السيمر / فيينا / الخميس 10 . 10 . 2019
د. ماجد احمد الزاملي
حينما ينتفض شعبٌ ما في أيِّ بلد من أجل المطالبة بالعدالة السياسية والاجتماعية، تصبح حركته قوة تغيير نحو مستقبل أفضل، بينما العكس يحدث إذا تحرّكت الجماعات البشرية على أساس منطلقات أثنية أو طائفية، حيث أنّ الحروب الأهلية ودمار الأوطان هي النتاج الطبيعي لمثل هذا الحراك. إنّ التعدّدية بمختلف أشكالها، ومنها الاختلاف في الخلق والأجناس واللغات والطوائف، هي سنّة الخالق الحتمية على هذه الأرض، والطبيعة تؤكّد تلك الحقيقة في كلِّ زمانٍ ومكان. لكن ما هو خيارٌ بشري ومشيئةٌ إنسانية هو كيفيّة التعامل مع هذه “التعدّدية” ومن ثمّ اعتماد ضوابط لأساليب التغيير التي تحدث في المجتمعات القائمة على “التعدّدية”. ان أحد أخطر المسائل الملتبسة في الواقع الشرق اوسطي هي علاقة المواطن بالدولة. فالدولة كانت ولازالت أداة للإثراء وللقمع واداة للفرض وللفساد، هذا لا يعني ان الدولة والنظام السياسي لا يقومان بالتنمية في بعض الحالات، لكن تلك التنمية تقع بسبب تقاطع المصالح وليس بسبب غاية هدفها المجتمع والنهوض بالشعوب.مواجهة الاستبداد الداخلي من خلال الاستعانة بالتدخّل الخارجي، جلب ويجلب الويلات على البلدان التي حدث ذلك فيها، حيث تغلب حتماً أولويات مصالح القوى الخارجية على المصلحة الوطنية، ويكون هذا التدخّل نذير شرٍّ بصراعاتٍ وحروبٍ أهلية، وباستيلاءٍ أجنبيٍّ على الثروات الوطنية، وبنزعٍ للهويّة الثقافية والحضارية الخاصّة في هذه البلدان. أمّا “التسامح” مع الاستبداد من أجل مواجهة الخطر الخارجي فإنّه، عن غير قصد، يدعم كلَّ المبرّرات والحجج التي تسمح بهذا التدخّل. فبمقدار ما يكون هناك استبداد، تكون هنالك الأعذار للتدخل الأجنبي. تسود الآن رؤيتان لتفسير ما يحدث في منطقة الشرق الاوسط وبلدنا من ضمنها ، ويزداد الشرخ والمسافة بينهما يوماً بعد يوم. الرؤية الأولى تعتبر أنّ “العدوّ” في هذه المرحلة هو “الاستبداد” الذي يجب إسقاطه ولو من خلال الاستعانة بقوًى أجنبية. أمّا الرؤية الثانية فهي على الطرف النقيض، حيث تعتبر أنّ الخطر الأكبر في هذه المرحلة هو التدخّل الأجنبي في شؤون البلاد الشرق اوسطية ، وفي السعي الدولي المحموم للهيمنة عليها من جديد، وبأنّ هذا الخطر يستوجب التسامح مع ما هو قائمٌ في داخل بعض الأوطان العربية من أوضاع دستورية واقتصادية وأمنية. لم يحاكم أي من الديكتاتوريين العرب على صناعتهم لدول بوليسية نشرت الرعب والخوف بين المواطنين، كما لم يحاكموا على تدميرهم لبنية المجتمات العربية وتحويلهم الأخ للتجسس على أخيه والابن على أبيه، والشقيق على شقيقته. بل لم يحاكموا لتحويلهم المجتمعات لأمكنة فاقدة للروح والمبادرة والحس بالكرامة الإنسانية. لقد حول المستبدون الشرق اوسطيين حلم كل شاب وشابه نحو الهجرة والهرب من تلك الأوطان المكسورة والأنظمة المتحجرة. ان الحركات الاجتماعية، باعتبارها ممارسات تعمل على صياغة وتشكيل عالمنا المعاصر، مع النظر لحقوق الإنسان باعتبارها بناء قائم علي تشكيل جزء كبير من ممارسات الأفراد بالمجتمعات، وهكذا في علاقة جدلية بين الحركات الاجتماعية وحقوق الإنسان. وكان من أبرز النتائج أن تطور خطاب حقوق الإنسان علي المستوي العالمي أدى إلي العمل على إبداع صيغ مؤسسية غير تقليدية جديدة تنادى بحقوق الإنسان، وبالمقابل فإن ظهور موجات من التعبئة الاجتماعية تتميز بالصفة الجماعية للاحتجاج خاصة داخل المجتمعات ذات الأنظمة الاستبدادية، عملت على تأسيس ثقافة احتجاجية تبلورت في صورة ظهور عدد من الحركات الاجتماعية الجديدة، والتي عملت على تفعيل قضية حقوق الإنسان وتسليط الأضواء عليها. آخذين في الاعتبار دور الحركات الاجتماعية فى المساعدة على تحقيق التغير السلمي داخل المجتمعات، في ظل علاقة تلك الحركات بالنظم الحاكمة، وخاصة النظم الديكتاتورية وما تتبعه من سياسات قمعية تعمل على انتهاك حقوق المواطنين. نحن نستحق الديمقراطية الكاملة ضمن تداول السلطة ومنع استمرار وجود اي شخص بموقع قيادي لأكثر من فترتين بدون اي استثناء من موقع رئيس الوزراء الى رئيس قسم ضمن سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية منفصلة في ظل دولة رعاية للأنسان من اسكان وصحة وتعليم وحد أدني للأجور ضمن ضمانات لثبات اسعار السلع الغذائية الاساسية وجهاز رقابي يخدم المواطن. منذ زمن طويل ونحن نعيش هذه الحالة المأساوية والمحزن اننا الوحيدين من بين أمم العالم التي تعيش خارج التاريخ فكل أمم العالم الأخرى احتلت موقعا في ميدان السباق الحضاري على المستقبل باستثناء أمة اقرأ التي لا تقرا. لدينا نماذج ديمقراطية بمختلف مناطق العالم وبمواقع اسلامية بحتة ومنها النموذج الماليزي وكذلك هناك النماذج الافريقية التي خرجت من عمق المأساة الانسانية لصناعة حالات حضارية تجاوزت جرائم التاريخ وصنعت المستقبل مثل دولة جنوب افريقيا وايضا راوندا. وحاليا تتفجر الانتفاضة الشعبية العراقية ضمن حالة شبابية عراقية تجاوزت اي حالة طائفية او شعارات حزبية او انطلاقات فكرية وهي ثورة غضب شبابي ترفض المنحرفين و المرتبطين بالأجنبي و كذلك يرفضون الأحزاب الطفيلية المعزولة فهؤلاء كلهم يمثلون حالة سلبية يرفضها شباب العراق الثائر ونحن نتحدث عن مواليد الالفين وما فوق وصلوا الى الانفجار البركاني في بلد لديه “عقل جمعي” لا ينسى.