السيمر / فيينا / الاحد 23 . 06 . 2019
أ. د. حسن خليل حسن المحمود
جامعة البصرة – مركز علوم البحار
من جديد عاد كابوس التسمم بمياه الشرب الى واجهة الاحداث في البصرة.. فبعد اشهر من نهاية صيف العام 2018 وهدوء نشاط الملوثات في انهار البصرة بسبب انتعاش التصاريف المائية القادمة من جهة ايران واعالي دجلة، وانخفاض درجات الحرارة، والتأثير الايجابي(النسبي) لبدء ادارة الملوثات المُلقاة في بعض الانهار الداخلية كأنهار العشار والرباط والخورة، لكن هذا الحال لم يدم طويلاً، فمع مطلع صيف 2019 (حزيران الجاري) عادت حالات التسمم الخفيف بسبب المياه هنا وهناك، مع مخاوف مع تزايداً إعدادها، وهذا متوقع لوجود اسباب كثيرة ، نضعها هنا لإحاطة الجهات المختصة، اذ يمكن ادراج اسباب تكرار حالات التسمم بسبب مياه الشرب بالتالي:
1- الاصرار الحكومي على ابقاء محطات الاسالة في مواقعها وعدم تطوير آلية عملها، بالرغم من ادراك الجميع ان الطبيعة النهرية في البصرة لم تعد قادرة على التعامل مع الملوثات السائلة المتزايدة فيها، ونقصد بالطبيعة النهرية ما يُعرف بالتنقية الذاتية (Selftreatment) للمياه بصورة كافية بفعل الحركات المائية خلال المد والجزر او تبدل الكتلة المائية في المجاري المائية، لهذا تظهر حاجة مُلحة لإدارة حسّاسة لهذه البيئة او تغيير نمط وآليات عمل محطات الاسالة وفقاً للمستجدات الطبيعية من نقص في الايراد المائي في ظل درجات حرارة مرتفعة وملوثات غير معالجة.
2- ان مياه شط العرب تنهار بيئياً وبشكل تام خلال الصيف من كل عام، وبالاخص في مركز المدينة والمواقع القريبة (وهي المواقع التي تنتشر فيها محطات الاسالة الرئيسية)، ولهذا يجب ان يدرك صانع القرار ان نوعية مياه شط العرب في هذا الجزء من المجرى لم تعد ملائمة للاستخدام المنزلي لسكان البصرة، وهذه حقيقة يجب ان يعيها السكان والمسؤول معاً، ويعملوا سريعاً على تحويل جميع استهلاك السكان من مياه الاسالة ومياه الشرب الى مشروع ماء البصرة(الآر زيرو R-Zero- ) الذي يستلم مياهه من قناة البدعة.
3- لا توجد رقابة كافية على محطات التحلية RO الاهلية ولا على مواقع انشاؤها وتقنياتها، وقد حذرنا مراراً من اقامة تلك المحطات قرب نقاط التلوث الشديد سواء التلوث الصناعي او المدني ومخلفات الصرف الصحي في النطاق الممتد بين الهارثة الى جنوب مجرى شط العرب في ابي الخصيب.
4- لا توجد رقابة كافية على معامل انتاج وتوزيع وعرض المياه المعبأة ولا على جودة نقل المياه في الحوضيات ومعامل انتاج وبيع الثلج، كما لا توجد ادامة كافية لمحطات الاسالة القديمة، ولا توجد صيانة وتطوير لشبكات توزيع المياه المتهالكة التي عفى عليها الزمن، كما لم يجري ابتكار طرق حديثة لتصفية وتنقية المياه في المحطات الحالية، علماً ان التنقية الحالية بالترسيب واضافة بعض المركبات الكيميائية التقليدية والكلور هي مشكلة اخرى تحتاج الى مراجعة وتحديث.
5- لا يوجد تقييم حقيقي لنوعية مياه قناة البدعة التي تزود مشروع ماء البصرة( الآر-زيرو)، وهذه القناة تحتاج الى تبطين في اجزاء واسعة منها كما انها تحتاج الى معالجة فورية ومتكررة للعوالق الطينية المسببة للانسدادات، ومعالجات لرفع الطحالب والنباتات المائية المنتشرة في مجراها ناهيك عن التجاوزات الكبيرة عليها داخل البصرة وخارجها وبالأخص مزارع الاسماك التي تعد ملوث خطر جداً.
6- لم تبرهن المؤسسات الصحية على قدرتها على استيعاب الكارثة الصحية وحالات التسمم سواء بالعلاج المباشر او استباق الكوارث الصحية بالوقاية العلاجية، وهنالك ضعف في ادارة وتوزيع المعقمات او التثقيف باتجاه تلافي حالات التسمم التي حصلت خلال صيف العام الماضي، وبالرغم من بلوغ اعداد التسمم معدلات مخيفة بلغت 4 من كل 10 اشخاص في البصرة.
7- عدم مصداقية الحكومة بحل مشكلة نقص وتردي المياه في البصرة منذ زمن طويل، بالرغم من وعودها المتكررة بالتأسيس لمشاريع بديلة لتوفير مياه الشرب فلم تنجز 1% من تعهداتها، ولم تفي بوعودها الكثيرة بتشغيل مشاريع استراتيجية كمشروع ماء البصرة الكبير المتلكئ منذ اكثر من 11 عاماً، كما انها لم تفي بوعودها السابقة بإنجاز محطات تحلية حكومية نهرية وبحرية تسد احتياج سكان البصرة، وبدلاً من ذلك اكتفت بتوفير مشاريع كبرى لسد متطلبات الصناعة النفطية من المياه لأغراض حقن الابار من اجل استمرار عمليات استخراج النفط التي تعد اكبر مستنزف للثروة المائية في البصرة.
8- لا توجد الا محطة واحدة لمعالجة مياه الصرف الصحي قبل تدفقها باتجاه مجاري الانهار العذبة، علماً ان البصرة تستلم ملوثات صناعية وزراعية ومدنية من جميع محافظات العراق على طول مجاري دجلة والفرات والمصب العام، كما لا توجد مؤشرات على نية حكومية لاستحداث محطات معالجة كافية او التخطيط لإنشائها، ومحلياً لم تنتبه الحكومات المحلية المتعاقبة لمشكلة تزيد اعداد السكان وتضاعف متطلبات استهلاكهم من المياه من جهة، وحصول زيادة مماثلة لكميات الملوثات البشرية لهذا الكم السكاني المتزايد دون مواكبة لمشاريع صرف صحي ومحطات معالجة من جهة ثانية.
مما سبق اردنا ان نبين بعض الاسباب التي تفتح ابواباً لعودة حالات تسمم المياه في محافظة البصرة، اما المعالجات فقسم منها جاء ضمناً، وسوف يجري التفصيل والافاضة عند طلب ذلك من الجهات المعنية عند توفر النية الصادقة لحل ازمات المياه المزمنة في محافظتنا المُبتلاة.