السيمر / الاثنين 25 . 02 . 2019
معمر حبار / الجزائر
مظاهرات يوم الجمعة 17 جمادى الثانية 1440 هـ الموافق لـ 22 فيفري 2019 ، التي قام بها أبناء الجزائر، كانت فعلا رمزا من رموز الحضارة والتقدّم، وقدوة يقتدى بها في السّلم، والأمن، والمحافظة على أملاك المجتمع والدولة، واحترام الكامل لرجال الأمن. وفي نفس الوقت، ظهر رجال الأمن وهم في غاية الأدب والاحترافية، وهم يحمون المتظاهرين، ويعاملونهم بلطف، ويتجنّبون الاحتكاك بهم، ويحافظون على أرواحهم وأجسادهم. وهي صورة تعبّر بحقّ عن الحضارة والرقي صنعها أبناء الجزائر الذين تعاونوا معا للمحافظة على الجزائر، وأملاكها، وأرواحها، وخيراتها. تعلّم الجزائري من تجربة العشرية الحمراء في التسعينات من القرن الماضي، أنّه لا ولن يحرق مجتمعه، وخيراته، و وطنه بيديه، ولن يكون لها حطبا، ما يدل على درجة الوعي التي وصل إليها أبناء الجزائر، وكما أقرأ الآن لأحد الزملاء بأنّها نافذة نحو الأمل. من حقّ كلّ جزائري أن يرفض المظاهرات، وله حقّ احترام رأيه وموقفه، وهو مصان معصوم في ماله، وعرضه، وجسده، وأملاكه، ولا يحقّ لأحد أن يعرّضه للتهديد. وفي نفس الوقت من حقّ كلّ جزائري أن ينزل للشارع الجزائري ويقوم بالمظاهرات، وهو مصان معصوم في ماله، وعرضه، وجسده، وأملاكه، ولا يحقّ لأحد أن يعرّضه للتهديد. فئة من الجزائريين استوردت فكرة أنّ “المظاهرات حرام وخروج عن ولي الأمر؟ !”. ويرى صاحب هذه الأسطر، أنّه لن يدخل في نقاش لا جدوى منه، وقد سبق أن كتب مقال بعنوان: ” يا إمام.. الإضراب ليس بدعة مستوردة”، وبتاريخ: الإثنين 16 جمادى الأول 1438، الموافق لـ 13 فيفري 2017، يردّ فيه على الشيخ أحمد حماني رحمة الله عليه، وهو الفقيه المتمكّن، وما زال يرى أنّها من الأخطاء التي وقع فيها حماني. تابع صاحب الأسطر أنصار تحريم المظاهرات، فوقف على الحقيقة التّالية: المقصود بالخروج عن ولي الأمر هو ولي الأمر السّعودي وليس الجزائري، لأنّ المظاهرات في الجزائر حسب هذه الفئة تعني تحريضا للمجتمعات الأخرى للخروج عن ولي الأمر السّعودي، فوجب إذن تحريم المظاهرات في الجزائر وفي جميع الدول حتّى لا يكون هناك تحريضا على الخروج عن ولي الأمر السّعودي، وتتم حينها الطاعة المطلقة له، ولمن يدعون بطاعة ولي الأمر السّعودي. إذن ولي الأمر المقصود بعدم الخروج عنه هو السّعودي وليس الجزائري حسب هذه الفئة. ولي الأمر في الجزائر، وضع قانون الإضراب والمظاهرات، ويصرّ على حماية المتظاهرين، ورعايتهم، ومدّ العون لهم، ومعاقبة كلّ من يسئ لهم، والتعويض إذا ألحقت به أضرار، وزيارته في المستشفى إذا أصيب بضرر، وتقديم المساعدات الممكنة. إذن المظاهرات في الجزائر ليست بحال خروجا عن ولي الأمر ما دام يقرّها، ويعترف بها، ويحميها بنفسه، والذي يحرّم المظاهرات هو الذي يعتبر من الخوارج بتعبير هذه الفئة، لأنّه في هذه الحالة خرج عن ولي الأمر الذي يقرّ المظاهرات ويحميها، ويرعى أصحابها، لأنّها ليست بالحرام. المظاهرات والإضرابات وسائل عصرية تتبع الغاية والمقصد من حيث الأضرار والمحاسن، وتطبّق هذه القاعدة على كلّ وسيلة معاصرة. ولم يقل أحد أنّ السّيارة، والطائرة، والباخرة حرام رغم الحوادث التي ينجم عنها موت أبرياء رحمة الله عليهم جميعا. ولم يقل أحد أن الحاسوب الذي أكتب عبره المقال، والشبكة العنكبوتية التي أرسل عبرها مقال حرام، رغم المساوئ التي ظهرت، لكن المقصد الأسمى كان أسمى بكثير من السلبيات والحوادث التي يراها المستعمل، ويلمسها يوميا. ما يجيب الإشارة إليه في مثل هذا المقام، أنّ السّعوديين إخواننا وأحبّتنا، ونرضى لهم الخير كلّه، والفضل كلّه، ولا نرضى لأحد أن يمسّهم بأدنى بسوء، ولن نتردّد لحظة واحدة في أن نقف إلى جوار إخواننا السّعوديين لو تعرّضوا لعدوان صهيوني. بعدما أنهيت كتابة المقال، وشرعت في إرساله، إذ بي أسمع الآن وعلى المباشر من فضائية غربية ناطقة باللّغة العربية، أنّه تمّ إقالة المدير العام للمشهاد الجزائري، لأنّه لم تتم تغطية مظاهرات يوم الجمعة.