السيمر / الجمعة 16 . 11 . 2018
رواء الجصاني
… ويحل الان حديث (فلان) عن بعض شؤون الكتب والمكتبات في براغ، التي يعيش في رحابها منذ اربعين عاما، وفيها أسس مكتبته الجديدة مبتدئا من الصفر.. ثم وفر كتاب من هنا وآخر من هناك، واشترى عدد آخر من دمشق وغيرها من عواصم ومدن البلدان العربية التي زار الكثير منها بمهام سياسية وغيرها، أو سائحاً لمرات محدودة .. الى جانب بعض (السرقات!) .. اما الأهداءات فلها تفاصيل أفيض، سترد تاليا.
ولأن الداء مستمر – داء القراءة والكتابة والكتب- فقد سعى فلان لكي تنمو وتعمر مكتبته الثانية، بعد أن راحت الاولى في بغداد كما سبق الحديث عن ذلك.. مع التأكيد على ان ندرة الكتب العربية في براغ تحصيل حاصل، حيث افراد الجاليات العربية قليلون هناك اولاً، وثانياً لأن غالبيتهم منشغلون ومنغمسون في شؤون اخرى، ليس من بينها الكتب والمكتبات، مع بعض الاستثناءات طبعا .. وكل الحديث هنا كله يدور عن المكتبات الشخصية، وليست العامة الزاهرة في بلاد التشيك، التي فيها ما فيها من كتب ومؤلفات تاريخية ووثائق ومخطوطات قيمة نادرة، مؤكد ان بعضها لم تحوه حتى المكتبات الوطنية العربية ..
ومما له صلة ايضا ان العاصمة التشيكية تشهد منذ اعوام معرضا سنويا دوليا للكتاب ، تشترك فيه دور نشر ومكتبات من دول عديدة، من بينها العربية احيانا .. وهذا هو مجال آخر للحصول على الكتب الجديدة التي تحويها الاجنحة العربية عندما تشارك في المعرض طبعا . وقد كان لأصدارات دار “بابيلون” للثقافة والنشر، التي أسسها فلان – مع الكاتب والمترجم المجيد، عبد الأله النعيمي، في براغ ويدريها منذ 1990 والى اليوم، كان لها مشاركات – ولو محدودة – في بعض دورات تلك المعارض .
وبرغم هذا الواقع اينعت وتبرعمت وأزدهرت مكتبة (فلان) البراغية ( نسبة الى براغ- مزهر الخلد) وها هي اليوم تحوي نحو الفي كتاب مهم، الى جانب تسجيلات صوتية، واراشيف ومجلدات، وباتت – ربما- المكتبة العربية الشخصية الاكبر في بلاد التشيك، وقد تنافسها مكتبة الصديق د. موفق فتوحي، وربما – ايضا- كانت المكتبة الشخصية للفقيد الراحل موسى أسد الكريم، في عداد مكتبات براغ الشخصية التي يُشار لها بهذا المجال. كما يقتضي التوثيق هنا الى ان هناك مكتبة شخصية أخرى، متميزة ايضا، ولا داع للحديث عنها إحترازا من القيل والقال!.
وبحكم النشاط، و(الأحتراف) الاعلامي لفلان، منذ عقود، اندمجت معا مكتبته الشخصية، مع مكتبة العمل، ولتلحق بهما ايضا كتب مركز الجواهري للثقافة والتوثيق والذي أطلقه (فلان) ايضا في نيسان عام 2002 منظمة مدنية، تنشط الى الان .. وطبيعي هنا ان تتنوع المحتويات بين الدواوين والمؤلفات الادبية العراقية والعربية، والمترجمات، وكتب السير والذكريات والمذكرات، وتاريخ الحركات الوطنية، والعالمية وغيرها وغيرها ..
أما عن قسم المكتبة الخاص بشؤون الجواهري الخالد، فيزعم فلان – متباهياً- بأن الموجود فيه لا مثيل له، لا داخل العراق ولا خارجه. وهو جهد ثابر عليه منذ عقود، ويشمل من بعض ما يشمل: مجموعات دواوين الشاعر الخالد، المطبوعة في مختلف العقود، وبعض مؤلفاته الاخرى، كـ “الجمهرة” و”ذكرياتي” وغيرهما. كما حوالي اربعين كتابا ومؤلفا ودراسة وأطروحة جامعية عن الجواهري ومنجزه الثري. ذلكم فضلا عن نحو اربعة آلاف وثيقة وورقة ورسالة شخصية وعامة، لم ينشر أغلبها حتى اليوم، ولا أحد يدري متى وكيف وأين سيجري النشر !.
