الرئيسية / مقالات / الحذر يا وزارة النفط من “فخ العقد البغيض” مع شركة اكسون موبل

الحذر يا وزارة النفط من “فخ العقد البغيض” مع شركة اكسون موبل

السيمر / فيينا / السبت 17 . 08 . 2019

احمد موسى جياد *

كثف الحديث مؤخرا عن استمرارية المفاوضات التي قد تقود الى توقيع عقد “مشروع جنوب العراق المتكامل SIIP ” الذي  تقدر قيمته 53 مليار دولار بشروط تعاقدية لم يعلن عنها رسميا ولفترة زمنية قد تمتد لثلاثين عاما مع ائتلاف شركتين بقيادة اكسون موبل الامريكية. 
في ضوء المعلومات المتوفرة والشواهد المادية والامثلة الفعلية والاعتبارات الجيوسياسية الدولية والتحليل المقارن التي تتضمنها هذه المداخلة فانني احذر بقوة وبصراحة وبصوت مرتفع كل من الاخ رئيس مجلس الوزراء والاخ وزير النفط  من خطورة  ايقاع العراق في “فخ عقد بغيض” لمساوئه العشرة لأنه:
1-يمنح شركة اكسون موبل موقع احتكاري يسيطر على كل المشاريع النفطية الحيوية في جنوب العراق بشكل مباشر لمدة ثلاثين عاما؛
2-يشكل تهديدا كبيرا للأمن الوطني وللمصلحة الاقتصادية بسبب تعدد مخاطره الاستراتيجية والجيوسياسية المؤثرة للغاية؛ 
3-يتعارض مع الدستور لأنه يرتهن –يحتجز- حقول نفطية معينة لصالح شركات نفط اجنبية؛
4-عقد مشاركة في الربحية التي تمثل الجانب النقدي لعقود المشاركة في الانتاج؛
5-  كلفته المعلنة خيالية ازدادت بواقع 11 مليار دولار خلال اقل من عشرة اسابيع واثناء التفاوض!!؛
6- يعطي كل زيادة في العوائد بسبب ارتفاع اسعار النفط للشركات الاجنبية حصرا؛
7- يلغي دور شركة سومو في تسويق نفط الحقول المرهونة؛
8- يقوض دور الجهد الوطني في تطوير الحقول النفطية؛
9- يتعارض مع تعليمات وضوابط احالة المشاريع الحكومية؛
10- يتسم بانعدام الشفافية وافتقار التنافسية.  
لذا اقترح على وزارة النفط عدم الاستمرار في تضييع الوقت والاعلان رسميا بانه ليس من مصلحة العراق الاقتصادية وامنه الوطني احالة مشروع الجنوب المتكامل الى شركة اكسون موبل وشريكتها سي ان بي سي.
 
وفي حالة اصرار وزارة النفط او الحكومة على احالة هذا العقد البغيض على شركة اكسون موبل وشريكتها وفق شروط الشركة المجحفة المذكورة، فأنني ادعو الى التهيئة للجوء الى المحكمة الاتحادية العليا لإبطال سريان عقد المشروع المتكامل لتعارضه مع الدستور واضراره بالمصلحة العليا للشعب العراقي والاجيال القادمة ويعيد العراق الى ما يشبه عقود الامتياز المقيتة؛
 
تتكون هذه المذكرة من: مقدمة لابد منها؛ الشواهد الفعلية، داخل وخارج العراق، لسلوك شركة اكسون موبل السياسي والجيوسياسي؛ حالة اللايقين والمخاطرة الاستراتيجية على المشروع النابعة من توتر العلاقات الامريكية-الصينية؛ مخاطر الشروط التعاقدية المجحفة الحاكمة للمشروع المتكامل، واخيرا الخلاصة والتوصيات.  
 
قبل توضيح المعطيات والادلة والشواهد التي استندت عليها في موقفي- تحذيري هذا ارى من الضروري ذكر ما يلي:
اولا: بلا شك تعتبر شركة اكسون موبل من الشركات النفطية المتكاملة الرائدة في الصناعة النفطية وعلى المستوى الدولي. وعليه فانني لا اناقش في هذه المساهمة الامكانيات الفنية والتقنية والتنظيمية والمالية للشركة وخبرتها المشهودة؛ ولكنني اناقش، في ضوء الشواهد الموثقة، سلوك وممارسات الشركة الجيوسياسية وما يمكن ان تشكله من تهديد استراتيجي خطير على المصلحة الوطنية العراقية؛
ثانيا: ان مشروع جنوب العراق المتكامل ليس مشروعا واحدا؛ بل يشكل، من النواحي التخطيطية والتنظيمية وحتى التعاقدية القانونية، “برنامج” بحد ذاته لأنه في الحقيقة يتكون من مجموعة مشاريع حيوية متباينة نوعيا وتخصصيا ولا يشترط مطلقا ان يتم تنفيذها بعقد واحد مع شركة واحدة او إئتلاف شركات بقيادة شركة واحدة. 
ثالثا: سبق لي ولأكثر من مناسبة ان تناولت اهمية المشاريع المتعلقة بتطوير الطاقة الانتاجية النفطية (التي تضمنها المشروع المتكامل) وضرورة اعطائها الاولوية في التنفيذ وبشكل متكامل متناسق؛ ويمكن للقارئ الكريم العودة والاطلاع على مواقفي بشان تلك المشاريع. وعليه، فانني لا اناقش اهمية هذه المشارع وضرورة تنفيذها الممنهج، بل اناقش خطورة تجميعها بعقد واحد يحال بعهدة إئتلاف شركتين بقيادة اكسون موبل.
رابعا: لم توفر وزارة النفط لغاية تاريخه المعلومات التفصيلية عن البنود الاساسية التعاقدية التي تم ويتم التفاوض بشأنها مع شركة اكسون موبل رغم كثرة التصريحات الرسمية المتفرقة التي اشار بعضها الى عموميات المشروع واهميته. وعليه فان هذه المساهمة تستند على مضامين تلك التصريحات المنشورة في وسائل الاعلام العراقية والاجنبية (استنادا الى مسؤولين- لم تعلن اسمائهم طبعا-  في الوزارة على اطلاع مباشر او غير مباشر بالمفاوضات) وعلى قاعدة المعلومات والبيانات التي تغطي تطورات المشاريع النفطية المعنية خلال العشرة سنوات الماضية.
 
