السيمر / الاحد 02 . 12 . 2018
نعيم عاتي الهاشمي الخفاجي
بكل بساطه عندما يتم الحديث عن الشجاعه نستطيع القول وبيقين أن نقول إن الإمام علي ع قد اعطى ابعادا رائعة وامثلة تحظى في احترام خصومه قبل محبيه للشجاعة، إن الامام علي ع قد جمع بين الشجاعة التي لم يصلها احد من قبله وبعده تباهى رب العالمين بها امام ملائكته وانزل جبرائيل لرسول الله ص في معركة احد ضربة علي خير من عبادة الثقلين لافتى الا علي ولاسيف الا ذو الفقار وهذا الكلام ثابت لدى محدثوا السنة قبل الشيعة، علي ع جمع مابين الشجاعة وخصال اخرى مثل الانسانية والرحمة حتى لعدوه ولنا بموقف علي ع اسد الله ورسوله عندما بارز عمرو بن ود العامري عندما اقتحم الخندق وقال يامعاشر المسلمين تزعمون ان قتلاكم في الجنه من منكم يبرز لي لاعجل له الجنة، رسول الله ص يصيح في اعلى صوته من منكم يبرز لعمرو وانا اضمن له الجنة جميع الصحابة وجوههم صفراء من الخوف فيأتي الجواب من علي بن ابي طالب ع انا يارسول الله فيقول له اجلس ياعلي انه ابن ود، في المرة الثالثة سمح الرسول محمد ص الى البطل المغوار اسد الله ورسوله وسيف الله المسلول الحقيقي بالبروز الى بن ود وقد قال رسول الله ص برز الايمان كله للكفر كله، وبعد ان انتسب اليه، قال ابن ود ابوك كان صديقي ولا اريد اقتلك فجاوبه علي ع وانا ارغب بقتلك ودارت حمى المعركة والا بسيف علي ع يقطع رجل بن ود العامري، فكان من بن ود بصق على الامام علي ع تركه الامام لحظه وحمل عليه وقطع رأسه ورفض سلب سيفه ودرعه علي ع يجمع مابين الشجاعة وخصل اخرى انسانية يصعب ان تجتمع في شخص واحد، وقد أشار العديد من العلماء المنصفين الى هذه الحقيقة. قال الشريف الرضي: ‘ومن عجائبه عليه السلام التي انفرد بها، وأمن المشاركة فيها ان كلامه الوارد في الزهد والمواعظ، والتذكير والزواجر، إذا تأمله المتأمل، وفكر فيه المفكر، وخلع من قلبه انه كلام مثله، ممن عظم قدره، ونفذ امره وأحاط بالرقاب ملكه، لم يعترضه الشك في أنه كلام من لا حظ له في غير الزهادة، ولا شغل له بغير العبادة، قد قبع في كسر بيت، أو انقطع الى سفح جبل، لا يسمع الا حسه، ولا يرى إلا نفسه، ولا يكاد يوقن بأنه كلام من ينغمس في الحرب، مصلتا سيفه فيقطع الرقاب، ويجندل الابطال، ويعود به ينطف دما، ويقطر مهجا، وهو مع تلك الحال، زاهد الزهاد، وبدل الابدال. وهذه من فضائله العجيبة، وخصائصه اللطيفة، الامام علي ع بلاغة ومعاني كلماته تأتي بعد النبي محمد ص ولاغرابة لذلك ونفسه رسول الله ص قال انا مدينة العلم وعلي بابها، وهذا الصحابي عبدالله بن عباس قد اشاد ببلاغة واهمية كلام علي ع من خلال رسالة بعثها الامام علي ع الى عبدالله بن عباس عندما كان واليه على البصرة والاهواز رسالة أمير المؤمنين (عليه السلام) [4434] 1 – الرضي، قال: من كتاب له (اي لأمير المؤمنين (عليه السلام)) إلى عبد الله بن العباس (رحمه الله) وكان عبد الله يقول: ما انتفعت بكلام بعد كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانتفاعي بهذا الكلام: اما بعد فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك وليكن اسفك على ما فاتك منها وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحا وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعا وليكن همك فيما بعد الموت (1).
