الرئيسية / مقالات / التظاهر حق كفلته الدساتير واعلانات حقوق الإنسان

التظاهر حق كفلته الدساتير واعلانات حقوق الإنسان

السيمر / فيينا / السبت 23 . 11 . 2019

د . ماجد احمد الزاملي

منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، وحتى الآن، فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيق المطالب الأساسية للمواطنين، وتحقيق الرفاهية المتواضعة التي يطالب بها الشعب العراقي، وهو يعيش في بلد غني بالثروات والموارد، فرغم ثرواته الهائلة، فهو بلد يعاني الفقر وعدم الاستقرار الأمني وضعف البنية التحتية، وتراجع مستوى التعليم، والصحة وباقي القطاعات الحيوية الأخرى، الأمر الذي وسّع من فجوة انعدام الثقة بين الشعب والسلطة الحاكمة، بعد الوعود التي قدمتها الحكومات منذ سنين ماضية. كل ذلك دفع المواطنين للخروج إلى الشارع في تظاهرات شعبية غاضبة لم تطالب فقط بتحسين الوضع الاقتصادي بل طالبت أيضا بإسقاط النظام. التظاهرات العفوية، ولأنها عفوية، وضعت الحكومة في حيرة من نفسها في كيفية التعامل معها، ومع غضب الجماهير المنتفضة ضد الفساد المستشري. وإذا كانت القيادة العراقية تأمل في إنهاء التظاهرات المستقبلية، فلن تستطيع الاستمرار في الاعتماد على توظيف العنف لمواجهتها. وعوضا عن ذلك، يجب على رئيس الوزراء , اتخاذ إجراء فوري من خلال الشروع في عمل إصلاحات جادة وتشكيل حكومة يتمتع أعضائها بالنزاهة وتكون خاضعة للمسائلة والمحاسبة من قبل الشعب. ولّدت الاحتجاجات منذ اكثر من خمس سنوات إلى الآن الكثير من الإجراءات  لكن من دون أي تطبيق على ارض الواقع من جانب الحكومة. ومع ذلك، فقد كانت التداعيات السياسية كبيرة. لقد أضعفت المظاهرات الائتلاف الحاكم أكثر في الحكومة السابقة ، حيث تسعى الأطراف إلى إلقاء اللوم على بعضها بعضاً. مع استمرار الاحتجاجات ، فقد قدم المسؤولون الحكوميون المزيد من التنازلات، وبدا في بعض الأحيان أنهم يتنافسون مع بعضهم بعضاً لإثبات أنهم يعتبرون مطالب الجمهور مبرّرة ويبذلون قصارى جهدهم لتنفيذ الإصلاحات المناسبة.  ويواجه اليوم الكثير من النشطاء في عموم العراق التهديد والقتل من قبل الجماعات المسلحة الخارجة عن القانون، ففي محافظة البصرة ,اغتيل الناشط المدني حسين عادل وزوجته سارة في منزلهما وسط المحافظة خلال الشهر الماضي ، وذلك على خلفية مشاركتهم في التظاهرات. وسبق إن تعرض الزوجين إلى التهديد من قبل مسلحين مجهولين بعد تظاهرات عام 2018 وسافروا إلى تركيا هرباً من القتل، حتى عادوا هذا العام، ليتم اغتيالهم على أيدي تلك الجماعات المسلحة.                         

النظام السياسي في العراق أقل مركزية من مثيلاته في معظم الدول العربية. ففي حين يوجد اتجاه واضح نحو زيادة المركزية في بغداد – مثلما هو حال احتكار السلطة في يد رئيس الوزراء  – فقد تم انتخاب مجالس المحافظات في العراق .كما أن في العراق مجالس محلية، على الرغم من أنها تشكّلت في عملية غير ديمقراطية اختطلت فيها التعيينات المباشرة بالاستشارات، ولم يتم تجديدها. يقرّ الدستور العراقي بحق المحافظات، بشكل فردي أو كجزء من مجموعة، بالمطالبة بالاعتراف بها كأقاليم، ما يتيح لها التمتع بالاستقلال والحكم الذاتي الموجود الآن في كردستان فقط. فإذا ما طالب ما لا يقل عن ثلث أعضاء مجلس المحافظة بتشكيل إقليم جديد، يتعين على الحكومة النظر فيه. يصعب على الحكومة العراقية  تجاهل الإنجازات الاجتماعيّة التي حقّقتها التظاهرات إلى الآن.                                            

