السيمر / الأربعاء 19. 12 . 2018
محمد ضياء عيسى العقابي
كما ذكرتُ في القسم الأول من هذا المقال، فإن الدكتور حيدر العبادي قد إتَّهمَ إيران بالوقوف وراء منعه من نيل ولاية ثانية لرئاسة مجلس الوزراء بسبب إنصياعه للعقوبات الأمريكية على إيران مراعاة لمصالح الشعب العراقي.
قلتُ في القسم الأول من المقال أيضاً بأن إيران لم تكن وراء إزاحة العبادي بل هو الشعب العراقي. لماذا وكيف؟
أول مؤاخذة جادة سجّلها الشعب العراقي على الدكتور حيدر العبادي قبل تسلمه منصبه كرئيس لمجلس الوزراء هي فعل التآمر والغدر غير المبررين اللذين مارسهما في عملية إسناد ذلك المنصب إليه. قبل أيام من ذلك التأريخ حضر العبادي اجتماع هيئة الشورى في حزب الدعوة، الذي ينتمي إليه، وقررت الهيئة بالإجماع ترشيح السيد نوري المالكي للمنصب وهذا يعني إلتزام الرئيس المالكي ببرنامج حزب الدعوة وإئتلاف دولة القانون اللذين يترأسهما، ذلك البرنامج الذي كان يميل كخطوة أولية عام 2014 نحو الأخذ بمبدأ “الأغلبية السياسية” في تشكيل الحكومة القادمة.
بدون أية مشاورة مع حزب الدعوة أو إئتلاف دولة القانون ومن وراء ظهريهما تفاهمَ العبادي مع أحزاب وتيارات أخرى خارج إئتلاف دولة القانون ولكن ضمن التحالف الوطني على ترشيحه هو.
أين الغدر في ذلك؟
الغدر من جانب العبادي تمثَّل في أنه طرحَ من نفسه ممثّلاً لحزب الدعوة وإئتلاف دولة القانون من دون تفويض أيٍّ منهما له.
الغدر من جانب بعض أطراف التحالف الوطني الأخرى، وعلى رأسها تيار الحكمة الذي يتزعمه عمار الحكيم، أنّ تلك الأطراف قد قبلت إدعاء العبادي بتمثيله حزب الدعوة ضاربة بعرض الحائط شرعية الممثل الرسمي لحزب الدعوة في التحالف الوطني الذي يعرفونه جيداً.
هذا وأكاد أجزم أن تيار الحكمة مدفوعاً من التيار الصدري، المتخفي لخداع العبادي وعدم إستفزازه في تلك المرحلة، هما اللذان أغريا وحثّا ودفعا العبادي الى تلك الخطوة الإنشقاقية التآمرية الغادرة التي راقت للعبادي وكشفته كطامع وإنتهازي.
الغدر من جانب رئيس الجمهورية الدكتور فؤاد معصوم تمثّلَ في أنه لم يطلب الإثبات بتمتع المجموعة التي رشحت له حيدر العبادي، بتمثيل أغلبية التحالف الوطني ضمن التحالف نفسه أولاً وعلى نطاق مجلس النواب ثانياً وذلك بالضد مما إستقر لديه سلفاً من أن السيد المالكي هو المرشح.
لماذا الغدر:
من جانب العبادي: بدافع الطمع والإنتهازية والسطحية وقبول الإغراء بالإنضمام لمشروع الصدر والحكيم لحكم العراق عبر تحالف عوائل “النخبة” المتفاهمة والمدعومة أمريكياً بغطاء سعودي “قومي عربي” والعوائل هي آل الصدر وآل الحكيم وآل البرزاني وآل النجيفي وآل علاوي وغيرهم.
من جانب الصدر: أعتقد أن لدى مقتدى الصدر مشروعاً خاصاً به للعراق مستنداً الى أطروحة والده المرحوم محمد صادق الصدر الرامي الى “تعريب” المرجعية الدينية في النجف وهو أمر خطير للغاية. تابعَ مقتدى تنفيذَ مشروعه ذاك بإنتهازية وتكتيك يتراوح بين الديماغوجية والشعبوية والحذاقة وطول النفس والبلطجة والترهيب واللعب على تناقضات القوى الخارجية وصراعاتها خاصة حول القضية الفلسطينية.
تركز نشاط مقتدى على منع تثبيت وتطوير المنجزات الديمقراطية بل تخريبها، وهي التي إنتزعها السيد علي السيستاني إنتزاعاً مدعوماً بالجماهير العراقية من المحتل الأمريكي والأمم المتحدة والمستندة إلى ما طرحه، السيد السيستاني، على الأمم المتحدة من أن “خير وسيلة للتعبير عن رأي الشعب العراقي هي صناديق الإقتراع”.
شكّل نشاط مقتدى وتياره السياسي، عن وعي أو غير وعي، أكبر سند للطغمويين والإنفصاليين والسعوديين الذين مثّلوا القفاز لأمريكا وإسرائيل. وهؤلاء من جانبهم دعموا مقتدى بحذاقة وخفاء وشجعوه على منع التحالف الوطني وقبله الإئتلاف العراقي الموحد من صياغة إستراتيجية متماسكة لقيادة المجتمع العراقي وربما العربي والإسلامي على أسس ديمقراطية حسب رؤية ودعوة السيد السيستاني وهي، بتقديري، أخطر وأنضج تشريع يصدر في العالم الإسلامي بعد النبي محمد.
كما شجعت تلك الأطراف مقتدى على سلوك طريق إبتزاز الأحزاب الشيعية الأخرى بتهديدها بإشعال حرب شيعية – شيعية مدمرة، كما حصل في جلسة مجلس النواب قبل أسبوعين وحسب شهادة السيد عزت الشابندر في فضائية “العهد” بتأريخ 16/12/2018 حول أحداث تلك الجلسة. يجب أن نتذكر تدخل الأمريكيين الوقح لصالح أصحاب مقتدى وتهديد النواب المعارضين لتكتل الإصلاح من أجل تشكيل الكتلة الأكبر.
وقع الغدر الذي نحن بصدده ضمن هذا الإطار بالنسبة لمقتدى. وهذا هو سرّ عداء مقتدى منقطع النظير لحزب الدعوة وإئتلاف دولة القانون وزعيمهما نوري المالكي لأن المالكي نجح في تجسيد مشروع السيد علي السيستاني الديمقراطي المستند الى الإستقلال والسيادة، على أرض الواقع وهو ما لم يرده مقتدى الصدر الملتزم بتكتيكه المستند الى فكرة أن دفع العراق الى الفوضى سيرمي بالكرة العراقية في حضنه.
من جانب الحكيم: أعتقد أن عمار الحكيم، المخلص لمرجعية النجف، على علم تام بمشروع مقتدى التخريبي ولكنه يتحالف معه لسببين: أولاً محاولة التخفيف من غلوائه وإندفاعاته المتهورة. وثانياً: محاولة إنجاح مشروع حكم العوائل بعيداً عن قضية “تعريب المرجعية” بل محاولة الإستعانة بها وإقناع مقتدى بذلك.
لهذا فعمار يشاطر مقتدى في السعي الى عزل حزب الدعوة وإئتلاف دولة القانون وزعيمهما الشجاع نوري المالكي؛ ولعبَ عمار الدور الرئيسي في إغراء العبادي وتوريطه في مسألة شق حزب الدعوة وإئتلاف دولة القانون.
من جانب فؤاد معصوم: أعتقد أنه أراد التملق للأمريكيين والبارزاني لنيل ولاية ثانية.
(يتبع)