بعد هذه المقدمة الضرورية نعود الى الطروحات الاساسية لهذه المداخلة:
اولا: الشواهد الفعلية لسلوك شركة اكسون موبل السياسي والجيوسياسي 
على الرغم من تاكيد الرئيس السابق (ركس تلرسون في 4 اذار 2015) بان الشركة “تستثمر فقط في اكثر المشاريع جاذبية” وان “معدل عائد راس المال خلال الخمس سنوات الماضية كان بحدود 21 % وهذا يزيد بخمسة نقاط مئوية عن اقرب منافسينا”؛ فان الشواهد التالية تشير الى سلوك وممارسات الشركة السياسية والجيوسياسية والتأثيرات السلبية الفعلية التي ترتبت عن تلك الممارسات:
1 – بعد ان ضمنت الشركة توقيع عقد حقل غرب القرنة1 من خلال جولة التراخيص الاولى قامت الشركة في شهر تشرين اول 2011 – بعد عدة اشهر من المفاوضات السرية- بتوقيع عدة اتفاقيات مشاركة الانتاج مع حكومة اقليم كردستان تتعلق بستة رقع استكشافية في الاقليم يقع بعضها في ما يسمى “المناطق المتنازع عليها” رغم المعرضة الرسمية للحكومة الفدرالية لتلك الاتفاقيات. وقد ترتب عن تحرك الشركة هذا العديد من النتائج والاثار السلبية اهمها تنمر حكومة الاقليم التي اعطت تحرك اكسون موبل قيمة “عسكرية” حسب تصريح مسعود البرزاني! ؛ توفير حافز لشركات اخرى اتباع خطوة الشركة والتوجه للاستثمار في الاقليم على حساب التزاماتها مع الحكومة الاتحادية؛ ابعاد شركة اكسون موبل من قيادة مقترح مشروع تجهيز ماء البحر المشترك (لحقن الماء CSSP) وعرقلة تطوير حقل غرب القرنة1 لفترة مهمة ادت في النهاية الى تقليل نسبة مساهمة الشركة في الحقل بعد دخول كل من شركة سي ان بي سي CNPC  الصينية وبيرتامينا الاندونيسية وشركة اتوجو اليابانية (التي اشترت حصة شركة شل). 
وبعد كل ذلك انسحبت شركة اكسون موبل من بعض رقع كردستان بحجة ان تقييم تلك الرقع كان غير دقيق وليس هناك من مبرر للاستمرار فيها!! ومن الجدير بالذكر ان هناك معلومات (لم استطع التاكد من مصداقيتها) ان الشركة عملت، من خلال علاقات مع الاوليكارك النفطي الروسي، على حث شركة روسنفط الروسية (شباط 2017) لتوسيع نشاطاتها بشكل كبير ومؤثر في اقليم كردستان العراق؛ وهذا ما حصل! 
 
وعلى الرغم من الضرر الفادح الذي تسببت فيه هذه الشركة فقد عمدت حكومة د. حيدر العبادي من خلال وزيري النفط في حينها عادل عبد المهدي ثم جبار لعيبي الى اعادة التواصل مع الشركة وعمل الاخير (المعروف بتخبطه ونرجسيته  وقصور نظره) جاهدا وكاد ان يوقع العراق بفخ عقد بغيض”Trap Odious Contract” مع هذه الشركة. 
 
