السيمر / الخميس 17 . 01 . 2019
رواء الجصاني
في اواخر الستينات الماضية، تتسرب اخبار في الاروقة الطلابية بجامعة بغداد تتحدث عن نشاطات ساخنة لطالب قادم من هيـت – التي كانت توصف، في حينها، بانها قطعة من السوفيت!- هو حميد برتو، وكنيته: ابو رياض، يدرس في كلية الاداب، ثم يبرز فاعلاً في قيادات اتحاد الطلبة العراقي العام.. ونلتقى لأول مرة عام 1969 وكنت في حينها من (المنشقين) كما كان يسموننا، أو (التيار اليساري – الثوري! ) كما كنا نطلق على أنفسنا.. وقد تراجعتُ مع الأكثرية لاحقاً، مع مجموعتي في معهد الهندسة التطبيقية العالي، لنعود الى صفوف الاتحاد الأم..
ويتخرج حميد برتو من الجامعة، ويغادر بتوجيه من حزبه الشيوعي الى براغ، لأكمال دراسته العليا، خاصة وأنه كان مرصودا، ومطلوباً من اجهزة البعث الامنية بسبب نشاطاته السياسية الحيوية في تنظيمات الحزب الشيوعي، والمهام الديقراطية الطلابية، التي راح يواصلها في محطته الجديدة من خلال لجنة التنسيق الطلابية المعنية بمتابعة فروع الاتحاد في الخارج، فضلا عن رئاسته لجمعية الطلبة العراقيين في البلاد التشيكية والسلوفاكية. ويحدث أن أكلف مطلع عام 1972 بتمثيل سكرتارية اتحاد الطلبة العراقي في فعاليتين لاتحاد الطلاب العالمي في كل من وارسو، وهامبورغ، فغادرت بغداد الى تينك المدينتين، عبر براغ، ويحدث اللقاء – وإن قصيرا- مع حميد برتو، من جديد.
ثم يعود الرجل الى بغداد يحمل شهادة الماجستير، اواسط السبعينات، ونلتقي ثالثة في جريدة “طريق الشعب” الذي عمل حينها في بعض مجالات ادارتها، ومحررا في صفحة العمال والفلاحين، بينما كنت معنياُ بمتابعة تحرير بعض الصفحات المتخصصة، وحتى اواخر العام 1978 حين تركنا البلاد بعد ان أستعرتُ الاحداث، وكشرت قيادة البعث، واجهزتها القمعية عن كامل انيابها لملاحقة الشيوعيين والديمقراطيين، بهجمة جديدة سافرة وبكل عنف .
وهكذا تحتم الظروف فنلتقي في براغ مرة أخرى، لنعمل سوية للفترة 1979-1983 في التنظيمات الحزبية، ومن بينها في لجنة تنظيم الخارج (1) وكذلك في بعض مجالات العمل الطلابي والجماهيري. ثم يغادر الرجل الى سوريا فور اكماله الدكتوراه بأختصاصه، عن التعليم، ويتكلف في دمشق بمهام ومسؤوليات حزبية وسياسية عديدة، داخل سوريا، وكذلك خارجها، ومن بينها المشاركة في المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي عام 1985 الذي انعقد في كوردستان، ثم تمثيله بعد فترة وجيزة قيادة الحزب في المؤتمر العام للحزب الشيوعي الهندي، وايضا، رئيسا لوفد من اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي بدعوة من سكرتارية اتحاد الشبيبة العالمي في بودابست عام 1988 . وقد شاركت في الوفد ايضاً إذ كنت معنياً حينئذٍ بشؤون العلاقات المركزة لإتحادنا في الخارج.. ثم يعود “حميـد” الى براغ مضطرا من جديد عام 1989 مع عائلته، ونعود لنلتقي في نشاطات مختلفة، ومن بينها هذه المرة في ادارة فرع تشيكوسلوفاكيا لرابطة المثقفين الديمقراطيين العراقيين..
