السيمر / الاحد 16 . 12 . 2018
أ . د. حسن خليل حسن *
((من يتقبل الشر دون أن يحتج عليه يتعاون معه)) – مارتن لوثر.
اصبحت ثقافة المقاومة علم يُدّرس في المراكز الجيوستراتيجية في الدول المتقدمة، واظن ان الدول العربية الرازحة تحت نير عبودية الاشخاص والكيانات المدّورة حريٌ بها ان تتعلم هذه الثقافة لأنها نوع من انواع المعدّات الانتاجية التي تحتاجها الاجيال.
ولان البصرة انتقلت خلال 15 سنة الماضية من فك وانياب الطغيان الى اضراس ونهم الفئران فهي المدينة الاكثر حرارةً وجفافاً والاكثر عطشاً وتلوثاً والاقل انصافاً من الحاكمين بين الاشنع جُرماً وظلماً في الماضي والأوقح فشلاً و فساداً في الحاضر القريب، ولا داعي لعرض مظلومية هذه المدينة الغنية بمواردها الفقيرة بمشاريعها الخدمية الاساسية وهي ادهى وأمر واوضح لمن سكن او مر او سمع بهذه المدينة المغلوب على امرها، الا ان انطلاقة التظاهرات من صيف العام 2018 وتكرارها حالياً يدعونا للتفكير بمدى جدوى اساليب تلك المظاهرات وتقييمها ومحاولة تحديث اسلوب التظاهر ليكون اكثر جدوى وفاعلية، ولان احداث التظاهرات في البصرة افضت الى ضحايا وخسائر مادية وظهور حالات اندساس من اعداء القضايا المصيرية للبصرة، ان العنف في التظاهر يشبه العنف في التشجيع على المدرجات فهو لا يؤثر في النتيجة لصالح الفريق المفضل بل على العكس قد يحول الفوز الى الخصم ويعطيه نتيجة لم يحلم بها بأريحية تامة ، ولن يتسبب العنف بخسارة فريقك فحسب بل انه سوف يسيئ الى سمعته ويحرمه من استضافة المباريات لاحقاً.
وقد بحثت في طرق واساليب عالمية حديثة اكثر جدوى ونجاح في اسلوب التظاهر ووجدت بعضها ملائم ليكون اسلوب تظاهر في البصرة ليضمن نتائج ايجابية ويحفظ دماء اريقت في مظاهرات سابقة ومن اهمها:
1- تشكيل جبهة من الوجهاء والاشراف في المسيرات الراجلة:
كل مظاهرات البصرة تمثلت بالمسيرات لكن واجهة المسيرة اهم موقع فيها فلو كانت تشمل وجهاء ورجال طوائف دينية وشخصيات علمية وثقافية تكون ذات دلالة اجتماعية وتكون ملهمة اكثر لآخرين وهي مرعبة للطبقة السياسية وتضمن وجهاً اكثر اشراقاً لسمعة المظاهرات، ويمكن ان تشمل فعاليات اخرى كالدراجات الهوائية وعجلات المعوقين او غيرها، يقول غاندي عندما حرّض على المسيرات بعد فرض ضريبة الملح على الهنود ((ان مسيرة مجموعة من المتظاهرين إلى وجهة محددة سلفًا تزيد الوعي، وتظهر القوة، وتكون الاساس للعصيان المدني)) اذ قاد الزعيم الروحي الآلاف من الهنود في مسيرة لمسافة 240 ميلاً من أحمد أباد إلى مدينة داندي الساحلية. وقد ألهمت المسيرة نهاية المطاف مئات الآلاف من زملائه الهنود على التمرد ، وبالرغم من اعتقال أكثر من 60000 متظاهر، الا انها ولدت حركة جماهيرية هندية مذهلة غيرت واقع الهند وامتد تأثيرها الى جميع ارجاء العالم في ذلك الوقت.
2- الاستفادة من ملف ضحايا المظاهرات السابقة:
واحدة من اهم الاجراءات في المسيرات هي استخدام صور او نعوش الشهداء الشباب في المظاهرات السابقة، وربما استضافة ذويهم في الصف الاول للمسيرات ليكونوا واجهة المظاهرات والتذكير ووضع السياسيين في خانة الاجرام بحق الشباب العزّل واثارة الرأي العام ضد المسؤولين والساسة ومن الممكن عرض بوسترات توثق العنف الحكومي ضد المتظاهرين في السابق.