2- وقعت الشركة  اتفاق تعاون ومشاركة مع الشركة الروسية روسنفط  Rosneft بشان حقل بوبيدا النفطي في بحر كارا في منطقة القطب الشمالي. ولكن، بعد ان فرضت حكومة براك اوباما العقوبات الاقتصادية على روسيا انسحبت شركة اكسون موبل في عام 2014 من روسيا دون الالتزام بالعقود الموقعة بهذا الشان. وهذا ادى الى تاخير تطوير الحقل المذكور لعدة سنوات حيث لم يتم استئناف الحفر فيه لغاية نهاية عام 2018 . 
3- كررت شركة اكسون موبل اجراءاتها الاحادية باجلاء كوادرها الاجنبية العاملة في حقل غرب القرنة1 وكان اخرها في (18 ايار 2019)  بعد ثلاثة ايام فقط من اعلان وزارة الخارجية الامريكية  بانها ستسحب “الكوادر غير الأساسية” من سفارتها في بغداد وقنصليتها في اربيل، حيث سحبت الشركة جميع كوادرها الاجنبية العاملة في الحقل ونقلهم الى دبي. وقد سبب هذا الاجراء الاحادي الجانب المباشر الفوري استياء الجهات العراقية لاحتمالية تاثيره السلبي على العمليات اليومية في الحقل مما دفع وزارة النفط بالطلب من الشركة اعادة كوادرها الاجنبية باسرع وقت. 
لقد تمكن العراق من تجاوز التاثيرات السلبية لقرار الانسحاب هذا لاسباب عديدة منها انه يتعلق بمشروع واحد؛ كانت فترة الانسحاب قصيرة وبحدود اسبوعين؛ تمكن الكوادر العراقية من ادارة العمليات في الحقل واستمرارية العمل فيه خلال فترة الانسحاب التي انتهت في 2 حزيران 2019؛ واخيرا، كانت شركة اكسون موبل الشركة الوحيدة التي سحبت كوادرها من العراق خلال الفترة المذكورة. 
بتعبير اخر: لو كان لشركة اكسون موبل تواجد في مشاريع حيوية اخرى ولو قامت الشركات الاخرى باتباع خطوات اكسون موبل لكان تاثير الانسحاب كارثيا بكل معنى الكلمة؛ وهذا هو احد مكامن الخطورة الاستراتيجية للعقد الذي نحن بصدده. 
 
تشير الامثلة والوقائع التاريخية اعلاه الى سلوك شركة اكسون موبل وارتباطها الفعلي بمواقف السياسة الخارجية للحكومة الامريكية بغض النظر عن التزامات الشركة القانونية والتعاقدية مع الدولة المضيفة او شركاتها. وقد يكون من المفيد الاطلاع على ومعرفة المزيد عن العقلية المتحكمة بهذه الشركة من خلال كتاب ستيفي كول: الامبراطورية الخاصة: اكسون موبل والقوة الامريكية (2012).
 
كما ذكر اعلاه فان الأتلاف الذي سينفذ مشروع جنوب العراق المتكامل يضم شركة CNPC الصينية؛ وهذا يقودنا الى مناقشة الجانب الاخر الاضافي للمخاطرة الاستراتيجية المحيطة بعقد هذا المشروع.
ثانيا: حالة اللايقين والمخاطرة الاستراتيجية للعلاقات الامريكية-الصينية
منذ تبني الرئيس الامريكي السابق باراك اوباما استراتيجية التموضع المكثف في شرق اسيا جهدت معظم التقارير وكتابات مفكري ومراكز دراسات الامن القومي والمصالح الامريكية (وخاصة ذات التوجه اليميني من المحافظين الجدد) على جمهورية الصين والترويج لكونها “العدو الاستراتيجي” الذي يمثل الخطر الحقيقي الصاعد المهدد للقطبية الاحادية لامريكا في قيادة العالم. والامثلة على ذلك عديدة منها الموقف السلبي الامريكي من المبادرة الصينية المعروفة بطريق الحرير او ” مبادرة الحزام والطريق Belt and Road Initiative ” وتكثيف الحرب التجارية التي استمر في تصعيدها وتوسيعها الرئيس الامريكي دونالد ترامب ثم اضاف اليها توسيع العقوبات وحصار ايران.
تنبع المخاطر الاستراتيجية للعلاقات الامريكية-الصينية وتاثيرها على مشروع جنوب العراق المتكامل من الاعتبارات التالية:
1-في حالة قيام الولايات المتحدة الامريكية بفرض عقوبات اقتصادية (وخاصة في المجال النفطي) على الصين (كدولة وعلى الشركات الحكومية التابعة لها) ضمن توجهات توسيع الحرب التجارية الحالية فسوف تمتثل شركة اكسون موبل لتلك العقوبات بشكل فاعل ومباشر واحادي الجانب. وهذا بالتاكيد سيوثر سلبا على تنفيذ مشروع جنوب العراق المتكامل من خلال قيام شركة اكسن موبل بقطع العلاقة التعاقدية مع شركة سي ان بي سي الصينية. باعتبار انها- اي اكسون موبل- هي قائدة الأتلاف الذي سيوقع العقد مع الطرف العراقي، علما انه لا توجد معلومات عن نسبة مساهمة الشركتين PI في المشروع ولا عن مكونات “اتفاقية التشغيل المشترك JOA ” التي تحكم عادة العلاقات التعاقدية بين شركات الاتلاف والتي يجب ان تكون احدى ملاحق العقد الرئيسي. وهنا علينا التذكير بالأمثل المذكورة في الفقرة “اولا” اعلاه؛  
2-وضمن اجراءات الحصار وفرض العقوبات على ايران قامت الحكومة الامريكية مؤخرا (خلال شهر تموز الماضي)  بإدراج الشركتين الصينيتين  Zhuhai Zhenrong Corp و Sinopec في القائمة السوداء- مما يعرضهما للمسائلة القانونية الامريكية؛ علما ان هاتين الشركتين من كبريات الشركات الحكومية المستوردة للنفط. ومن الجدير بالذكر انه سبق لحكومة براك اوباما ان اتخذت اجراء مماثل ضد الشركة الاولى- زوهاي زنرونك- في عام 2012 لأسباب تتعلق بمفاوضات البرنامج النووي الايراني في حينه. وهذا يعني ان اية علاقة بين هاتين الشركتين وشركة سي ان بي سي سيعرض الاخيرة لإجراءات عقابية امريكية ستنعكس(في اي وقت مستقبلا) سلبا ومباشرة على تنفيذ مشروع جنوب العراق المتكامل بنفس الكيفية المذكورة في (1 -) اعلاه. 
3-وقد يقول قائل ان الحكومة الامريكية ستأخذ مصلحة العراق بنظر الاعتبار ولن تتسبب في الحاق اية اضرار بالعراق. وهنا لابد من الرد بان الحكومة الامريكية –وخاصة تحت ادارة ترامب- تؤكد دائما على مصلحة “امريكا اولا”؛ اي انها لن تولي مصلحة العراق اية اهمية اذا تعارضت تلك المصلحة مع استراتيجية الادارة الامريكية ضد الصين. ومن الشواهد المادية الفعلية التي يمكن الاستشهاد بها تتعلق بإجراءات الادارة الامريكية ضد فروع الشركات الصينية في اميركا التي ادت-كما هي عليه الحال مع شركة هوواوي- الى تقليص نشاطات تلك الشركات مما ادى الى تسريح الاف المستخدمين الاميركان؛ فمن لا يكترث بنتائج سياساته على بلده، لا يكترث بالتاكيد وبالمطلق بنتائج تلك السياسات على البلدان الاخرى!    
 
