الرئيسية / مقالات / إعمار سوريا والعراق ينزف..

إعمار سوريا والعراق ينزف..

فيينا / السبت 15 .  11 . 03 . 2025

وكالة السيمر الاخبارية

آلاء الخالدي*

زيارة وزير الخارجية السوري إلى العراق، وتصريحات رئيس الوزراء العراقي عن استعداد العراق للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، لا تمثل مجرد خطوة دبلوماسية، بل هي إهانة مباشرة لدماء الشهداء العراقيين الذين سقطوا دفاعًا عن أرضهم ضد نفس الفكر الذي دمر سوريا والعراق معًا. كيف يمكن لحكومة عراقية أن تمد يدها للمساعدة في إعادة بناء دولة دمرها الفكر التكفيري، الذي خرج من أحضان فكر الجولاني وأمثاله، بينما كانت هذه الجماعات، ومن خلفها النظام السوري، تروج لثقافة القتل والتدمير في العراق؟ كيف يمكن لدماء العراقيين الذين سقطوا في مواجهة هذا الإرهاب أن تُنسى ويُطوى تاريخهم بهذه السهولة؟

في لحظة تأمل عميق، نجد أن من دمر سوريا هو أولى بإعادة بنائها. لا يُعقل أن يكون العراق، الذي دفع ثمنًا باهظًا من تضحياته ودمائه في مواجهة الإرهاب، هو من يسهم في إعادة إعمار بلد لم يكن هو من شارك في تدميره. بل كان العراق على مرّ سنوات يعاني من هجماتٍ وحروبٍ شنتها دول ومنظمات دعمت فكر الجهاد المتطرف الذي تسببت أفعاله في تدمير سوريا. كان العراق هو الحاجز الذي حمى المنطقة، وجنّبها آلام المزيد من الحروب، بينما سوريا كانت جزءًا من هذه المعركة الكبرى، ولكن لم يكن العراق جزءًا من تدميرها. اليوم، يحق للعراقيين أن يتساءلوا: كيف يوجهون مصيرهم نحو إعادة بناء وطن دمرته الحروب والعقوبات والمشاكل الداخلية في حين أنهم لم يتلقوا الدعم الكافي لإعادة بناء وطنهم؟ كيف للحكومة العراقية أن تُؤسس لمستقبل سياسي واقتصادي مستقر في وقتٍ تُرك فيه العراق يواجه عواقب إرث الحرب وحده، بلا منحة أو تعويض عادل؟

إن العراق الذي دُمر بناه التحتية والعسكرية والأقتصادية نتيجة التدخلات الخارجية والأزمات الداخلية، وواجه وحيدًا تداعيات الحروب والإرهاب، لم يكن جزءًا من هذا الدمار الذي لحق بسوريا. في حين أن دولًا عربية وغربية شاركت في حرب الخليج، ودمرت العراق بشكل ممنهج، لم تمد تلك الدول يدها لإعادة بناء ما دمرته، بل تركت العراق ليواجه وحده انهيارًا اقتصاديًا واجتماعيًا. اليوم، العراق في مكانة تُمليه عليه تضحياته وأوجاعه؛ من واجبه أن يُعيد بناء نفسه أولاً قبل أن يمد يد المساعدة لغيره. كيف يُسمح لحكومة عراقية بأن تُهدر موارد الشعب العراقي في مشروع بعيد عن أولويات شعبه، في وقتٍ يعاني فيه المواطن من البطالة، والفقر، وسوء البنية التحتية، وتدهور الخدمات؟

وأما عن الشهداء الذين سقطوا في معركة الدفاع عن الوطن ضد هذا الفكر المتطرف، هل يُنكر حقهم في أن تُعترف تضحياتهم بكرامة، وتُخصص لهم تعويضات تُعوض ما فقدوه؟ هل يعقل أن يمر الزمن وتظل عوائل هؤلاء الشهداء بلا دعم، بينما تُخصص الأموال لمشاريع خارجية، في حين أن العراق نفسه لا يملك القدرة على مواجهة تحدياته الداخلية؟ كيف لرئيس حكومة، أو أي مسؤول عراقي، أن يقرّر منح موارد البلاد لإعمار بلد آخر في وقتٍ لا يزال فيه الشعب العراقي يئن من آثار الحروب، والمشاكل الاقتصادية، والبطالة، وتدهور الخدمات الصحية والتعليمية؟

العراق بحاجة إلى إعادة بناء داخلي حقيقي، بعيدًا عن التسويات السياسية والتدخلات الخارجية. أولى بإعمار العراق هو الشعب العراقي نفسه، الذي عانى وما زال يعاني من جراح الحروب، ومن إرث الأزمات التي خلفتها الحروب الطاحنة التي لم تكن من صنعه. لا يمكن لأي حكومة عراقية أن تبرر المساهمة في إعادة بناء دول أخرى بينما لا يزال جرحها مفتوحًا، والشعب يطالب بحقوقه الأساسية.
لاتتجيون براس الشعب.

*إعلامية عراقية

وفق حرية الرأي والنشر يتم نشر هذه المادة والجريدة غير مسؤولة عما ينشر فيها من مواد واخبار ومقالات

اترك تعليقاً