الرئيسية / مقالات / انتفاضة آذار الخالدة مالها وما عليها / ج4

انتفاضة آذار الخالدة مالها وما عليها / ج4

السيمر / فيينا / الثلاثاء 19 . 03 . 2019

حامد كعيد الجبوري

غروب يوم 3 آذار :

 قبل غروب يوم 3 آذار كانت الحلة وكافة دوائر الدولة المنهوبة على يد المندسين خالية من حزب البعث ومن رجال الشرطة أو القوات الأمنية،المنتفضون الثوار يأنفون من أفعال السرقة وما إليها ، مشاهدات كثيرة لا يمكن حصرها وتوثيقها، شعور الناس مختلف عن شعورهم يوم أمس، يشعرون بأنهم قد نالوا حريتهم بعد سقوط مدينتهم بأيدي أناس لم يعرفونهم أو يشاهدونهم، ولابد للإنسان أن يتساءل، من يقود الناس؟، ومن هم المنتفضين؟، ومن هي قياداتهم الميدانية والسياسية، أسئلة لا جواب لها الآن، وربما غدا سيتكشف الأمر أكثر    ويتضح المبهم، والشئ الملفت عن ماهية ذلك الشعار ومن الذي أطلقه ( ماكو ولي إلا علي ، ونريد قائد جعفري ) ، لا نعرف كيف أطلق ومن الذي مهد لذلك .  قبل صلاة المغرب دخلت لغرفة والدي المريض المقعد، والذي كان يتابع ما يدور عبر أسألته المتكررة لي أو لأخوتي، قلت له هنيئا لك أبي وأنت تشهد نهاية حكم صدام الطاغية، قال لي هل قتل صدام؟، قلت له بغداد لا تزال بيد صدام وقواته تمسكها بطوق حديدي، ابتسم والدي رحمه الله ابتسامة استغراب وقال، بغداد لم تسقط وصدام لا يزال فيها، إذن لم هذا الفرح والتهنئة، وقال يا بني وهو يتمثل قول الشاعر ( لا تقتل الأفعى وتترك رأسها، إن كنت شهما فألحق رأسها الذنبا)، وجدت حديث الصدق والحكمة عند والدي العجوز رحمه الله.

لم نتطرق بما مضى عن الطعام ومن أين نحصل عليه، ولم تكن الأمور متوقعة لما سيحدث، لذلك كل العوائل الحلية الفقيرة والمتوسطة كانت تشتري ما تحتاجه يوميا أو بين يوم وآخر، الكهرباء مقننة وتعطلت أغلب محطات توليد الطاقة، بل توقفت تماما عن إنتاج الطاقة الكهربائية بسبب قصف قوات التحالف ، أبراج الهواتف الأرضية والبدالات الأرضية قصفتها الطائرات الأمريكية وعطلتها عن العمل ، لا تسعفني ذاكرتي كثيرا متى بدأ القصف الجوي والصاروخي على بغداد وبقية المحافظات، ربما يوم 14 أو 15 شباط عام 1991م بدأت قوات التحالف تطال المرافق العسكرية العراقية بطائراتها وصواريخها الموجهة .

يقول بوش الابن بمذكرات صدرت له بأنه كان يرقب القصف الجوي على بغداد من شاشة التلفاز هو ووزير دفاعه ( دك جيني) وزوجة الرئيس، ويقول أن الغاية لم تكن احتلال بغداد وإسقاط نظامها ، ولكن إن بقي صدام حسين حيا فسوف يخرج منتصرا لأنه حي، ويقول أيضا أن قافلة لركب صدام حسين أطالتها الطائرات الأمريكية ولكنه لم يقتل ، ويصف بوش صدام حسين بأنه حذر وكثير التنقل ، وتغيير الموقع الذي يكون فيه، ومن جانب صدام حسين فقد هيأ صواريخه سكاوت وأطلقها كما اعتقد يوم ١٨ شباط تجاه دويلة إسرائيل اللقيطة، وتسارعت الأحداث، وأطلق صدام حسين وجبة أخرى من الصواريخ لم تصب أهدافها بدقة حينها كما تصرح وكالات الأنباء ، رغم تأكيد بيانات القيادة العسكرية بأنها حققت أهدافها بدقة متناهية ، وعلى وجه السرعة أرسل بوش صواريخ باتريوت الاعتراضية لدويلة إسرائيل، وهاتف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ، وابلغه التريث بالرد على الصواريخ العراقية، – ( معلوم أن العراق بعد عام 2003 م عوض دويلة إسرائيل بملايين الدولارات بموجب قرارات دولية ، وكذلك لدولة السعودية ودولة الكويت ، ودول أخرى _ )   ، وتحادث أيضا هاتفيا مع الرئيس الروسي غورباتشوف بهذا الشأن أيضا، وأوفد الرئيس الروسي حينها وزير خارجيته ليلتقي صدام حسين، الأمور تتسارع، وأنا أورد ما اختزنته ذاكرتي وعلى وجه السرعة أيضا، وصدر قرار من الأمم المتحدة بوجوب خروج العراق من دولة الكويت، وأعلن العراق موافقته على الانسحاب، وبدأ الانسحاب يوم ٢٦ شباط 1991م، ويقول شوارسكوف قائد القوات المتحالفة حينها بأنه اقترح على وزير الدفاع الأمريكي دك جني أن يكون قصف قوات التحالف لمدة أسبوعان على المرافق العراقية قبيل الهجوم البري ، وكان له ما أراد، ويقول شوارسكوف رغم موافقة العراق على الانسحاب فقد دمرنا 3 ألوية من الحرس الجمهوري العراقي وهي تنسحب من دولة الكويت.

 لقد دمرت قوات التحالف غالبية الجسور العراقية وهي تزعم أن هذه الجسور تخدم القوات العسكرية خلال التنقل، وأثناء انسحاب القوات العراقية من دولة الكويت صدر الأمر لها بإحراق أبار النفط الكويتية وكان ذلك يوم 26 شباط، لم تجلب الرياح دخان الحرائق للعراق لأن الريح حينها كانت ريحا جنوبية، وتغيّر مسار الرياح وأصبحت شمالية بعد يوم 1 آذار فأغرقت المحافظات الجنوبية والوسطى بظلام دامس.

 الحدث المهم الذي يستذكره العراقيون هو قصف ملجأ العامرية فجر يوم 14 شباط من قبل طائرتان أمريكيتان نوع f117 بقنابل ذكية، متذرعين بوجود صدام حسين أثناء قصف الملجأ، وأدى القصف لقتل 400 مدني عراقي بين رجل وامرأة وطفل، ويروي البعض أن صدام حسين قد غادر ملجأ العامرية قبل قصفه بدقائق معدودة.

 نفذ كل ما اختزنته العوائل العراقية من لحوم وخضروات ولم يبق لهم سوى الدقيق والرز والعدس والسكر والشاي الذي كان يوزع ضمن مفردات البطاقة التموينية، أيام مرت ثقيلة ومريبة ، رغم أن الكثير يعتقدون بأنهم قد نالوا حريتهم وانتهى نظام دكتاتور قاتل.

حامد كعيد الجبوري

يتبع ج5

اترك تعليقاً