وعليه وفي ظل تصاعد حدة الحرب التجارية الامريكية الصينية  فان ائتلاف اكسون موبل- سي ان بي سي لتنفيذ مشروع الجنوب المتكامل يحمل معه مخاطر استراتيجية مؤثرة للغاية لان وجود شركة اكسون موبل ما هو إلا حصان طروادة لابد من الحذر منه ومن توابعه. 
ويصبح الامر مقلقا اكثر اذا ما تم اعادة انتخاب ترامب واذا اخذنا بنظر الاعتبار التدهور المتصاعد في العلاقات الامريكية الصينية في ضوء اتهامات الصين للتورط الامريكي في تأجيج الاحتجاجات او العصيان المدني في هونك كونك وتجاوز ادارة ترامب على سياسة “الصين الواحدة” وذلك بقيامها بتزويد تايوان بأسلحة وطائرات مقاتلة متطورة رغم اعتراض بكين الشديد على هذه الخطوة والتواجد العسكري المكثف في المناطق المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. 
 
ثالثا: مخاطر الشروط التعاقدية المجحفة الحاكمة للمشروع المتكامل
لحد هذا اليوم لم تقم وزارة النفط بالإعلان بشكل رسمي واضح وكامل عن المكونات الاساسية لشروط العقد التي تم ويتم التفاوض عليها مع شركة اكسون موبل. وعلى الرغم من ان تنفيذ المشروع المقترح سيتم بواسطة ائتلاف شركتين الا ان جميع المفاوضات تمت- كما يبدو- بدون مشاركة الشركة الصينية!!؛ اذن نحن امام حالة إنعدام كامل للشفافية. 
وفي الوقت الذي لا نتوقع فيه قيام الوزارة بالافصاح عن “كل التفاصيل” (رغم ان الشيطان يكمن عادة في التفاصيل) فانني ارى من الضروري الافصاح وبشكل كامل عن المكونات الاساسية لشروط العقد التي تم ولم يتم الاتفاق عليها ومدى تعارض طلبات الشركة مع المصلحة الوطنية، خاصة وان كبار المسؤولين في الوزارة قد صرحوا اكثر من مرة انه يتوقع التوقيع مع الشركة خلال ايام معدودة ثم يعودوا ويقولوا ان المفوضات مع الشركة وصلت الى طريق مسدود بسبب اصرار الشركة على طلبات لا يمكن قبولها دون تبيان تفاصيل تلك الطلبات. واذ كان الامر كذلك فما جدوى استمرار التفاوض مع الشركة التي يبدو انها تسلك الاسلوب التفاوضي المعروف “تكتيك التاخير والمماطلة  Procrastination املا في وانتظارا للظروف الجيوسياسية التي تمكنها من تحقيق ما تريد. وهنا لابد من التذكير ان وزير الخارجية الامريكية، مايك بومبيو، قد اثار هذا الموضوع مرتين خلال مكالمته التلفونية مع رئيس مجلس الوزراء وخلال زيارته المفاجئة الى بغداد في 7 ايار الماضي واستخدام ورقة تمديد استثناء العراق من العقوبات الامريكية على ايران إلا مثلا على ذلك وضمن طروحات بومبيو وادارة ترامب المعروفة “استقلالية طاقة العراقIraq’s Energy Independence “!!!! والتي تشكل بنظري تجاوز صارخ للسيادة وتدخل فج في شؤون العراق الداخلية من جهة وتدلل من جهة اخرى على الترابط العضوي بين شركة اكسون موبل والسياسة الخارجية “للدولة العميقة” في امريكا بغض النظر عن من يسكن في البيت الابيض. 
 