ثم يرحل الرجل متعدد المحطات الى بودابست، ليؤسس هناك دار “صحارى” للنشر، اواخر الثمانينات – مطالع التسعينات، تعنى بالصحافة والتنوير، صدر عنها، ولعدة سنوات، العديد من الدوريات والكتب وغيرها، وحتى عام 1995 فيحط – حميد – الركاب من جديد في براغ، وليستقر فيها مع زوجته: زاهرة هادي كاظم التميمي(2) والى اليوم منشغلا بمهام وشؤون سياسية واعلامية وعداها..
ومن الطبيعي والحال كهذه ان تبتدأ وتستمر، وتدوم، علاقات الصداقة مع حميد، ونحن في محطات عمل سياسية ونشاطات جماهيرية متعددة في الجغرافيا والتاريخ والاشكال والانواع. ويبدو ان ما ساعد على توثق تلك العلاقة الشخصية، الممتدة لنصف قرن بالتمام والكمال، انسجامات وسجايا مشتركة في الجوانب الاجتماعية والحياتية بكل مناحيها ان لم ابالغ. سيما وان كلانا مؤمن بما تؤشر له المقولة المعروفة “وخلاف الرأي – ان وجد- لا يفسد في الود قضية” .. او السعي الجَهود لتبني مضامين تلك المقولة، على أقل وصف..
وارتباطا مع السطور السابقة، ولأن شهادات الاصحاب مجروحة (كما يقال!) دعونا ننقل وحسب ما نعرفه بأمعان بعض رؤى اصدقاء مشتركين وغيرهم، عن حميد برتو (ابو خالد اليوم- ابورياض سابقا) والذي يصفونه بالكريم والمضياف كأهله ومدينته، وبالمتسامح ألا في بعض القضايا الجوهرية المؤمن بها.. ويواصلون: انه محدث أنيــق، ومثابر في مواقفه واجتهاداته، وبعلاقاته الاجتماعية الواسعة والوثيقة التي يُغبــطُ – وربما يُحسد !- عليها من البعض. وهنا أتدخل لأشير مثلا الى علاقته مع الجواهري الخالد، والذي كان يروي، وفي أكثر من مجلس، ممازحاً: ان حميد برتو تفضل عليه فعيّنه موظفا في مؤسسته “صحأرى” ببودابست، عام 1991 وليستخرج له عبر ذلك وثيقة أقامة طويلة المدى(3)..
ان هناك طبعا الكثير والكثير مما يمكن ان أرويه هنا، موثقاً عن بعض محطات العلاقة المشتركة مع حميد، ليس في براغ وحسب، ولكن ايضا في دمشق وبرلين وبودابست، ولكن للمجالس أماناتها، وللصداقة خصوصياتها(4) كما أعتدنا، أو تعودنا عليه، وفي ذلكم منجاة من الأستطراد والتفاصيل، التي نتمنى أن يستلها الرجل في زمن قريب ليضيف للقارئ والمتابع والتاريخ ما في جعبته السياسية والنضالية، والعامة، وفيها – على ما ندري- تفاصيل وتفاصيل تُرضي قسما وتُغضب آخـر، وتلكم هي سنّة الحياة .
——————————————— براغ / اواسط كانون الثاني 2019
(*) تحاول هذه التوثيقات التي تأتي في حلقات متتابعة، ان تلقي اضواء غير متداولة، أو خلاصات وأنطباعات شخصية للكاتب، تراكمت على مدى اعوام، بل وعقود عديدة، وبشكل رئيس عن شخصيات عراقية لم تأخذ حقها في التأرخة المناسبة، بحسب مزاعم الكاتب.. وكانت الحلقة الاولى عن علي جواد الراعي، والثانية عن وليد حميد شلتاغ، والثالثة عن حميد مجيد موسى والرابعة عن خالد عبد الله العلي..
1/ كان يتابع اللجنة ويشرف عليها ثابت حبيب العاني اولا، ثم تلاه حميد مجيد موسى..
2/ ولهما: خالد وسبأ، وحفيدتان حتى الان!.
3/ بقي الشاعر الكبير فترات قصيرة هناك، ليعود الى براغ ودمشق، بعد أنتهاء نزوة بودابست الطارئة.
4/ طالما – والى اليوم- أناكد حميداً بأن أنشر جوانب من بعض تلك المحطات والخصوصيات!..