الرئيسية / مقالات / الحراك الشعبي في العراق: مطالب ومطالب.. ولكن؟!

الحراك الشعبي في العراق: مطالب ومطالب.. ولكن؟!

السيمر / فيينا / الثلاثاء 22 . 10 . 2019

* رواء الجصانــي

يقترب الموعد “المفترض” لعودة الحراك الشعبي في بغداد، ولربما في محافظات ومدن عراقية اخرى، من اجل اهداف ومطالب متعددة، وشعارات شتى.. وما برح “لغـز” كتمان الاسماء او الجهات الرئيسية الداعية لذلك الحراك، او المنظمين والموجهين له، محجوباً.. وقد تطوع كثيرون لأحتساب ذلك غير مهم، قائلين – وعلى عهدتهم –  بأن الاهم هو ديمومة التظاهرات والاحتجاجات، ولا ندرى مدى صحة مثل ذلك الاحتساب.

   وبسبب ما تقدم  اعلاه، فمن الطبيعي ان تكون هناك اجتهادات وتشتت في تحديد الاسبقيات للمطالب وفق الممكن والمتاح، وهكذا تضخمت الحال وباتت تثير التساؤل تلو الآخر عن الاحتمالات التي ستكون عليها النتائج، وتترتب التداعيات، وابرزها الخوف الحريص، الحريص، من تكرار المجرمين الأفراط  في استخدام العنف لحد  القتل ..  ولا يكفي – بظننا على الاقل – ان تسفك المزيد الدماء، ويتضاعف العنف دون حاجة وضرورة جدية مطلوبة لأحقاق “بعض” العدالة الاجتماعية، وتحجيم “بعـض” الفساد، على الاقل .. 

  وكما في مساهمتنا / كتابتنا السابقة، بتاريخ 2019.10.14 ثمة سعي في الآتي من النقاط جمعاً وحصرا، وخلاصات، بشأن ما جرى – ويجري – طرحه من مطالب واهداف:

1/ في موضوع تعديل الدستور ينقسم الرأي حول اولويات البنود والفقرات المطلوبة والمبتغاة.. ففي حين يدعو البعض لجذريتها، في سقفها الاعلى، ويحاجج بضرورتها.. يعارض البعض ذلك ويعتقد بأن “العافية بالتداريج” بحسب المثل الشعبي الشائع، خاصة وان هناك الكثير من القضايا غير المتفق عليها ..

2/ وكذلك الامر او قريب منه، ما يجري من نقاش حول اهمية تغيير نظام الدولة من برلماني الى رئاسي، وكأن الهدف هو التسمية فقط، كما يحسب الكثيرين الذين يرون بأن العبرة ليس في ما يقال ويثبّت، ولكن في الاخلاص والصدق في التنفيذ ..

3/ وعلى الصعيد السياسي ايضا، واذ يرفض قسم من ذوي الشأن، والمتصدين للحال العامة، ما هو قائم من نظام “المحاصصة” ويرونه اساس البلاء .. يقول آخرون بأن ذلك امر متبع في مختلف دول العالم، اذ يتقاسم الفائزون في الانتخابات التشريعية التشكيلة الحكومية، وما يترتب عليها من اجراءات، وضمن قواعد متعرف عليها..

4/ وارتباطا بما تقدم يشكك الكثير بشرعية النتائج التي حققتها الانتخابات، ويحاججون بالنسبة المتدنية للمقترعين.. ويرد على ذلك كثير آخر بأن من بعض اسباب ذلك هو الدعوة التي اشتعلت لمقاطعة المشاركة.. كما يتنازع الطرفان حول مدى ونسبة التزييف الذي وقع في فرز الاصوات، دعوا عنكم شراءها..

5/ ويتشابه بهذا القدر او ذلك في “اللاوسطية” الكثير مما نُشر وينشر من مطالب شعبية، تحسب عامة شاملة حينا، واخرى محدودة احيانا اخرى، ومنها مثلا : فصل الدين عن الدولة، العلاقة مع اقليم كردستان، اعادة التجنيد الالزامي، الموقف من القوات الاجنبية في العراق، ومن مع بقائها وضده ….

6/ كما لا يجوز ان ننسى هنا المطالب الاقتصادية المثارة، بكبيرها وصغيرها، ومنها على سبيل المثال، طبعا: التخطيط المركزي او اللامركزي، قانون النفط والغاز، شؤون الاستثمارات، التعامل مع تهريب العملة، الضرائب الحدودية، المستويات العليا للرواتب، اهمية قانون جديد، عادل، للتقاعد ..

7/ وأذ تبرز الدعوة لأن تكون المطالب سياسية، بأعتبارها الاساس الذي يفضي للمتفرعات.. يعلو جدال بأهمية ان تقتصر المطالب- حالياً-  على الاحتياجات الضرورية للناس، العمل، السكن الصحة والامن، اولا وقبل كل شئ  ..