ان الشواهد الدولية تشير الى حقيقة مكررة وهي ان انعدام الشفافية تحمل في طياتها وتشير الى انعدام التنافسية؛ وهذا ما حصل فعلا في المحادثات المتعلقة بهذا المشروع. لقد تمت جميع المفاوضات خلف الابواب المغلقة وفي حالة توقيع العقد فان هذا يعني ان جميع مكونات مشروع جنوب العراق المتكامل سيتم احالتها الى ائتلاف شركتين بدون مناقصات؛ وهذا ان تم فانه يخالف بشكل واضح شروط وضوابط المناقصات العامة وقرار مجلس الوزراء رقم 51 لسنة 2018 ومتطلبات قرض البنك الدولي؛ اي اننا امام حالة تنعدم فيها التنافسية وهذا يشكل مخالفة قانونية. وهنا اجد من الضروري تذكير وزير النفط بانه اصبح منذ شهر اذار 2019 رئيسا لمجلس امناء مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية في العراق مما يحتم عليه ضمان الالتزام التام بالمعايير الدولية للشفافية في هذا المجال!!
إلا ان الاخطر من كل ذلك هو ضبابية الشروط التعاقدية الاساسية ذات الابعاد المالية والاقتصادية والقانونية التي- بسبب انعدام الشفافية- لم يتم الافصاح عنها من قبل وزارة النفط لحد الان والخاصة بمشروع جنوب العراق المتكامل. ولكن متابعة التصريحات المتفرقة لرئيس الوزراء ووزير النفط وقيادات القطاع النفطي ومصادر الصناعة النفطية الدولية يمكننا الاشارة الى ومناقشة وتحليل اهم تلك الشروط. 
1-مكونات مشروع جنوب العراق المتكامل. 
حسب تصريح وزارة النفط بتاريخ 10 آب 2019 يضم هذا المشروع “مجموعة من المشاريع الحيوية منها (تطوير حقلي بن عمر وارطاوي، مشروع تجهيز ماء البحر المشترك، توسيع وتطوير منظومة الخزن والنقل والتصدير، فظلا عن بناء وحدتين لمعالجة وتصنيع الغاز المصاحب)” ؛ وان كلمة “منها” قد تشير الى مشاريع حيوية اخرى لم يذكرها التصريح!
وكما ذكر اعلاه فان هذا المشروع المعقد المركب المكون من العديد من المشاريع المتباينة نوعيا وتعاقديا يتطلب تنفيذه التوصل الى عقد معقد للغاية ومطول جدا وآلية اشراف متطورة  بشكل متميز. كذلك لا يوجد مطلقا ما يبرر تجميع كل هذه المشاريع بعقد واحد يحال بعهدة طرف تعاقدي واحد؛ بل على العكس ان هذا التجميع غير ضروري ويفقد وزارة النفط المرونة العملياتية المطلوبة في الاشراف لضمان حسن تنفيذ المشاريع. اضافة الى ذلك فان تجميع كل هذه “المشاريع الحيوية” بعقد واحد يحال بعهدة طرف تعاقدي واحد يتعارض مع الحكمة التقليدية المعروفة والقاضية “بعدم وضع كل البيض في سلة واحدة”؛ ان هذا التجميع يشير الى احتمالية مخاطر استراتيجية مؤثرة للغاية نابعة من ما يمكن ان نسميه “ترابط تعدد المخاطر”: والتي تعني ان الخلاف التعاقدي في اي من المشاريع المجمعة قد يقود الى عرقلة تنفيذ بعض او جميع المشاريع الاخرى المشمولة بالعقد الواحد؛ اي وضع كل القطاع النفطي، وبالتبعية الاقتصاد العراقي، من الناحية الفعلية تحت رحمة وسيطرة اكسون موبل، مما يعني اخضاع العراق الى علاقات امتياز جديد غير متكافئة!!!        
ومن الجدير بالذكر ان بعض مكونات المشروع الموحد قد تم التفاوض والتوصل الى نتائج بشانها مع شركات اخرى فما هي جدوى ومبررات التفاوض بشانها مع شركة اكسون موبل؛ فهل هذا لتقوية الموقف التفاوضي ووضع مزيد من الضغط على اكسون موبل ام انه في الحقيقة يساهم في التاخير المتعمد الذي يخدم في النهاية مصلحة اكسون موبل ؟! ومن الامثلة على ذلك توقيع شركة نفط البصرة “خطاب نوايا LoI” مع شركة هونداي في شهر ايار الماضي تتعلق بمشروع معالجة مياه البحر بطاقة قدرها 5 مليون برميل يوميا ينفذ خلال 49 شهرا وبكلفة تقديرية بحدود 2.45 بليون دولار؛ و”مذكرة التفاهم MoU” التي وقعت في 17 تموز الماضي بين شركة غاز الجنوب وشركة هونيول Honeywell الامريكية المتعلقة بمجمع ارطاوي للغاز المصاحب؛ والاتفاق  “المبدئي” الذي توصلت اليه الوزارة مع شركة اورين Orion الامريكية في كانون ثاني 2018 لاستثمار الغاز المصاحب من حقل بن عمر؛ واخيرا التصريح “الغامض” الاخير لوزارة النفط (10 آب) بان العقود التي تم تداولها في الصحافة الدولية المتخصصة مع شركتي بي بيBP و إيني ENI “اقتصرت على تجهيز مواد لأنبوبين نفطيين …” في حين تشير المصادر الدولية ان قيمة عقدي الانبوبين تتراوح بين 400 مليون دولار وبليون دولار!!!!! 
ان هذه الضبابية بشان “من ينفذ ماذا” وما هي العلاقات والحدود التعاقدية بين كل تلك الشركات تشكل مصدرا اخر للمخاطرة  الاستراتيجية التي تحيط بهذا المشروع المتكامل.  
 
