الرئيسية / مقالات / عراقيون من هذا الزمان (*) / حميــد مجيــد موسى / 3

عراقيون من هذا الزمان (*) / حميــد مجيــد موسى / 3

السيمر / الجمعة 11 . 01 . 2019

رواء الجصاني

من المؤكد ان شخصية وطنية كالتي نتحدث عنها، دخلت عالم السياسة في العراق منذ أزيد من ستة عقود، ولا تزال، ليست بحاجة الى تعريف تقليدي، فهي موضع اهتمام بشكل كبير وللمتابعين خاصة، ونعني به حميد مجيد موسى (ابو داوود) السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي 1993-2010.. وفي ضوء ذلك تأتي هذه السطور لتحاول ان تغطي بعض ملامح شخصية وعامة، شهد عليها كاتب هذه التأرخة.. كان اول تعارف معه في بغداد اواخر السبعينات الماضية، والوضع السياسي ملتهب بعد ان بدأت جولة جديدة لسلطة البعث الثانية في ملاحقة الشيوعيين، والديمقراطيين عامة، وقد كان الرجل مشرفا ومتابعا حيوياً لنا نحن في هيئات ومنظمات شبيبة وطلبة الحزب، البادئين الخوض حديثا في غمار النشاط السياسي والديمقراطي، لاسيما وهو عائد للوطن تواً ، متخرجا حديثا في العاصمة البلغارية – صوفيا، يحمل الماجستير في الاقتصاد، بدرجة أمتياز، مما أهله لأن يشغل وظيفة باحث في شركة النفط الوطنية العراقية المعروفة بتشددها في اختبار كفاءات موظفيها، قبل تعيينهم، وبشكل دقيق .. ثم تعددت المواقع والمسؤوليات والأماكن، وبقي ابو داوود مسؤولا مباشرا مرة، وبشكل غير مباشر حينا اخر، ولتتوطد المعرفة في ذلك العمل، وتلك المهمة، وما بينهما، ولسنوات . ثم جاء صيف عام 1978 ليكون الرجل مسؤولا عن فريق شيوعي عراقي استضافته بلغاريا لثلاثة اسابيع في دورة سياسية وجولات اطلاع ميدانية وغير ذلك من فعاليات، وكان الكاتب واحد من ذلك الفريق (1) .. اما العلاقة الأوطد والأنظم فكانت في براغ حيت تسنم ابو داوود مسؤولية لجنة تنظيم الخارج للحزب الشيوعي العراقي للفترة 1981-1984 وكنتُ يومئذٍ عضوا فيها، معنياً بشكل رئيس عن مهام العمل الطلابي والديمقراطي في الخارج. وقد كان الرجل في موقعه المناسب: مسؤولا مباشرا عن التنظيمات الحزبية المنتشرة في اكثر من عشرين بلدا، وفي فترة من أشد الفترات تعقيدا، ولربما كان ذلكم امتحان جديد يخوضه ابو داوود، وكان منطلقا لتسنم المهام القيادية الاولى في الحزب خلال السنوات اللاحقة، وما ترتب ويترتب عليها من مسؤوليات جسيمة، وفي مراحل ومنعطفات بالغة التعقيد والتنوع .. وبنفس تلك الحال – والكاتب شاهد عيان ايضا – تميّز الرجل في مهمته ممثلا لقيادة الحزب الشيوعي العراقي في هيئة تحرير مجلة قضايا السلم والاشتراكية ببراغ(2) .. وكذلك في علاقاته الوثيقة مع النخب والشخصيات الثقافية والسياسية العراقية والعربية المقيمة أو العاملة في براغ، ومن بينها الجواهري الكبير، والرائد محمود صبري، والفلسطينيان أميل حبيبي، ونعيم الاشهب، والسوداني ابراهيم زكريا… دعوا عنكم بنات وابناء وعوائل الجالية العراقية بشكل عام.. ومن المعهود ان فترات السفر، والمصاحبة خلالها، توفر اكثر من ظرف وظرف للتعرف المباشر، وهكذا سنحت للكاتب فرص عديدة زادت من توسع العلاقة، وتعمقها مع ابي داوود، وتنوعها، لا على الصعيد التنظيمي وحسب، بل والاجتماعي ايضا، ومن بين المهام التي وفرت