ومما يتباهى به (فلان) ايضا مجموعة الكتب والمؤلفات التي أهديت له، أو لقسم المكتبة الشخصية المفرز لمركز الجواهري، من شعراء وكتاب ومؤلفين مرموقين، وبجمل وتعابير يُعتز بها لما تعنيه من مؤشرات، ودلائل. وكم كان بود (فلان) الاشارة للأسماء هنا، ولكنه تجاوز ذلك لكي لا يطيل على القارئ بتفاصيل ربما ليس مكانها في هذه الكتابة. ولكن لا بأس من الاشارة الى ان عدد تلكم الكتب والمؤلفات المهداة من الكرماء قد يصل حـدّ المئة اهداء واهداء.
وبالأرتباط مع الفقرة السابقة، وللطرافة، والدلالة في نفس الوقت، جاء عبد الأله النعيمي الى (فلان) ذات نهار ليطلب منه عناوين نحو عشرة من كتبه وتراجمه المهداة الى هذه المكتبة الشخصية التي نتحدث عنها. والسبب ان (النعيمي) لا يحتفظ بنسخ منها، ويحتاج لعناوينها في حالة عاجلة تطلبت ذلك، وربما كانت عن بعض سيرته الذاتية. وقد تم إجراء اللازم بحسب التعابير المتعارف عليها في المعاملات الرسمية، ولكن مع بعض الأبتزاز من فلان !.
وبهدف التفاخر، بل والتباهي ايضاً – ولمَ لا- يستذكر (فلان) ان موجودات مكتبته راحت لعدة مرات مصادر يعتمد عليها ومنها لكتابة أطروحة دكتوراه، ومرة لرسالة ماجستير وثالثة لمتطلبات التدريب الصيفي- الدراسي لجامعة كارل الشهيرة ببراغ. وغير ذلك، وهذا .. كما يوثق (فلان) ايضا ان ضيق مكان العمل، وموقع السكن، حتم عليه أن يُهدي الى المكتبة الوطنية ببراغ، ثمانين مجلدا انيقاً لأصدارات نشرة “بابيلون” اليومية باللغة العربية التي صدرت خلال الفترة 1991-1997 وهي موجودة اليوم في تلك المكتبة الباهرة، كأحد المصادر التي يعتد بها في التأرخة للتحولات التي شهدتها البلاد التشيكية والسلوفاكية، بعد انهيار النظام الشمولي عام 1989 .
ووفق (فلان) ايضا فأن من الطبيعي أن يكون لكل ذلك الولع، بالقراءة وحب الكتاب، والمكتبات على امتداد ستين عاما ، ثمرة أو ثمار من عطاء هذا العالم الأنيس الملئ والمتميز، وقد أثمر حقا، فقد نشرت له العشرات من المقالات والأراء السياسية والثقافية وما بينهما. اضافة لأصدار خمسة كتب هي: “اصداء وظلال السبعينات” عام 2001 و”الجواهري قصائد وتاريخ ومواقف” عام 2013 بالأشتراك مع ” كفاح” النجل الرابع للشاعر الخالد ، ثم كتاب”وصفي طاهر.. رجل من العراق” عام 2015 بمشاركة الفقيدة نضال الابنة البكر لوصفي طاهر، وبعد ذلك كتاب “الجواهري .. بعيون حميمة” عام 2016.. وأحدثها في هذا العام- 2018: الجزء الاول من كتاب يفترض ان يكون بثلاثة اجزاء وعنوانه “شهادات وتاريخ ورؤى، في الثقافة والسياسة والحياة “.
أخيرا وفي ختام هذه الكتابة يوثق (فلان) بأن أكثر ما شغل باله ومنذ سنين، هو مصير مكتبته، ويسميها “ثروة العمر” المادية والمعنوية، ولمن ستؤول- بعد عمر مديد !- ؟ ومن سيهتم بها؟ واين سيكون موقعها؟ وغير ذلك من التساؤلات الشاغلة… وهي تساؤلات لا تخص حالته وحسب، بل ربما عشرات المكتبات الشخصية للمعنيين في الخارج، وحيث لا أطـر ثقافية ثابتة، ولا مراكز عراقية ذات أختصاص بهذه الشؤون.. ولربما ستكون المكتبات الوطنية في المدن والعواصم التي يعيش فيها العراقيون- وكذلك العرب – مغتربين ومهاجرين- هي المواقع الفضلى -حتى الان على الاقل- لأحتواء الاف الكتب والحفاظ عليها … أما مسك ما يريد قوله (فلان) فهو: سلمتم، وكتبكم مكتباتكم الشخصية بكل خيــر .
في براغ، تشرين الثاني 2018