2-كلفة المشروع ومدته 
بعد ان اوصى اجتماع مجلس الوزراء المنعقد في 7 ايار الماضي (قبل ساعات من وصول بومبيو المشار اليها اعلاه!!) باستمرار التفاوض مع الشركة بشان المشروع المذكور، صرح رئيس مجلس الوزراء بان “العراق على وشك توقيع اتفاقية طاقة مدتها 30 عاما بقيمة 53 مليار دولار مع قيادة المشروع اكسون موبل وشريكتها سي ان بي سي”.
ان كل من الكلفة الكلية للمشروع الضخمة للغاية والمدة الطويلة للغاية مبعث قلق مبرر ومنطقي ويثير العشرات من التساؤلات المشروعة؛ ولكن، وكما ذكر اعلاه اكثر من مرة، لم يتم لحد الان توفير اية تفاصيل عن هذين المتغيرين الاساسيين باستثناء رقميهما المجردين: 53 مليار دولار و30 عام!!! 
وانني اجد من الضروري التنبيه الى التباين الكبير في الكلفة الكلية للمشروع خلال اقل من عشرة اسابيع فقط!! حيث صرح وزير النفط في 27 شباط الماضي ان الكلفة الكلية للمشروع 42 مليار دولار؛ فما هي مبررات هذه الزيادة البالغة 11 مليار دولار ( زيادة بنسبة 26.2 % حتي قبل توقيع اتفاقية المبادئ!!!!). على وزارة النفط توضيح هذا التباين والارقام الخيالية!!! 
 
3-نوعية وطبيعة العقد الحاكم للمشروع
اشارت مختلف المصادر التي تم توثيقها الى ان شركة اكسون موبل تهدف الى وتصر على صيغة عقد مشاركة في الانتاج على شاكلة العقود التي وقعتها مع حكومة اقليم كردستان. وهذا ان صح انما يدلل على عدم احترام الشركة لمضامين الدستور العراقي الذي لا يسمح بالمطلق بصيغة المشاركة في الانتاج لانها تتعارض مع مبدأ ملكية الشعب العراقي للنفط والغاز من جهة ويدلل على  عدم احترام السياسة المعلنة لوزارة النفط والمتمثل باعتماد عقود الخدمة كما كان عليه الحال في جولات التراخيص الاربع الاولى. 
كذلك توجد اشارة الى احتمالية تبني عقد المشاركة في العوائد او الربحية (حسب ما افاد به وزير النفط الحالي في 28 حزيران 2019). ومن الجدير بالذكر ان العقد سيء الصيت الذي اعتمده وزير النفط السابق جبار لعيبي في جولة التراخيص الخامسة (26 نيسان 2018)  والذي لم تتم المصادقة على اي من العقود الموقعة لغاية تاريخه قد اعتمد صيغة المشاركة في العوائد او الربحية. ولابد من الاشارة في هذا المجال ان عقد المشاركة في العوائد او الربحية يمثل، من الناحية التحليلية والفعلية، الوجه الاخر (النقدي) لعقود المشاركة في الانتاج (البرميل). 
ومن الجدير بالتذكير ان المشروع المتكامل قيد البحث، وكما ذكر اعلاه، يتكون من مشاريع متباينة نوعيا وتخصصيا مما يحتم تبني انواع وصيغ تعاقدية مختلقة. 
 