8/ كما يعلو النقاش، بل والخلاف،  بين المعنيين بالحراك الشعبي، انفسهم .. فقسم يدعو لأعلى سقف من المطالب، وآخر يرى اهمية اعطاء القضايا الرئسية الاولوية المطلوبة.. ويحار المشاركون – او جذوة الحراك بتعبير أدق-  الى اي جانب يميلون ..

9/ وفي ضوء الفقرة السابقة ثمة من يجادل بجوانب فكرية مثل اسبقية الامن والتعليم والمعرفة، واشاعة الوعي على الديمقراطية، وحتى الدستورية ، ولكل فريق ما يستند اليه من تفاسير، ولربما نظريات حتى .. وللتبسيط، وبأختصار: ايهما افضل مؤمن ظالم ام كافر عادل؟!..

10/ وأذ تعلو اصوات كبيرة بضرورة الغاء مجالس المحافظات، والاقضية، للحد من الفساد المستشري، والامتيازات اللامحدودة، والتضخم الاداري.. يرى آخرون بالمقابل ان مثل تلكم المجالس قائمة في غالبية دول العالم، ومن الافضل- خلافا للالغاء:  الدعوة لتغيير في هيكلتها للحد من التكاليف والاسراف المالي، والمخصصات والرواتب العالية لمنتسبي تلك المؤسسات ..

11/ كما يجادل اخرون بأن من الضروري ان تمنح الدولة للعاطلين والباحثين عن العمل رواتب ومساعدات دون تحديد.. يرى عديد ثانٍ بأن ذلك شأناً غير طبيعي، اذا لم يستند لضوابط وسقوف زمنية ومالية،  وبخلافه سيزداد التراخي والكسل، واللاحرص، وعدم التمييز بين من يريد العمل، ومن لا يريد ..

12/  وتساوقا مع الفقرة اعلاه، يردّ المجادلون بأن من الضروري الغاء العمالة الاجنبية، لكي يحل بدلا عنه شغيلة عراقيون، خاصة وان البطالة تسود بنسب فوق اعتيادية، بمديات بعيدة .. ويجيب المتصدون بأن نسبة كبيرة من العراقيين “يستنكفون” من الاعمال التي يقوم بها اولئك الاجانب المعنيون، والخدمية منها بشكل خاص ..

13/ وفي حين يدعو ويطالب المحرومون  بالغاء ما تم سنّه من قوانين تمنح التعويضات والرواتب “الفخمة” لشهداء وضحايا العهود السالفة، سجناء ومهجرين ومهاجرين عنوة، وغيرهم، وهم بعشرات بل ومئات الالاف.. ثمة بالمقابل من يرى كـ”حــل” وسط، ان تمنع ثنائية، بل وثلاثية، الرواتب والتعويضات، وتحجيمها على المستحقين فعلا، وتحديد ذلك بفترات زمنية وليس بشكل مطلق ..

14/ ومقابل الدعوات الحريصة، وغيرها، لضرورة عدم التعجل، والتأني ولو  قليلا، احترازا من احتمالات موجعة، لئيمة واليمة.. يؤكد دعاة آخرون بأن ليس هناك جدوى لمزيد من الانتظار، فقد نفذ حتى “صبر أيوب” وان للكرامة والحد الأدنى من العيش تضحيات زخر بها التاريخ، قديمه وحديثه..   

  وهكذا تتضاعف وتتشابك المطاليب العامة او القطاعية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وبدون ترتيب ولا اولويات كما سبقت الاشارة، وذلك ما من شأنه بالتأكيد ان  يشتت الجهود ويبعد تحقيق الاساسيات المطلوبة.. وثمة من يرى – وكما سبقت الاشارة اليه ايضا – ان ذلك يعود لعدم وجود آاليات او جهات تنسق وترتـب، بدلاً من العفوية والارتباكات..

   يقينا بان كثيرين لن يتفقوا مع هذه الفقرة، او تلك الجزئية الواردة في السطور السابقات، وقد يأتي بعض ذلك الرفض خلافاً في الرأي، او بسبب تمنيات حالمة، او تفاعلات عاطفية، خاصة وقد طفح الكيل، وكبرت التضحيات.. وكل ذلك صحيح وأكثر، ولكن هناك الكثير ممن يؤمن بأن  الذكيّ هو من يستفيد من التجارب، ويقيّم الظروف بكل تشابكاتها، ويحترز لميزان القوى، وغيرها من عوامل موضوعية وذاتية، و”السياسة فنّ الممكن” فلسفة ورؤى كما هو معروف..

رواء الجصاني: 2019.10.22

اترك تعليقاً