3- تكتيك الاعتصامات:
من اهم الوسائل ضغطاً على الحكومات الفاسدة هو الاعتصام وهو اسلوب اعلامي كبير وينتشر بين اوساط غير محددة ويمثل ضغط واسع لفئات جماهيرية واسعة وقد عبّر عنه الثائر الامريكي هنري ديفيد ثورو بأن “العصيان هو الأساس الحقيقي للحرية”. ومن مزايا الاعتصامات انها يمكن ان تكون بمواقع غير محددة كالمباني الحكومية والجامعات والبنوك وغيرها ولفترات مفتوحة حتى تتحقق المطالب بشكل كامل.
4- النشر الفني والادبي:
التصقت القصيدة الشعبية والفصيحة والاناشيد والاهازيج وصنوف الادب الاخرى كالرواية والقصة والاوبريت بحركات التحرر والانتفاضات والمقاومة وهي لا تلهب المشاعر فحسب بل تأرّخ لتلك الحركات والمواقف عبر الزمن، ويمكن اضافة اساليب ابداعية اخرى كالرسم والفن التشكيلي والدمى الورقية والمقاطع الثقافية والوثائقية وتصميم مواقع خاصة لدعم المتظاهرات ونقل اخبارها، ومن المهم تكثيف حضور الفضائيات والنقل الحي للمظاهرات لإيصال الصوت، وفي هذا المجال اجد ان التظاهر امام مقرات الامم المتحدة والقنصلية الامريكية من اهم ما يجب ان يقوم فيه المتظاهرون لتشكيل رأي عام ضاغط على المستوى الدولي.
5- الشعارات المُلهمة الذكية:
يمكن ان تُلصق شعارات تعكس مطالب البصريين في مواقع حساسة لزيادة عدد المشاركين، عبارات عميقة بصيغة اسئلة قد تؤثر توعوياً على الجماهير وتزيد من اعداد المتظاهرين لاحقاً وتوصل المطالب المشروعة لأكبر عدد من الناس وتزيد من مساحة المتعاطفين وربما حتى بعض المحايدين من المسؤولين، ومن المعلوم ان مجتمعنا ذو ثقافة لفظية ويتأثر بالكلمة اكثر، هذا المشروع فني اكثر ويحتاج شراكة حقيقية من الادباء والمبدعين والرسامين لتكون ذات تصاميم فعالة ومثيرة.
6- استخدام مكبرات الصوت: من الاساليب الضاغطة والمعبرّة استخدام مكبرات لإيصال الشعارات المحرّضة والمطالب للجماهير المشاركة ولوسائل الاعلام وحتى الى المسؤولين داخل البنايات/ تقوم الكاتبة الروسية (ناديشدا ماندلشتام) ” وجدت من الأفضل أن أصرخ، لان الصمت هو الجريمة الحقيقية ضد الإنسانية ” ويشمل هذا الخيار “الصراخ إلكترونيا” وتشمل نشر الرسائل بوسائل التواصل الاخرى، ومثلما للصمت دور ايجابي كبير في بعض المواقف فأن للضجيج دور مهم في مواقف اخرى.
– تصميم منشورات ونكات ساخرة :
ليس من من الضروري أن يكون الاحتجاج مشحونًا بالغضب والدم والرصاص، كما ان الفكاهة بمهرجان إحتجاجي، أو أداء كوميدي لاذع، أو عرض مسرحي معبّر او فيديو مضحك يسخن من المعارضة، لان الفكاهة جزء من إلطبيعة الانسانية، ويمكن للفكاهة أن تخفف من للضغط على الجماهير، يقول الكاتب الامريكي ساول ألينسكي” ان السخرية هي أقوى سلاح للرجل، ويكاد يكون من المستحيل مواجهة السخرية. كما أنه يثير حفيظة الاخر لصالحك”
وخلاصة القول ان الشجاعة العقلية والاقدام الفكري قد يقدّم صورة انصع واكثر نقاءاً في التظاهرات من العنف الذي يثير النقمة ضد الرأي المعارض وربما يُجهض ويفشل عمل المعارضة ويتسبب في نسيانها او يدخل عناصر مدسوسة، وبشأن اختراق المظاهرات من المهم ان تشكل نقابة للمتظاهرين وتتولى مسؤولية ابعاد العناصر المشبوهة التي تقود المظاهرات الى المجهول.
* جامعة البصرة-مركز علوم البحار
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
Christopher Ponzi(2012)The Power of Protest: 15 Methods to Make Yourself Heard.
http://highexistence.com/the-power-of-protest-methods-for-modern-protest