السيمر / الجمعة 07 . 12 . 2018
محمد ضياء عيسى العقابي
الهدف من توسيع ظاهرة الدكَّة المنفلتة وما هي مستلزماتها ومضاعفة عنفها؟:
يُقصد من ظاهرة الدكَّات المنفلتة خلقُ بيئة مناسبة للتخريب تُقدِم، بدورها، خدمة جلى للمصالح الكبرى لجهات متنوعة وعديدة متعاونة فيما بينها على إرباك السلطة والمجتمع والإستهانة بهيبة الدولة والحكومة العراقية المنتخبة ديمقراطياً. وكل ذلك، بدوره، يصب في خدمة هدف سياسي يرمي الى زعزعة الأمن لتشكل هذه الزعزعة مع نشاطات تخريبية أخرى لا تُعد ولا تُحصى نشهدها كل يوم لو إنتبهنا بتأنٍ وتفحصنا الأحداث بموضوعية – تشكلُ وسيلةً لمحاولة الإطاحة بالنظام الديمقراطي العراقي أو تسليم العراق، ذي الموقع الإستراتيجي الهام جداً في دنيا الجغرافية والسياسة الدولية وذي الثروات النفطية والغازية الهامة، تسليمه بيد الأمريكيين وعملائهم لتنفيذ مشروع “شرق أوسط جديد” (وهو مشروع المحافظين الجدد في أمريكا الإمبريالية ليخلف مشروع سايكس – بيكو بعد أن حقق أهدافه الإستعمارية) الذي يندرج ضمنه مشروع تفتيت كافة الدول العربية والإسلامية في المنطقة ومشروع “صفقة القرن” لتصفية القضية الفلسطينية وتهويد فلسطين وطرد الفلسطينيين منها وتمكين إسرائيل من حكم المنطقة بقفاز سعودي مرحلي؛ ويندرج ضمنه أيضاً، ومواصلةً له، مشروعُ “السيطرة على الفضاء الأوراسي وبحر الصين الجنوبي” ومن ثم تثبيت مشروع “أحادية القطبية في قيادة العالم والهيمنة عليه” الذي ساد العالم في أعقاب تفكك الإتحاد السوفييتي وإنفراد أمريكا، ثم عاد هذا المشروع يترنح بعد نهوض روسيا الوطنية خاصة في مجال توفير الطاقة لأوربا وفي المجالين العسكري والتسليحي، وبعد الصعود الصاروخي لإقتصاد الصين وقدراتها الأمنية تحت الإدارة الإشتراكية العلمية لذلك البلد، وبعد تشكيل منظومة بريكس التي أنشأت بنكاً يضاهي لأول مرة في التأريخ البنك الدولي وهو الآلة الإمبريالية التي تجعل من أمريكا المتحكمة بالتعاملات المالية الدولية وبالتالي بالإقتصاد العالمي.
ولكن أمريكا تصر على الإنفراد بقيادة العالم وتنصيب نفسها شرطياً إعتدائياً قليل الأخلاق عليه، والهيمنة على مقدراته حتى بالمغامرة بالتسبب بحرب عالمية التي إقترب العالم منها بأكثر مما حصل في أي وقت أيام الحرب الباردة وسياسة “شفى الهاوية” التي إنتهجتها أمريكا منذ أيام جون فوستر دالاس في خمسينيات القرن الماضي أي في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتنتهجها الآن بأشد ضراوة وخطورة.
الهدف الأعلى من كل ذلك هو مداراة أزمة النظام الرأسمالي الإمبريالي المتهالك الذي لا تمكن مداراته بالترقيع لأنه مأزوم بطبيعته، حسب رأي الخبراء الإقتصاديين، الأمر الذي يؤدي الى جميع ما يشهده العالم اليوم من بؤس وفقر ومآسٍ وإجرام وشرور بأنواعها بسبب إصرار أمريكا على محاولة حل الأزمة المستعصية عنوةً بالقوتين الصلبة والناعمة وعبر العملاء على حساب مصالح شعوب العالم في وقت ما عادت فيه أمريكا بتلك الإمكانيات السابقة لتتصرف كما تريد حيث كان يشكل إنتاجها 40% من الإنتاج العالمي بعد الحرب العالمية الثانية بينما إنحدرت هذه المساهمة الى 17% منذ عدة سنوات ومازالت في إنحدار حيث سيتفوق الاقتصاد الصيني على الأمريكي خلال سنوات قليلة من الآن كما يؤكد الخبراء الإقتصاديون.
أسوق هذه الحقائق كي يتنبه البعض الى الأهمية التي يشكلها وطنُنا العراقُ في الإستراتيجيا العالمية لأمريكا التي بدأت بتطبيقها منذ إحتلال العراق عام 2003 ومن بعد إخراجها في 1/1/2012 دون أن تحقق الهدف ثم عادت حانقةً ممتطيةً حصان داعش في 10/6/2014 بمساعدة الطغمويين (ثوار العشائر!!) والإنفصاليين وذيولهما مصممةً على الإمساك بمفاصل الحكم السياسي العراقي بأي ثمن.
