنتين الماضيتين، الكثير من القوى النافذة داخل تركيبة الحكم، أمراء ورجال أعمال، عبر اتهامهم بالفساد واحتجازهم في فندق الريتز. وهمّش أو أقصى مجموعات وازنة داخل المؤسسة الدينية. لمحمد بن سلمان خصوم كثر في المملكة، داخل العائلة المالكة وخارجها، لكنهم منقسمون ولا ينسّقون في ما بينهم. وعلى الرغم من صعوبة الحصول على معلومات دقيقة عمّا يجري فعلاً في السعودية، بإمكاننا القول إن الخصوم يدركون أن البلاد أمام مرحلة مفصلية، وبعضهم يحاول أن يتحرك بكل تأكيد. هناك أيضاً العودة الغامضة للأمير أحمد بن عبد العزيز من لندن إلى السعودية التي يراها البعض مؤشراً على بداية نقاش داخل العائلة المالكة وفي أوساط النخبة السياسية بشأن وضع المملكة وسياسات محمد بن سلمان. سرت شائعات عن اجتماع مجلس العائلة لمناقشة التطورات، ونحن لا ندري إن كان هذا الاجتماع قد عقد أو أنه سيعقد. ما يمكننا قوله أننا لم نرَ نتائج حتى الآن لمثل هذا الاجتماع، لكن الأكيد أن خصوم ابن سلمان يرون أنهم أمام فرصة سانحة للعودة إلى أداء دور سياسي. عند وصول ولي العهد إلى السلطة، عيّن مجموعة من رجال الثقة في مواقع مفصلية، في أهم مؤسسات الدولة، لإحكام سيطرته عليها، ونجح في ذلك. جميع خصومه اليوم هم خارج جهاز الدولة، لذلك أرى أن احتمال إزاحته ضعيف وأنه على الأغلب باقٍ في موقعه». ولكن هل لتوقيت اغتيال خاشقجي من معنى؟ «لجمال خاشقجي صفتان: هو صحافي منذ نحو ثلاثين سنة، ولديه شبكة علاقات واسعة مع صحافيين عرب وأجانب وديبلوماسيين وأعضاء كونغرس وسياسيين في مناصب رفيعة، وهو يكتب في إحدى أكبر الصحف الأميركية. النقد الذي يوجهه خاشقجي إلى ابن سلمان له تأثير أكبر بكثير من ذلك الصادر عن معارضين آخرين موجودين في الخارج، لكنهم مغمورون. وهو أيضاً قادم من داخل تركيبة الحكم السعودي، فهو كان مستشاراً لأحد كبار الأمراء، ويعرف عدداً كبيراً من الشخصيات الرئيسية في المملكة. هذا الأمر دفع الفريق الحالي إلى اعتباره خائناً لأنه خرج عن طاعة العائلة، ما يضيف بعداً شخصياً إلى البعد السياسي للقضية. لهذين السببين، أرى أن التوقيت ارتبط بوجود فرصة سانحة للتخلص منه».
النقد الذي توجهه القوى الدولية إلى محمد بن سلمان دفع بعض المتفائلين بالفطرة إلى الجزم بأنها لن تعاود التعامل معه. «التجربة التاريخية المعاصرة علمتنا أن القوى الدولية تتمتع بمرونة عالية، إن أردنا استخدام تعبير مهذب، في التعامل مع مثل هذه القضايا. جميعنا يذكر كيف جرى التعامل مع القذافي مثلاً في المرحلة السابقة، وكيف اتهم بالإرهاب، ومن ثم أُعيد الاعتبار إليه واستُقبل في الإليزيه لتعاد أبلسته في مرحلة لاحقة. تغيير المواقف ليس جديداً على القوى الدولية. الحكومة الأميركية والحكومات الغربية قلقة من محمد بن سلمان لأنه يفتعل الأزمات ويورطها بها. حرب اليمن على سبيل المثال هي ورطة بالنسبة إلى الحكومتين الأميركية والفرنسية، وهما تريدان الخروج منها، وتستغلان قضية خاشقجي الآن للضغط على السعودية لوقفها. هناك أيضاً الأزمة مع قطر. حل أزمة اليمن من الممكن أن يشكل مخرجاً للتعامل مجدداً مع محمد بن سلمان بنحو طبيعي، ولا أعتقد أن هاتين الحكومتين بصدد فرض عقوبات على السعودية. ما زال لهذا البلد وزن كبير على المستوى الاقتصادي، والحكومات الغربية تراهن كثيراً على تنفيذ عقود بيع السلاح التي وقعتها معه لتحريك عجلة اقتصادياتها». ولكن، ألن تدفع الاعتبارات السياسية الداخلية الديمقراطيين في الكونغرس للسعي إلى فرض عقوبات لإحراج ترامب والتضييق عليه؟ «قد يحاول بعض الديمقراطيين ذلك، لكن بينهم من تربطه علاقات قديمة بالسعودية، وبعضهم يمثلون ولايات فيها مصانع سلاح، وإذا كانت العقوبات ستؤثر عليها، فسيكون لذلك نتائج سلبية سياسياً بالنسبة إليهم. لا أعتقد أن خيار العقوبات خيار يسهل اتخاذه».