4-ارتهان وحجز حقلي ارطاوي وبن عمر النفطيين
من المكونات الاساسية للمشروع المتكامل هو ارتهان الحقلين المذكورين وتطويرهما لتستخدم العوائد المتحققة من بيع انتاجهما حصرا لضمان تسديد مستحقات شركتي اكسون موبل وشريكتها. 
في ضوء المعلومات المتاحة فقد كان الانتاج الكلي لكلا الحقلين بحدود 125 الف برميل يوميا في شباط 2018- حسب تصريحات مدير عام دائرة العقود في الوزارة- وسيتم تطوير الحقلين، بموجب المشروع المشترك، ليصل مجمل انتاجهما الى 500 الف برميل يوميا. لكن لا توجد اية معلومات عن المسائل الاساسية المتعلقة بتحديد انتاج خط الشروع التعاقدي (وقت توقيع العقد)؛ معدل الانخفاض الطبيعي في الانتاج السنوي؛ التوقيتات الزمنية للوصول الى انتاج الذروة  وفترة ديمومة انتاج الذروة ومعدلات الانتاج اليومية قبل وبعد فترة ديمومة انتاج الذروة (حسب خطة تطوير كل من الحقلين) وغيرها من المكونات الفنية والتقنية والتعاقدية.
اضافة الى كون هذه الاحالة تشكل ضربة مؤثرة موجعة “للجهد الوطني” تتعارض بالمطلق مع سياسة وزارة النفط المعلنة، فان ارتهان الحقلين انما يشكل سابقة خطرة تعيد العراق، من الناحية الفعلية، الى صيغ عقود الامتياز المقيتة  ولكن بصيغة مبطنة جديدة، فان ارتهان الحقلين تواجه عقبات وتثير اشكاليات عديدة تشكك بشرعيتها للاعتبارات التالية: 
أ‌-عدم وجود السند الدستوري الذي يسمح بارتهان جزء من ما يملكه الشعب من ثروة النفط والغاز؛
ب‌-التعارض مع القوانين السنوية لموازنة الدولة التي يعتمد اعدادها على جميع العوائد المتوقعة والمتحققة من صادرات النفط؛
ج- ان قانون الشركات العامة رقم 22 لسنة 1997 الذي استندت عليه وزارة النفط كأساس قانوني لتبرير عقود جولات التراخيص دون موافقة مجلس النواب، لا يوفر الغطاء القانوني لارتهان الحقول النفطية- ملكية الشعب؛ 
د- كذلك ارى ان مجلس النواب لا يملك صلاحية الموافقة على ارتهان الحقول النفطية لان ذلك يتعارض مع بنود الدستور. 
 
وعليه وفي ضوء ما تقدم فان رهن/حجز حقلي ارطاوي ونهر عمر يتعارض بالمطلق مع الدستور وان اصرار وزارة النفط على المضي به يحتم اللجوء الى المحكمة الاتحادية العليا لإبطال سريان عقد المشروع المتكامل؛
 
5-معادلة اسعار النفط 
ضمن النموذج الاقتصادي الذي قدمته شركة اكسون موبل ولا زالت تصر عليه هو “اعتماد سعر محدد للنفط” يكون بمثابة المؤشر الاساسي الذي يتم بموجبه استرداد تكاليفها الراسمالية ومستحقاتها التعاقدية الاخرى. والهدف من ربط استرداد التكاليف بأسعار النفط هو لتجنب، كما يدى، نواقص عقود جولات التراخيص الاربع؛ وهذا بتصوري ناجم عن فهم خاطئ للبنود المعنية  في تلك العقود وقد ذكرت ذلك اكثر من مرة في دراساتي السابقة.
ولكن الخطر فيما ذكر عن هذا الربط في النموذج الاقتصادي المذكور هو ان اية زيادة في العوائد بسبب ارتفاع اسعار النفط فوق ذلك السعر المعتمد تعود بالكامل الى الشركة ولا يحصل العراق على اي شيء منها؛ اي سيطرة وحصول الشركة على كل الريع المالي الناجم عن زيادة اسعار النفط، مما يعني احتمالية عالية لتكبد العرق خسارة عوائد مالية ضخمة تترابط طرديا مع الفرق بين الاسعار الفعلية والسعر المعتمد. 
لا توجد اية معلومات تتعلق بمستوى سعر النفط المعتمد وكيف تم التوصل اليه وهل يبقى ثابتا طيلة الثلاثين عاما ام يتم مراجعته، كيف ومتى وهل توجد معادلة معينة لذلك …وغير ذلك من الاسئلة المهمة!!!!  
وقد سبق لوزارة النفط ان اعتمدت مثل هذا السعر (وكان 21.5 دولار للبرميل) في عقود جولة التراخيص الخامسة سيئة الصيت والتي ستسبب خسائر فادحة للعراق في حالة اقرار اي عقد منها. كذلك ان هذه الطريقة معمول بها في اتفاقيات التحوط Hedging والتي اثبتت معظمها انها تعمل لصالح البنوك الدولية اكثر من مصلحة الدولة المعنية.
         
6-تسويق النفط 
تصر شركة اكسون موبل على قيامها بتسويق النفط الخام من حقلي ارطاوي وبن عمر!! وهذا يعني تجاوزا لشركة سومو ولنظام واجراءات تسويق النفط العراقي مما يعني من الناحية الفعلية خلق ازدواجية مضرة لا مبرر لها في نشاطات تسويق النفط العراقي. ان القبول بهذا الامر سيضعف بالتاكيد حجة الحكومة الاتحاديةـ وقوانين الموازنة السنوية، القاضية بتسليم نفط كردستان الى سومو لتصديره.     
وهنا ايضا نجد ان المعلومات شحيحة للغاية، ولكنني ارى ان هذا الاصرار يعد خطوة تهدف الى تقويض السيادة الوطنية على عوائد الصادرات النفطية واضعاف دور سومو ويعزز الاعتقاد بتوجه الشركة لإعادة العراق لصيغة عقود الامتياز المقيتة بثوب جديد!!.
 