وأسوقها كي يحذر الجمهور العراقي من تلك الدعوات الجاهلة أو المشبوهة الهادفة الى التخدير والخنوع والتيئيس والإستسلام أمام الضغوط الأمريكية على أمل وهمي بحصول الجمهور العراقي، المتعَب حقاً، على الراحة والإطمئنان في ظرف يصعب فيه الحصول على الراحة ما لم يتنبهْ الشعبُ الى ما يُحاك من حوله ويُفشلْ مشاريعَ أهل المصالح غير المشروعة التي سوف لا تنقطع إذا ما تنازل الشعب أمام بعضها وإذا لم يقف شامخاً متحدياً بديمقراطيته وبقوة شعبه وقواته المسلحة والأمنية وحشده الشعبي وبالتضامن مع أشقاءه من الشعوب العربية والإسلامية ملتفين جميعاً حول فلسطين غير هيّابين لغطرسة وعنجهية الإمبرياليين والصهاينة وأطماعهما التي لا تنتهي مازال إستغلال الإنسان للإنسان قائماً.
أليس هو أمراً مضحكاً أن يطالب غالب الشابندر من العراق أن “يحتمي بأمريكا في هذا العالم الصاخب”؟ من هو مصدر الصخب في العالم أولاً؟ أليست هي أمريكا الإمبريالية وحاملة طائراتها في المتوسط إسرائيل؟ أما كنا سنصبح أضحوكة أمام العالم لو أخذ العراق بنصيحة الشابندر إذ سيقول الناس ذوو الذكاء المتوسط: كيف تسمحون، يا عراقيون، أن يكون “حاميها حراميها”؟
لقد أدرك العراقيون ذلك فرفضوا كل ما أرادته أمريكا من العراقيين أن يفعلوه فإنتخبوا رئيساً للبرلمان وطنياً مضاداً لسعد البزاز ومن يموَّله، وإنتخبوا رئيساً للجمهورية وطنياً مضادّاً للتقسيم الذي تسعى اليه أمريكا وإسرائيل والسعودية وذيولهم الداخليين، وكلفوا رئيساً للوزراء يعتز بالحشد الشعبي على الضد من إرادة الأمريكيين و”المبهورين” بهم.
لهذا إنزعج غالب الشابندر نيابة عن الأمريكيين وكاد يفقد أعصابه إذ صاح بهيستيرية واضحة في فضائية “الحرة-عراق” بأن فالح الفياض رجل إيران!!!! هذا في الوقت الذي مسكت فيه فضائية “الحرة – عراق” أعصابَها فأبدت تأييداً متحفظاً لغالب وأمثاله إذ كتبت: مراقبون يقولون إن إيران راضية عن فالح الفياض!!!! وكأنَّ المفروض أن يكون العراقي عدواً لإيران كي ترتاح أمريكا وإسرائيل وغالب الشابندر!!! أما سبب العداء المطلوب ضد إيران فلم تبح به الفضائية المذكورة حرصاً على “سمعة” غالب الشابندر لأن السبب يزيل العجب والعجائب: إنه فلسطين التي يريدون من العراق أن يسهم في تمرير “صفقة القرن” لتصفية قضيتها وهذا يتطلب تنصيب وزير داخلية متساهل مع العملاء يرضى عليه الشابندر والفتى مقتدى.
وأليس هو أشد مدعاة للضحك والسخرية ما طالب به المدعو زكي رضا (في موقع مركز النور) من أن حلَّ مشاكل العراق يكمن في إستدعاء المجتمع “الأممي” (لاحظ، لم يقل “الدولي” لأنه يريد أن يستغفل قراءّه بأنه لا يعني أمريكا بل يعني الإتحاد السوفييتي ناسياً أنه إستُشهد للأسف منذ عقود على أيدي أمثاله من المتحجرين جامدي العقول!!)؟ مرةً أخرى، من هو المجتمع “الدولي” أو “الأممي”؟ أليس المعني أمريكا؟ أما نعود، عندئذ، الى المربع الأول حيث سيضحك فيه الناس ذوو الذكاء دون المتوسط علينا بالقول: “كيف تسمحون، يا عراقيون، أن يكون “حاميكم حراميكم” سواءً أسميتموه “أممياً” أو “دولياً”؟
لم يعرف العراقُ، ذو الموقع الإستراتيجي والثروات النفطية، الراحةَ والإطمئنانَ منذ الأزل بسبب ضعفه الناجم عن غياب الديمقراطية فيه ولن يعرف الراحةَ إذا بقيت الديمقراطية غائبة؛ لكن العراق اليوم ديمقراطي مستقل ذو سيادة يحمل كل مقومات الصعود والصمود والتقدم والإستقرار الدائمي إذا ما تجاوز المرحلة الإنتقالية الصعبة جداً للعبور من حالة النظام الشمولي المتأصل منذ قرون الى الحالة الديمقراطية التي تحصل لأول مرة في تأريخه وهي عملية صعبة جداً في أحسن الأحوال ولكل شعوب العالم فما بالك وهناك من يحاربها وهم أعداؤها الخارجيون والداخليون في العراق: فذاك يخاف من ديمقراطية العراق، وهذا يبكي على إمتيازاته التي فقدها بسببها، وغيره تائه ضيَّع المشيتين وذاك من يراهن على أمريكا وإسرائيل ويستهين بديمقراطية العراق.
وكل هذا يفسر التضحيات الجسام التي قدمها الشعب العراقي لحد هذه اللحظة في سبيل الحفاظ على ديمقراطيته وصد إرهابهم ومفخخاتهم ومؤامراتهم عنها. ومايزال، للأسف فهو قدرنا، عليه تقديم المزيد حتى يفرض إرادته المشروعة والحضارية وإلا فمصيره العبودية الدائمة وما تنطوي عليه من عذاب روحي ونفسي مستديم يولدها الخضوع لمغتصب صهيوني إمبريالي رجعي.
(يتبع)