الحركات الاجتماعية توجد وتعزز حضورها وتحركاتها في كل أنحاء العالم، وتسير قدما من الدفاع إلى الهجوم للقيام بدور حاسم في صياغة مشروعات خلاقة لبناء إستراتيجية سياسية موجهة للمواطنين. الحركات الاجتماعية سواء كانت في شمال العالم أو في جنوبه لها بلا شك أهداف سياسية معلنة أو مضمرة؛ ولا يعني هذا الرغبة في الاستيلاء على السلطة، بل تغيير علاقات القوة الذي هو شرط للتغيير، فهي تستهدف نقد السلطة عبر وسائل متنوعة، وتهدف لإحداث تغييرات في النظام القائم أو في بعض جوانبه على الأقل. يمكننا القول إنّ ظاهرة الاحتجاجات الاجتماعية عابرة لمختلف النظم السياسية، فهي موجودة في النظم الديموقراطية وغير الديموقراطية، لكنها في الأولى عادة ما تؤدي إلى تطوير النظام ولفت الانتباه إلى ثغراته وإلى المظالم الاجتماعية، يؤدي إلى تحسين أدائه وأحيانا تجديد نخبته. أما الثانية فإنها تكرس أو تعمق أزماتها، لأنها عادة ما تعجز عن الاستجابة لمطالب المحتجين، يلبي جانبا ويرفض جوانب أخرى، بصورة لا تجعل السلطة تستفيد من الاحتجاجات، من أجل التطور الديموقراطي والانفتاح السياسي. لهذا فإن الاحتجاجات أي كان شكلها، لها أهمية محورية في عملية التغير الاجتماعي وتحقيق المطالب، وعلى اختلاف أنواعها ومسببات حدوثها وانتشارها ونجاحها وفشلها، فإنها بقيت فاعلا رئيسيا في المشهد السياسي والاجتماعي ، وتبقى رغبة الإنسان في ممارسة الاحتجاج ضد اللامساواة والحيف والتهميش والعبودية، وغيرها من مظاهر الظلم الاجتماعي. ويستمر الحراك الاحتجاجي في العراق، قد تخفت وتيرته أو تتضخم حسب السياقات وتفاعلات السلطة السياسية، لذلك،نعتبر أن الاحتجاجات لن تنقطع، وأن المسعى الأساسي في المحافظة على سلميتها، والاتجاه في منحى توافقي، يعيد للمواطن العراقي اعتباره كمواطن، على المستوى الاجتماعي والسياسي والحقوقي وضمان التوزيع العادل للموارد والحقوق والثروات. إذا ما انتهجت الدّولة استراتيجيات تنمية كما وردت في الدستور ومحاربة الفساد،ستعطي نفسا جديدا للممارسة السياسية وتعيد ثقة المواطن في السياسية والفعل السياسي.        

إنّ العلاقة بين التظاهرات والاستجابة السياسيّة لمطالبها موجودة غير أنّها في كثير من الأحيان غير مباشرة. في 2011، أصدار علماء اقتصاد من جامعتي هارفارد وستوكهولم دراسة بيّنوا فيها كيف بإمكان التظاهرات التأثير على النتائج الانتخابيّة في المدى البعيد. ودرس هؤلاء نشأة “حزب الشاي” ودعوته في 15 نيسان 2009 لاحتجاجات ضدّ الإنفاق الحكوميّ وزيادة الضرائب. تفاوتت أعداد المتظاهرين بحسب المناطق التي شهدت أو لم تشهد أمطاراً في ذلك اليوم. وفي انتخابات الكونغرس سنة 2010، حصد الجمهوريّون عدداً أكبر من الأصوات في الدوائر الانتخابيّة التي لم تشهد أمطاراً أي تلك التي ضمّت عدداً أكبر من المتظاهرين. 

اترك تعليقاً