7-التوقيتات الزمنية ومخاطر المماطلة الممنهجة
 صرح الاخ وزير النفط في 28 حزيران الماضي بان المفوضات مع الشركة للتوصل الى “اتفاقية مبادئ HoA” حيث بقيت نقطة واحدة سيتم حلها خلال اسبوع؛ لم يتحقق ذلك (والحمد لله) لحد الان. 
للتذكير فقط ان الجهود والمناقشات المتعلقة بمشروع تجهيز ماء البحر المشترك CSSP بدأت منذ حوالى عشر سنوات؛ وان الجهود والمناقشات والمفاوضات المتعلقة بمشروع جنوب العراق المتكامل هذا بدأت منذ اكثر من اربع سنوات … وبعد كل هذه السنوات نحن نتوقع اتفاقية مبادئ!! فكم من السنوات نحتاج للاتفاق على الصيغة النهائية لعقد المشروع المتكامل قبل البدء بتنفيذه؟ وهل يتم تجميد كل النشاطات الحالية والمتعاقد بشأنها المتعلقة بالمشاريع التي يتضمنها المشروع؟ وكيف تتعامل وزارة النفط مع الاثار السلبية الكارثية ( التعاقدية والتنفيذية) التي ستنتج حتما عن هذا التجميد؟  وما ستفعل الوزارة اذا ما ماطلت الشركة ولم توقع على العقد (للاسباب السياسية والجيوسياسية  المذكورة سابقا)؟  وهل؟..وكيف؟..ولماذا؟ ..الخ من العديد من الاسئلة المشروعة التي لابد من طرحها والحصول على الاجوبة المقنعة عنها. 
في ضوء المعطيات اعلاه فانني ارى ان وزارة النفط قد وقعت، او كادت، في فخ تكتيك المماطلة الممنهجة Procrastination للشركة بهدف تضييق الوقت المتاح للوزارة في تبني البدائل المكنة الاخرى. 
للتذكير ايضا ان اتفاقية المبادئ المتعلقة بشركة غاز البصرة (BGC) مع إتلاف شل-متسوبيشي قد وقعت يوم 22 ايلول 2008 ولغاية تاريخه لم تتوصل الشركة الى تحقيق 60% من الطاقة الانتاجية المتعاقد عليها والعقد المعقد والطويل جدا الخاص بشركة غاز البصرة. 
بالمقابل تشير توقعات صندوق النقد الدولي (تموز 2019) ان يصل انتاج العراق الى 5.18 مليون برميل يوميا (مبي) في عام 2024؛ وتوقعات وكالة الطاقة الدولية (نيسان 2019) الى 6 مبي في 2030. علما ان هذه التوقعات هي اقل من تلك التي صرح بها مسؤولي وزارة النفط؛ حيث ذكر وزير النفط (27 شباط 2019) زيادة طاقة التصدير الجنوبية الى 6.5 مبي، مما يعني طاقة انتاجية تفوق 7.5 مبي (دون احتساب نفط الاقليم).
وهذا يعني ان التأخير في تنفيذ المشاريع التي يتضمنها المشروع المتكامل سيحول حتما دون تحقيق اهداف الانتاج والتصدير بغض النظر عن التباين الكبير في مستويات وتوقيتات تلك الاهداف.  
 
الخلاصة والتوصيات 
1-اوضح التحليل والمعلومات اعلاه ان تجميع كل تلك المشاريع الحيوية بمشروع واحد واحالته بموجب عقد واحد لإتلاف واحد يعتبر خطأ استراتيجي لأنه محفوف بعدد كبير من المخاطر التي سيترتب عنها نتائج كارثية تهدد الامن الوطني والاقتصادي وتعارضه مع الدستور وينتهك السيادة في ادارة عوائد الصادرات ويعيد العراق الى حقبة عقود الامتياز المقيتة؛ انه عقد بغيض بكل المقاييس. 
2-على وزارة النفط عدم الاستمرار في تضييع الوقت والاعلان رسميا بانه ليس من مصلحة العراق الاقتصادية وامنه الوطني احالة مشروع الجنوب المتكامل الى شركة اكسون موبل وشريكتها سي ان بي سي.
3-تحويل مشروع الجنوب المتكامل الى “برنامج جنوب العراق المتكامل” بحيث يتم تحديد جميع المشاريع الحيوية المذكورة وتعيين مدير مشروع لكل منها ضمن الضوابط المعمول بها في الوزارة والشركات المرتبطة بها كل حسب تخصصه ومجال عمله. توزع مهام الاشراف على “برنامج جنوب العراق المتكامل” على وكلاء الوزير الذي يكون هو المشرف الاعلى على البرنامج لضمان حسن تنفيذه. تعطى مشاريع “البرنامج” الاولوية في التنفيذ والتمويل بالتعاون مع الشركات الدولية على اسس تنافسية وضمن عقود منفصلة ولا تحال كل تلك المشاريع الى شركة دولية واحدة او ائتلاف واحد من الشركات الدولية؛ 
4-الاستمرار في تطوير حقلي ارطاوي وبن عمر بالجهد الوطني حصرا؛ 
5-وفي حالة اصرار وزارة النفط او الحكومة على احالة عقد مشروع جنوب العراق المتكامل على شركة اكسون موبل وشريكتها، فأنني ادعو الى التهيئة للجوء الى المحكمة الاتحادية العليا لإبطال سريان عقد المشروع المتكامل لتعارضه مع الدستور واضراره بالمصلحة العليا للشعب العراقي.
 
*استشارية التنمية والابحاث/العراق
النرويج
16 آب 2019  
لاعتبارات عملية لم يتم ادراج المصادر العديدة التي استخدمت في هذه المتابعة.

اترك تعليقاً