الرئيسية / مقالات / تحية لمجلس القضاء الأعلى: “الدكَّات العشائرية” يؤججها ويشوهها الإرهابُ بأدوات صدام(2)
الكاتب القدير الأستاذ محمد ضياء عيسى العقابي

تحية لمجلس القضاء الأعلى: “الدكَّات العشائرية” يؤججها ويشوهها الإرهابُ بأدوات صدام(2)

السيمر / السبت 01 . 12 . 2018

محمد ضياء عيسى العقابي

كيف أُعدت الأفلام الإبتزازية؟:
قبل عام 1999 بقليل، جلس مسترخياً ومنبسطاً قصي صدام حسين مع بعض أتباعه في المركز الترفيهي العسكري في حي اليرموك ببغداد. بدون مقدمات وبدون مناسبة طلب قصي هاتفياً من الفريق كامل ساجد عزيز الجنابي الحضور. ما أن حضر الفريق كامل حتى بادره قصي بطلقات نارية من مسدسه أردته قتيلاً في الحال. لم يجرؤ أحد من الحاضرين بطبيعة الحال على الإستفسار من قصي عن السبب. بتقديري الشخصي فإن صدام أراد القضاء على كل من لديه معرفة بتفاصيل قضية إحتلال الكويت الغاشم الذي كان الفريق كامل الجنابي على رأس القوة التي نفذت الاحتلال. قيل لعائلة الفريق إنه موفد في مهمة سرية. ولما طال الغياب قيل للعائلة إن الفريق قد توفي وعليهم عدم إقامة مجلس عزاء له.
أَسَرَّ بعضُ جلساء قصي شقيقَ الفريق كامل، وهو الضابط في جهاز المخابرات العراقية الرائد خالد ساجد عزيز الجنابي، بتفاصيل الحادث ونصحوه بمغادرة العراق لأن الأمن يلاحقه. وغادر الرائد خالد العراق.
في حوالي عام 2000 إتصلت إذاعة “العراق الحر” الأمريكية التي كانت تبث برامجها باللغة العربية من مدينة براغ – إتصلت بالرائد خالد لإجراء مقابلة صحفية معه ووافق الرجل. أنقل منها فيما يلي ما له علاقة بموضوعنا:
قال الرائد خالد الجنابي بالفحوى وليس بالكلمات:
نُسِّبتُ للعمل ضابطاً في وحدة خاصة ملحقة بجهاز المخابرات تدعى بـ “الوحدة الفنية”. صُعقتُ عندما علمتُ بمهمة هذه الوحدة وصُعقتُ أكثر عندما إطلعتُ على بعض الأفلام المنتَجة من قبل تلك الوحدة تنفيذاً لمهامها. علمتُ أن مهمة تلك الوحدة كانت محاولة التجسس ورصد وتسجيل تحركات والمكالمات الهاتفية وغير ذلك لزوجات وبنات وأبناء وأقارب الوزراء وقادة الجيش والأمن والمحافظين وزعماء العشائر الأصلاء والمزيفين الذين زرعهم النظام.
القضية لم تقف عند هذا الحد. كان أفراد الوحدة، المدربون تدريباً عالياً على هذه الأعمال التجسسية القذرة، يستخدمون هذه المعلومات التي ينجحون في جمعها، لإبتزاز الشخص الأكثر نفعاً وأسهل إيقاعاً مثل أمهات البنات اللواتي غالباً ما يكنَّ بسيطات يمكن خداعهن وحتى إبتزازهن والتلاعب بمشاعرهن حرصاً على بناتهن إذا ما جرى تضخيم بعض الأمور أمامهن كمخابرة هاتفية بين إبنتها وزميل لها في الكلية ربما يتبادلان بعض عبارات الود أو العبارات الغرامية أو أكثر. هنا يذهب أحدهم إلى الأم بصفته الرسمية كضابط أمن حريص على العائلة وسمعتها وسلامة أفرادها ليسمعها التسجيلَ الصوتي ويسألها ماذا سيفعل الأب لو عرف بعلاقة “إبنتها المشينة”؟ “أليس القتل”؟ هنا تنهار الأم المسكينة. ومن ثم يجري إستدراجها للمجيء الى مقر الوحدة الفنية “لمعالجة الموضوع بتجاوز غضبة الأب ودفع البلاء الجلل والعار عن البنت والعائلة”.
وهكذا تُستدرج الأم المسكينة رويداً رويداً، فتُراجع الوحدة الفنية وتُستقبل في غرفة خاصة فيها من المؤثرات الضوئية والصوتية ما يحقق الهدف الدنيء أي يساومون الأم على شرفها مقابل التكتم على المكالمة الهاتفية والفعل الشنيع إنقاذاً لحياة إبنتها المهددة زعماً. ويُصوَّر المشهد بكامله وبتفاصيله بكاميرات خفية. ويُنتج الفلم السينمائي ويسلَّم الى مسؤول الوحدة الفنية، الذي يقوم بدوره بتسليمه الى مكتب صدام.
يستدعي صدام ربَ تلك العائلة ويريه الفلم موحياً له بأن الزوجة تمارس الفعل الشنيع مع أشخاص ساقطين يمارسون الدعارة كمهنة وقد ضبطتهم الأجهزة الأمنية متلبسين بالجريمة وعاقبتهم دون إثارة ضجة!!
وهنا يصل صدام الى بيت القصيد وهو الإبتزاز إذ يخاطب صدام ربَ العائلة المنهار: إننا حريصون كل الحرص على شرف عائلتكم وسمعتكم لذا ضمنتُ أن يبقى الأمر في غاية السرية. نرجو الـتـعـــــــــــــا و ن مـعــــــــــــنا للقضاء على أمثال هؤلاء الأوغاد!!!
هذا مثال واحد على مواضيع الإيقاع بالضحايا وهناك مواضيع أخرى كالسرقة أو الإعتداء الجنسي على الشباب أو الإعتداء على آخرين أو أخريات وغيرها وغيرها من أجل الإيقاع بالضحية وإبتزازه.
واصل الرائد خالد الجنابي: خلسةً إستصحبتُ أحد الأفلام الموجودة في الآرشيف الى دارنا وأطلعتُ عليه أخي كامل فجُنَّ جنونه وصرخ: هل هذا هو جزاء الناس الشرفاء الذين يخدمون الدولة والمجتمع؟ وطلب مني ألا أنبس ببنت شفة حول هذا الموضوع لأنه سيؤدي الى تصفيتي حتماً.
بعد أيام من مقابلة الرائد خالد الجنابي هذه أذاع راديو “العراق الحر” خبراً مفاده أن العميد طاهر حبوش التكريتي مدير الأمن العام قد وقع ضحية هذا الإبتزاز الصدامي.
عجيبة هي عقلية صدام هذا. كان يحافظ على سلطته بأية وسيلة كانت!! فبعد أيام من إندلاع إنتفاضة الربيع الشعبانية عام 1991 إجتمع، صدام، بشيوخ عشائر تكريت مؤججاً إياهم بالقول: إذا نجح الغوغاء فأول ما يتوجب عليكم فعله هو قتل جميع نسائكم وبناتكم صغيرات وكبيرات قبل أن يصلوا إليهن لأنهم سوف يستبيحون شرفهن!!
(يتبع)

اترك تعليقاً