التغييرات التي أدخلها ابن سلمان على طبيعة النظام السعودي توازي انقلاباً بالمعنى الحرفي للكلمة. «السعودية قبل عام 2015 كانت نظاماً ملكياً تقليدياً يستند إلى توازنات وتوافقات بين أجنحة متعددة داخل العائلة المالكة، وكل جناح كان يملك سلطة من خلال السيطرة على وزارة أو مؤسسة. وكانت هناك توازنات بين الأمراء والمؤسسة الدينية، وكذلك بينهم وبين رجال الأعمال. النظام كان يرتكز على مجموع هذه التوازنات. لا يوجد طرف يحتكر وحده السلطة. القرار كان يتخذ من خلال التفاعل والتشاور بين هؤلاء اللاعبين، كان النظام توافقياً إلى حد ما. عنى هذا الأمر أيضاً وجود هامش للمعارضة. خاشقجي كان على صلة بجناح من أجنحة العائلة، وكان معروفاً بمقالاته النقدية. غيّر ابن سلمان طبيعة النظام عبر إقصاء الشركاء التقليديين للحكم من أجنحة ملكية أخرى، كآل سلطان وآل نايف، والسيطرة الكاملة على رجال الأعمال الذين تمتعوا باستقلالية نسبية من خلال اتهام بعضهم بالفساد وشراء جزء من شركاتهم، خاصة تلك العاملة في مجال الإعلام. شرع أيضاً بإصلاحات في المجال الديني، كان من تداعياتها سيطرة السياسي على الديني، وهذا لا سابق له في المملكة. تمركزت السلطة تماماً بيد شخص واحد. صاحَب هذا التحول عملية قمع شرسة لكل المعارضين في الداخل، وبينهم إسلاميون وليبراليون وناشطات نسويات، الذين كانوا على الأقل يتكلمون بحرية نسبية من قبل، ما سبّب هجرة أعداد غير قليلة منهم إلى الخارج، وهي ظاهرة جديدة. تغيرت بنية النظام وتعامله مع المعارضة، وباتت السعودية تشبه بعض النظم السلطوية الاستبدادية المجاورة لها».
الأزمة الحالية عليها أن لا تنسينا أن لابن سلمان قاعدة موالية في المملكة، حتى لو كان من الصعب تقدير نسبتها بدقة. «الإصلاحات الاجتماعية التي طبقها ابن سلمان في 2015-2016 كانت لها شعبية بين قطاع من الشباب، وكذلك عندما سمح بافتتاح دور السينما وتنظيم حفلات موسيقية وسمح أيضاً للنساء بقيادة سيارات. هذا القطاع من الشباب الذي تأثر بالعولمة أراد أن تصبح السعودية كبقية العالم. لكننا لا ندري ما إذا كان تأييده لابن سلمان سيستمر، لأن قسماً منه كان يأمل ربما بالمزيد من الحريات السياسية. بالإضافة إلى ذلك، يحاول الحكم السعودي استنفار الشعور الوطني عبر التعبئة ضد مؤامرة مفترضة تتعرض لها البلاد وأنها باتت محاصرة من الأعداء كإيران وقطر، وأن الوقوف مع النظام في ظروف كهذه دفاع عن الوطن ومعارضته خيانة. يروج هذا الخطاب عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تويتر، وهو له أصداء في المجتمع وبين الشباب، وإن كان من الصعب معرفة مداها بدقة. إنه خطاب شبيه بخطاب المؤامرة الذي يعتمده السيسي في مصر».
من بين أهم أوراق القوة التي يعتقد ولي العهد السعودي أنه يمتلكها وأنها كفيلة بضمان استمرار دعم واشنطن له هي ورقة العلاقة مع اسرائيل. «سببان رئيسيان يفسران التقارب السعودي ــ الإسرائيلي. محمد بن سلمان يرى أن إيران هي الخطر الأكبر، وهي عدو مشترك للسعودية وإسرائيل، وبالتالي ينبغي التحالف لمواجهتها، ولو بشكل غير رسمي. السبب الثاني أن ابن سلمان بحاجة لدعم ترامب في صراعه مع إيران وفي سعيه لتثبيت سيطرته على النظام في السعودية، وهو يدرك أهمية الورقة الإسرائيلية لكسب هذا الدعم ودعم غيره من السياسيين الأميركيين. ربما هناك سبب ثالث مرتبط بطغيان المنظور النيوليبرالي لدى حكام السعودية والإمارات الجدد في التعامل مع قضايا المنطقة والعالم واعتبار القضايا القومية من مخلفات صراعات سياسية قديمة عفا عليها الزمن وأصبحت عقبة أمام التحديث والتطور وأن المهم اليوم هو التجارة والربح والنمو الاقتصادي وهم يرون في إسرائيل شريكاً اقتصادي وتجارياً. هذه الأسباب الثلاثة تدفع نتنياهو إلى أن يكون في مقدمة المدافعين عن محمد بن سلمان».

الاخبار اللبنانية

اترك تعليقاً