الرئيسية / مقالات / تداعيات السلاح النووي على الأمن و السلام الدوليين توازن الرعب

تداعيات السلاح النووي على الأمن و السلام الدوليين توازن الرعب

السيمر / الاثنين 25 . 02 . 2019

د . ماجد أحمد الزاملي

التهديدات النووية اليوم تتطلب عكس “قوة النيران والغضب” تماما؛ فالمطلوب هو الذهنية المعتدلة، والعقلانية، والدبلوماسية الصبورة التي لا تقوم على تهديدات خطيرة وخيالية باستخدام القوة. وإذا تخلّت القوة العظمى الأخيرة عن هذه الفضائل؛ فسيضطر العالم جميعه إلى مواجهة العواقب. أصبح النظام الدولي غير مستقر على نحو متزايد، مع انقلاب في الهياكل السياسية والمؤسسات والتحالفات في مختلف أنحاء العالَم رأسا على عقب، أو تصرفها على نحو مثير للشك والريبة” . وطوال الحرب الباردة تحصنت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلف ترسانة من الرؤوس النووية وهددت كل منهما بتدمير البلد الآخر في حال تعرض مصالحها الحيوية للخطر. وبعد مضي ثماني وعشرين عاما على انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفيتي ، ما زال السلاح النووي الذي تملكه ثماني بلدان هي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية والارجح اسرائيل، يستخدم كوسيلة ردع بالرغم من الجدل المفتوح حول مخاطر اندلاع نزاع نووي وضرورة الحد من انتشار الاسلحة النووية. الإعجاب بما توصّل اليه العقل البشري من تحكم في قوى الطبيعة، والرهبة من الطاقة المدمرة التي يطلقها المارد النووي كلما تحرر من عقاله، وإذا كانت الرهبة تغلب عادة على الإعجاب فإنما مرد ذلك إلى أن الإنسان عرف الذرة قنبلة رهيبة مدمرة قبل أن يعرفها مورداً نظيفاً للطاقة، ووسيلة مدنية أثبتت نجاعتها في ميادين كثيرة على رأسها مجال الطب، فنحن نعلم أن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي تعدان اليوم بمثابة مفرقعات أطفال قياساً إلى ما توصل إليه التقنيون من تصنيع لوحوش حقيقية تحرر طاقة تقدر بما تحرره مئات ملايين الأطنان من المادة المتفجرة المعيارية “تي إن تي” المعروفة، وحوش بلغت قوتها التدميرية وأعدادها الهائلة حداً أصبح معه المخزون العالمي منها قادراً على تدمير كوكب الأرض عشرات المرات، بيد أن كل هذه الأسلحة المخيفة لم تصنع لتقتل، بل صنعت كي تمنع قيام الحروب، هذا هو مبدأ “الردع”. أثبتت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي السابق خلال النصف الثاني من القرن العشرين أن السلاح النووي يشكل رادعًا معقولاً لكلا الطرفين عن الانخراط في حرب نووية، وسقفًا لا يمكن تجاوزه في صراعاتهما حول العالم دفاعًا عن مصالحهما، ذلك أنه وكما قال الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن «إن حربًا نووية لا يمكن ربحها، ويجب عدم خوضها». كذلك فقد خاضت الدول كل الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، بأسلحة تقليدية، وتحوَّل السلاح النووي إلى اصطلاح سياسي يؤثِّر في نسج العلاقات الدولية وإضفاء قوة معنوية رادعة للدول التي تمتلكه، ويعزِّز مكانتها الإقليمية والدولية، ويحمي مصالحها وأهدافها الجيوستراتيجية. من هنا سعت الدول الكبرى التي ربحت الحرب العالمية الثانية دول النادي النووي الخمس)، إلى منع انتشار هذا السلاح من خلال معاهدة عدم الانتشار وذلك عبر تدابير