راجع نهج البلاغة ج ٣ رقم الرسالة ٢٢ص٣٤٠ نهج البلاغة شرح محمد عبده مكتبة ذو الجناحين بيروت، لايخلوا مجلس عندما يتذاكرون عن الابطال وتجد علي ع هو البطل وبالفصاحة فهو الفصيح، وكثيرا ما مانتحدث به في مجالسنا العائلية وفي المجالس العامة والخاصة وفي قاعات الدروس نتحدث مع الاخوان والمعارف بها، وكتب ابن ابي الحديد على هذا الكلام بقوله: ‘الغالب على اهل الشجاعة والاقدام والمغامرة والجرأة ان يكونوا ذوي قلوب قاسية، وفتك وتمرد وجبرية، والغالب على اهل الزهد ورفض الدنيا وهجران ملاذها والاشتغال بمواعظ الناس وتخويفهم المعاد، وتذكيرهم بالموت، ان يكونوا ذوي رقة ولين، وضعف قلب، وخور طبع، وهاتان حالتان متضادتان، وقد اجتمعتا له عليه السلام. ومنها ان الغالب على ذوي الشجاعة واراقة الدماء ان يكونوا ذوي اخلاق سبعية، وطباع حوشية وغرائز وحشية، وكذلك الغالب على اهل الزهادة وارباب الوعظ والتذكير ورفض الدنيا ان يكونوا ذوي انقباض في الاخلاق، وعبوس في الوجوه، ونفار من الناس واستيحاش، وأمير المؤمنين عليه السلام كان أشجع الناس واعظمهم اراقة للدم، وأزهد الناس وأبعدهم عن ملاذ الدنيا، واكثرهم وعظا وتذكيرا بأيام الله ومثلاته، واشدهم اجتهادا في العبادة، وآدابا لنفسه في المعاملة. وكان مع ذلك ألطف العالم أخلاقا، واسفرهم وجها، واكثرهم بشرا، وأوفاهم هشاشة، وأبعدهم عن انقباض موحش، أو خلق نافر أو تجهم مباعد، او غلظة وفظاظة تنفر معهما نفس، او يتكدر معهما قلب’.
ومن جهة أخرى فقد تحدث ابن ابي الحديد حول جانب اخر من شخصية الامام علي عليه السلام، حيث جمع بين الشجاعة والحلم، وهو ما لم يعتد في الرجال، قال: ‘الغالب على ذوي الشجاعة وقتل الانفس واراقة الدماء ان يكونوا قليلي الصفح، بعيدي العفو لان اكبادهم واغرة، وقلوبهم ملتهبة، والقوة الغضبية عندهم شديدة، وقد علمت حال امير المؤمنين عليه السلام في كثرة اراقة الدم وما عنده من الحلم والصفح، ومغالبة هوى النفس’.
وراح ابن ابي الحديد الى ابعد من ذلك إذ قال ‘ما رأينا شجاعا جوادا قط.. وذكر ابن الحديد مثال لفارس من العرب اسمه عبدالملك وكان عبدالملك شجاعا وكان شحيحا، يضرب به المثل في الشح، وسمي رشح الحجر، لبخله. وقد علمت حال امير المؤمنين عليه السلام في الشجاعة والسخاء، كيف هي وهذا من أعاجيبه ايضا عليه السلام!’.
أما أمير المؤمنين عليه السلام فقد ضرب امثالا في فهم رائع لفلسفة الشجاعة كما يفهمها، ومن الخصائل الجديدة التي تجلت في شخصيته، وقد ذكرت كتب التاريخ ان الامام علي ع كان يعلم ان بن مجلم هو الذي يغتاله لكنه عامله معاملة حسنة وحتى عندما نفذ ابن ملجم جريمته في استهداف الامام علي ع وهو في الصلاة وبعد اصابته الامام علي ع سال الامام الحسن ع في اكرام الاسير وقال لهم ضربة بضربة ونهاهم عن المثلة وقال لهم قال رسول الله ص لاتجوز المثلة ولو في الكلب العقور، واوصى ابنائه بالعفو عن ابن ملجم قال الاتحبون ان يغفر الله بكم، إذ ان الشجاعة لا تقتصر على المواقف في ساحات الوغى، فالحلم شجاعة في نظر علي، لأنه يختزن الصبر ومنع النفس والصراع مع الهوى، وهو ما يتطلب الشجاعة والعزيمة، فقال عليه السلام: ‘اشجع الناس من غلب الجهل بالحلم’.
وبما أن الشجاعة انفاق العمر وبذله فلذا كانت سخاء، كما ان السخاء من باب الشجاعة، فالسخاء إقدام على اتلاف ما هو عديل المهجة والروح فكان شجاعة. قال عليه السلام: ‘اشجع الناس اسخاهم’، وللاسف تجد الكثير من المثقفين العرب ولاسباب طائفية يحاول اختراع بطولات لناس هم لم يكونوا ابطال بل كان بعضهم انهزم في الزحف من ساحات الجهاد.