السيمر / فيينا / الاثنين 22 . 04 . 2019
عباس البخاتي
الحدبة هي إنحناء في منطقة أعلى الظهر بالعمود الفقري، ويتسبب هذا الإنحناء في حدوث خلل بوظائف العمود الفقري وضعفها، (ما علينا بالوصف الفيسلوجي لتلك العاهة ). يقال ان شخصين احدبين يسكنان في قرية، وكانا يشعران بحرج شديد من هذا التشوه الخلقي الذي كان سببا في إنعزالهما عن المجتمع هربا من الناس لهما وسخرية بعض الجهلة الذين لا يراعون مشاعر الناس . قرر أحدهما أن يهجر قريته عسى أن يجد علاجا لعاهته التي نكدت عليه عيشه. حزم امتعته وخرج من القرية فجاب القرى والارياف بحثا عن ضالته إلى أن أتت به الصدفه لبلدة قد اجتمع أهلها وهم ينشدون اهزوجة(اليوم جمعة والخميس، اليوم جمعة والخميس )، و قد بان على ملامحهم الملل لقصرها كونها مقطع صغير. أطال الأحدب من الإنصات إليهم، فرق لحالهم وحاول أن يعبر عن تعاطفه معهم من خلال دخوله المفاجيء لميدانهم وأضاف مرتجلاً( اليوم جمعة والخميس والسبت هو الأنيس) فكان لموقفه هذا أثرا إيجابيا من خلال تفاعلهم الملفت للنظر والذي كان لهز الخصر والارداف وحركة الأكتاف دليلا على قبولهم بإضافة هذا المقطع. بعد أن هدأت الأجواء الصاخبة أخذ الجميع يبحث عن صاحب الفضل الذي أضاف هذا المقطع الصغير . كان الأحدب قلقاً جداً من الإفصاح عن نفسه فعرفهم بحاله وأنه من كان سببا في إضافة المقطع الآخر للإهزوجة. كانت المفاجأة عكس ما كان يتوقع الرجل حيث أحاط به الجميع معبرين عن شكرهم وامتنانهم لموقفه. ساله أحدهم قائلا : ألك حاجة؟ ويبدو أنه يرغب برد الجميل لهذا الاحدب عن جميل صنعه معهم! قص لهم الحكاية وسبب خروجه من قريته وشكى لهم معاناته من تلك العاهة المشؤومة. نادى كبيرهم على الحكيم (شندوخ) لعلاج حدبة الرجل وفعلا تم ذلك فأصبح شكله جميلا وخلعوا عليه الهبات والعطايا وشيعوه بحفاوة . فلما وصل إلى بلدته استقبله أهلها لتهنئته بسلامة العودة من هذا السفر وكذلك باركوا له خلاصه من ( الحدبة) سأله صديقه عن قصته وكيف اهتدى إلى خلاصه من عاهته، فقص عليه الخبر بأدق تفاصيله وأشار إلى مكان البلدة وطلب منه التعجيل بسفره لأنهم ربما بحاجة إلى من يضيف إلى اهزوجتهم مقطعا ثالثا للاستئناس به. جهز الرجل نفسه للذهاب وكما هو معلوم لديه وصل إلى القرية متخذا نفس الأسلوب الذي عمل به صاحبه. أنصت قليلا ليسمع ما يقال فكانت مثل ما قيل له (اليوم جمعة والخميس والسبت هو الانيس) مكث طويلا عسى أن يسعفه خياله بما ينسجم مع ما لدى القوم لكن محاولاته بائت بالفش. بعد أن نفد صبره قرر الدخول إلى الميدان ببيت من نسج خياله ضناً منه أن ذلك سيكسبه تعاطفهم فصاح بأعلى صوته (والأحد وياهم ) فأصبحت كالآتي (اليوم جمعة والخميس والسبت هو الانيس والأحد وياهم). هذا البيت سبب خللا واضحا في نسق البيت الشعري فاضطرب الإيقاع واختل التوازن وتلعثم الناس وسادت الفوضى ولم تنته إلا بعراك بالأيدي والهراوات وسالت الدماء وعم الخراب جميع أرجاء المكان. بعد أن هدأت فورة الغضب صاح بعضهم : (منو هذا ملعون الوالدين الي أفسد علينا متعتنا). قرروا البحث عمن كان سببا في ذلك فوجدوا الغريب مختبئا (وساعة سودة لمن طاح بديهم). انهالوا عليه ضربا وكسروا اضلاعه وبعد التحقيق معه علموا بقصته، فنادى كبيرهم على (كندوح) فطلب منه أن يعجل بعقوبته ولا يتركه دون أن تظهر حدبة أخرى في صدره إضافة لتلك التي في ظهره. كندوح (ما كال باطل ) واخذ بتوجيه اللكمة تلو الأخرى الى بدن الرجل ولم يتركه إلا بعد إحداث حدبة أخرى في صدره فعاد الرجل لداره بحدبتين. سوء الطالع للرجل صاحب الحدبتين يذكرنا بحال بعض المنادين بضرورة الإعتماد على الفاعل الدولي لحل مشاكل البلد، إستهانة منهم بإمكانات أبناء البلد وبعد أن تم لهم ذلك اصبحوا يشكون من هذا التدخل الذين كانوا سبباً في تمكينه بحجة العمق العربي والإنسجام العقائدي وغيرها من الحجج التي لا تصمد أمام المنطق فأوقعوأ أنفسهم في مشكلة أخرى تضاف إلى مشاكلهم خصوصاً وإن صدورهم لا تتحمل نشوء حدبة إخرى ففي حدبة الظهر كفاية..