تلكم الفرص الترافق معه: في برلين عام 1980 خلال المؤتمر الثاني عشر لأتحاد الطلاب العالي، وفي عدن عام 1981 حيث نظمت هناك ندوة عالمية للطلبة والشباب، وفي زيارة لموسكو – عام 1981 ايضا – بأستضافة اتحاد الشبيبة الشيوعي (الكومسمول) .. وهكذا هي الحال او مثلها في صوفيا ودمشق خلال بعض سنوات الثمانينات والتسعينات الماضية.. وكذلك في اربيل عام 2000 بمناسبة مئوية الجواهري، ثم في بغداد بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003.. لقد تعددت العلاقات مع ابو داوود وتنوعت كما سبق القول، وكذلك على الصعيد العائلي، مع زوجته منذ اواسط السبعينات: وسن السوز (ام اسيل). وعبر كل ذلك يكتشف المرء المزيد والمزيد من السمات الانسانية الصميمة للرجل، بعيدا عن الافتعال والتصنع، وتلكم سجيته كما نعرف في مختلف شؤون الحياة.. ولعل ذلك ما يجمع عليه الكثير ممن رافقوا وزاملوا الرجل في العديد من محطاته النضالية: السياسية والتنظيمية، العلنية منها، وكذلك في ظروف العمل السري، والكفاح المسلح، داخل البلاد وخارجها، وطوال عقود وعقود .. وفي عودة للسجايا الاجتماعية، وتلكم ما نجزم بأنها من اولى مهام ومتطلبات القائد السياسي، الجماهيري، نوثق بأن الرجل مشهود له في ذلك الاطار الانساني، ومنذ ان كان رئيسا لجمعية الطلبة العراقيين في بلغاريا اواسط الستينات الماضية، كما يروي معاصروه في تلك الفترة . كما كان في الفعاليات العامة والاجتماعية المختلفة: متواضعا وحريصا على المشاركة فيها بقدر ما استطاع، مضيافا كأهل مدينته الـ”حلاويين” وعائلته الاصغر، وجليسا انيساً دون تصنع أو إفتعال.. والرجل كما هي حال الخائضين النشاط الوطني والعام، له ما له من مواقف واجتهادات سياسية، مختلف أو متفق معها.. غير انه ليس من بين أولئك السياسيين المتعصبين الذين يدعون امتلاك الحقيقة لوحدهم . فهو محاور دؤوب، ولم يكن ليستخدم موقعه التنظيمي في فرض ما يعتقده، أو مقتنع به. وهنا ايضا لكاتب هذه المحطات التوثيقية شهادات عيان عديدة في الأمر . في الاخير، يقيناً ان ابا داوود لو كان يعلم بهذه السطور لتمنى ان لا تنشر، فهو – ونشهد هنا مرة اخرى- يبتعد ما استطاع عن المظاهر والظهور، دعوا عنكم السعي اليهما. ولربما كان مردود ذلك هو العكس تماما، فها هو تحت الاضواء شاء أم لم يشئ !. ولربما ايضا ان ذلك مما يسجل ضده، فالتوثيق والتأرخة ليست خيارا للسياسيين الذين لعبوا ادوارهم في البلاد، بل هو واجب وضرورة، للواقع الراهن، وللتاريخ وللأجيال القادمة، كما أدعي !. —————————————————– براغ / اوائل كانون الثاني 2019 (*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية للكاتب، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ.. (1) من بين المشاركات والمشاركين في الدورة: الفقيدة نضال وصفي طاهر، والشهيد حميد ناصر الجيلاوي.. كما كان المسؤول الشيوعي بهاء الدين نوري مشارك فيها، مستمعا.. (2) المجلة كانت مركزا فكريا – اعلاميا عالميا للأحزاب الشيوعية، واعلى هيئة فيه هي هيئة التحرير التي تضم عددا محدودا من تلك الاحزاب، ومنها العراقي، بينما يضم مجلس التحرير ممثلين عن غالبية الاحزاب الشيوعية في العالم ..

اترك تعليقاً