الوقاية والحماية ومراقبة البرامج النووية للدول التي تسعى إلى استخدام الطاقة النووية لأهداف سلمية، وبشكل صارم. تقوم نظرية الدفاع الصاروخي الأميركية على مبادرة الدفاع الاستراتيجي التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغن العام 1983، واستمر العمل في تطويرها طوال عهده، وهي ترتكز على بناء قواعد ومنصات صاروخية في البحر والفضاء الخارجي وتجهيزها، وتزويدها أجهزة تكنولوجية متطوِّرة جدًا في طبقات متعددة. وتكون جاهزة لاعتراض وتدمير أي صاروخ يطلق من الأرض أو الفضاء ضد الولايات المتحدة أو حلفائها في مختلف أنحاء العالم. وبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، عادت فكرة إحياء هذه النظرية وإنشاء درع صاروخي لحماية الأراضي الأميركية ضد الأعداء المحتملين الذين يشكِّلون تهديدًا للولايات المتحدة نفسها، أو لحلفائها على أرض القارة الأوروبية وآسيا خصوصًا بعد الحرب التي شنَّتها على افغانستان العام 2001، وعلى العراق العام 2003 واحتلالها له. نزعَ السِّلاحِ النَّوويِّ نزعًا شاملاً أمرٌ مستبعَدٌ من جانبِ كثيرٍ من الدُّول في الوقت الحالي؛ بل إنَّ عددَ الدُّول التي ترغب في امتلاك السِّلاح النَّوويِّ زاد بمعدَّلٍ كبيرٍ؛ لمواجهة الأخطار المحتمَلةِ لتهديدِ الدُّولِ الكبرى النووية نفسِها لها، وأيضًا للخروج من مظلَّةِ الحماية الدولية التي تفرِضُها تلك الدُّولُ الكبرى التي تمتلكُ هذا السِّلاحَ عنها، أنَّ مستقبلَ السِّلاحَ النوويَّ يبقى مفتوحًا حتى وقتِنا الحالي، ورغم علمِ كثيرٍ من الدُّولِ بخطورةِ استخدامِه وجُرْمِ استعمالِهِ، وسبق أن لاحظوا المفعولَ المدمِّرَ الذي أحدثَتْه مأساةُ “هيروشيما وناجازاكي” خلال القرن الماضي، إلا أن “تيرتري”(مؤلف كتاب السلاح النووي بين الردع والخطر) يرى أنَّ مرورَ الزَّمن يُباعِد ما بين البشرِ وبين ذكرى “هيروشيما”؛ ممَّا يطرَحُ من جديدٍ فكرةَ “التساهل” في استخدامِ هذا السِّلاح مرة أخرى، والاستعداد للقبول باستعمالِه في الوقت القادمِ، ورغم أنَّ “تيرتري” يرى أنَّ وجودَ السلاحِ النوويِّ كان أحد الأسبابِ المؤثِّرة لعدم اندلاعِ أيِّ حربٍ شاملةٍ بين القوى العظمى منذ عام 1945 لتأثير مفهومِ “الرَّدع”، والتهديد بالرَّدِ بضربة نوويةٍ، في خوف تلك القوى من محاربةِ بعضِها البعض.وقد تَمَّ إبرامُ معاهدة الحدِّ من انتشار الأسلحة النوويَّة في 1967 من جانب الأممِ المتَّحدة؛ بِناءًا على قرارٍ بالإجماع من الأعضاء يقترح عقدَ اتِّفاقيَّةٍ دوليَّةٍ؛ لمنعِ انتشار الأسلحة النوويَّة، ودخلت الاتفاقية حيِّزَ التطبيقِ في عام 1970. نصَّتْ بنودُ الاتِّفاقية على أنَّ الدولَ المعترفَ بكونِها دولاً نوويةً هي الدُّولُ التي أجرَتْ تفجيرًا تجريبيًّا قبل يناير 1967، ويمنع بموجب الاتفاقيةِ تلك الدول النووية من نقل أسلحةٍ نووية، أو مساعدةِ دولةٍ غيرِ نووية على القيام بأنشطةٍ ذاتِ طابَعٍ نوويٍّ، كما نصَّتْ على حقِّ الجميع في الاستفادة من الطاقة النوويَّة السِّلمية. مرَّت المعاهدةُ بعدَّةِ نكَباتٍ في الفترة الأخيرة، حيث ترى الدُّولُ غيرُ النووية أنَّ الخمسةَ الكبار في النادي النوويِّ لا يحترمون تعهُّداتِهم بنزعِ السِّلاحِ النووي حسَبَ بنود الاتفاقية، كما أنَّ تلك الدول النوويةَ – وعلى رأسها أمريكا – تُمانعُ – وبشكلٍ متعمَّدٍ – وصولَ الدولِ غيرِ النوويَّة حتى إلى امتلاك التِّقنية النوويَّة السِّلمية، وهو ما وضَحَ في اجتماع 2005 عندما أخفق الأعضاءُ الموقِّعون على المعاهدة على التوافُقِ على وثيقةٍ تجديدية نهائيَّةٍ لها. ويتمُّ اتِّباعُ وسائلَ قمعيَّةٍ وعقوباتٍ دولية للحدِّ من انتشار الأسلحةِ النووية، ومن أهمِّها: فرضُ حظرٍ جويٍّ، كما حدث في العراقِ وليبيا، وأيضًا التَّهديد بقطع المعونات من الدُّول النوويَّة، إلى جانب العقوباتِ المالية، وضرب الأنظمة المخالفة اقتصاديًّا، كما حاولت أمريكا عام 2002 مع كوريا الشَّمالية. الردع أصبح اليوم علماً نظرياً واستراتيجياً وتقنياً قائماً بذاته. وكل هذا ربما يجري في منطقة تعج بالأزمات والحروب بالفعل. ولأن روسيا والصين والأوروبيين سيلتزمون بالاتفاق النووي؛ فستجد الولايات المتحدة نفسها بمفردها وعلى خلاف مع أقرب حلفائها. وعلى الرغم من أن التسلح حق سيادي يكفله القانون الدولي والعلاقات الدولية، إلاَّ أن هناك ضوابط تعارفت عليها الدول في تعاملها مع هذا الموضوع. وقد شكَّل موضوع نزع السلاح مجالاً واسعًا للجهود الدولية المتفق عليها للتخفيض والإلغاء النهائي لكل أشكال الحرب، وقد صار اليوم مبدأً أساسيًا من مبادئ القانون الدولي حيث تحدِّد مبدأ شرعته الأمم المتحدة والطرق الواجب إتباعها لنزع السلاح، وذلك من خلال جهازين رئيسين من أجهزة المنظمة الدولية: الجمعية العامة ومجلس الأمن، كما تضم الأمم المتحدة لجنة تعرف باسم لجنة نزع تتألف من أعضاء الأمم المتحدة كافة. ومراقبة التسلُّح وعدم الإنتشار والحد من التسلُّح في 17 أيلول/سبتمبر 2009 صرَّح الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه سيعلّق برنامج الدفاع الصاروخي في أوروبا، وسيدرس استبداله بوسائل أخرى، ربما في البحار، أو على أرض دول ثالثة قد تكون تركيا أو إسرائيل أو إحدى دول البلقان، وذلك في محاولة لاسترضاء روسيا وربما الصين، أو غيرها من الأسباب وهذا ما ترك ارتياحًا نسبيًا لدى الروس، وأثار قلقًا في إسرائيل التي سارعت الولايات المتحدة إلى تدعيم ترسانتها العسكرية بصواريخ حديثة وربطها بمنظومة عمل الصواريخ الدفاعية الأميركية سواء أكانت البرية منها كصاروخ باتريوت أو غيرها، وتزويدها برادارات حديثة وغيرها، ولكن الأهم من ذلك أنها ربطتها بالمنظومة الرادارية الأميركية الفضائية ورادارات الأساطيل البحرية .وأجرت معها مناورات وتدريبات على كيفية عملها وطريقة اعتراض صواريخ منطلقة من أي مكان في الشرق الأوسط، وذلك بهدف منعها من أي تصرف عدائي تجاه إيران أو لبنان، في الوقت الذي لا تريده الولايات المتحدة، وإقامة حدود الاطمئنان داخل اسرائيل بالقدرة على التصدي والرد على أي محاولة إيرانية أو غيرها لضرب إسرائيل بالصواريخ من مختلف الأنواع. وهكذا أصبح النظام الدفاعي الصاروخي الأميركي منتشرًا حول العالم تقريبًا، بحرًا وجوًا وفي الفضاء الخارجي والذي ربما سيكون مسرحًا لحرب الصواريخ إذا اندلعت خلال هذا القرن، ذلك أنه قد بات من الواضح أن الدول الكبرى النووية والصاروخية تسير باتجاه سباق تسلح جديد ميدانه الفضاء، وأسلحته الصاروخ والرادار والقمر الصناعي ومدافع الليزر المركَّزة في الفضاء، وبذلك نكون أمام حرب نجوم حقيقية هذه المرة.

اترك تعليقاً