السيمر / فيينا / الخميس 05 . 12 . 2019
د. عبد الحي زلوم * / فلسطين
الاضطرابات في ايران:
هل كان يمكن أن تجهل القيادة الإيرانية سوء توقيت زيادة أسعار البنزين مما قد يثير الاضطرابات؟ وأليس الحراكات اليوم يتم توجيهها بعيدةً عن المطالب الحقيقية للمتظاهرين؟
سألني أحد الاصدقاء : ألم يكن واضحاً أن زيادة اسعار البنزين في ايران ستسبب استياءاً يشعل حراكات تستهدف النظام وهو يرى أن حراكات لبنان والعراق قد تمّ تجييرها ضد ايران؟ كان جوابي انني لا اعرف التفاصيل الان لكني لا اعتقد أن القيادات الثلاثة قد اتخذت امراً خطيراً كهذا دون دراسة كل العواقب . فبدأت انظر في الموضوع لتكون اجابتي علمية.
كانت
ايران تعاني من ضعف قدرة مصافيها لانتاج البنزين بل كانت لفترة ما تستورده
من الخارج . بعد أن بنت ايران زيادة في قدرة انتاج مصافيها للبنزبن قامت
سنة 2007 بتطبيق سحب البنزين بواسطة بطاقات الكترونية ممغنطة تحتوي على
المعلومات الشخصية و المعلومات عن السيارة. ويكمن لهذه البطاقة بل ولربما
اضافة معلومات امنية عن اصحاب تلك البطاقات .
كان سعر لتر البنزين 0.12 دولار وهو الارخص سعراً في العالم . فسعر اللتر بتاريخ 25/11/2019 حسب موقع https://ar.globalpetrolprices.com/gasoline_prices/هو في:
- المملكة العربية0.55 (اكثر من اربع مرات ونصف من سعر ايران).
- الامارات العربية 0.57(اكثر من ايرن ب4.7 مرة).
- روسيا0.72(اكثر من ايران ب 6 مرات )
- الاردن 1.42(اكثر من ايران ب12 مرة تقريباً).
- فرنسا 1.68(اكثر من ايران ب 14 مرة).
تستهلك
ايران مئة مليون لتر يومياً. بينت الدراسات ان 20% من الاستهلاك (اي 20
مليون لتر باليوم) يتم تهريبها الى الخارج وقد تم ضبط بعض الناقلات الصغيرة
التي تهرب البنزين ومشتقات اخرى من ايران بالاضافة الى الدول المجاورة
وخصوصاً باكستان . وبينت الدراسات أن السعر المنخفض جداً كان سبباً
للاستعمال المتراخي والذي يمكن خفض الاستهلاك بــ 20% اخرى نتيجة الى
ترشيد الاستهلاك وبالمناسبة فقد انخفض الاستهلاك حوالي 20% من اول اسبوع في
تطبيق زيادة السعر بنسبة 50% . اذن زيادة السعر البسيطة نسبياً ساهمت في
ترشيد الاستهلاك وتم برمجة ضخ الفرق بين السعر القديم والجديد الى فئات
المجتمع الادنى حظاً بالاضافة الى انها منعت الوصول الى نقطة الاضطرار
لاستيراد مادة البنزين والبلد يعاني من ازمة الحصار.
وبالمناسبة
يوجد في ايران شبكة مترو متطورة وشبكة نقل عام في كل ضواحي طهران والتي
يبلغ عدد سكانها 25 مليون من اصل 100 مليون عدد سكان ايران.
من
الاكيد ان القيادة الايرانية كانت تعلم ان استياءاً سيحصل نتيجة زيادة
اسعار البنزين لكني اعتقد انها لم تكن تتوقع بأن القوى المضادة ستستطيع
تصعيد الاضطرابات الى ما وصلت اليه . حسب مصادر قريبة من ايران تقول بأن ما
بين 10-15 الف معارض من اشكال مجاهدي خلق والملكيين والمأجورين من الشبكات
المرتبطة بالخارج كانت تحت رقابة المخابرات الايرانية وكانت تتابع
تحركاتهم بطرق عدة بما في ذلك بطاقات البنزين حيث كانت تعرف موقعهم في كل
لحظة . بعد ان تطورت الاضطرابات الى اكثر مما كان يعتقد انها ستصل اليه
تدخل الحرس الثوري واعتقل 7 الاف من هؤلاء وتم اخماد المظاهرات .لربما أحد
الفشل السريع للاضطرابات في ايران هو وجود مؤسسات مجتمع مدني وطني وجيش
تابع للنظام في حين ان كل الحراكات فيما اسمي بالربيع العربي والحراكات
الحالية كانت تتم بفراغ قيادة للمتظاهرين وتعاون بحدود مختلفة بين مؤسسة
الجيش والقوى الخفية التي تقوم بحرف المتظاهرين عن مطالبهم الشرعية
والحقيقية .
حراكات لبنان والعراق :
بينا
في مقالات سابقة أن الثورات الملونة قد اصبحت أداة من الأدوات بايدي
اجهزة المخابرات الأمريكية وأنها تعتمد في الاساس على شعب له مطالب حقيقية
في محاربة الفساد ونهب ثورات الدولة وضعف اداء تلك الانظمة في خدماتها
لمواطنييها بحيث تكون مثل هذه الجماهير جاهزة للانفجار حيث يتمُ تقديم
(الشرارة) في الوقت الذي تراه الولايات المتحدة مناسباً . المشكلة أنه منذ
أن انشأت الدول الوظيفية منذ سايكس بيكو وحتى اليوم كان الفساد أحد دعائم
الحكام المختارين لادارة تلك الدول الوظيفية وكان خلق مثل طبقات الفاسدين
هذه هي من اهم اعمال الاستعمار بعد انشاء تلك الكيانات . والمعادلة هنا أن
تخلق طبقة فاسدة تطغى مصالحها الشخصية الضيقة على المصالح الوطنية ويتم نهب
الثروات بالتعاون ما بين المستعمرين وهذه الطبقات الفاسدة . وكان من اهم
منجزات الاستعمار واعوانه هو الحيلولة دون بروز مجتمع مدني ديمقراطي في
البلدان الوظيفية عدا مؤسسة الجيش ومؤسسة القبائل والعوائل . بعد أن تصل
الامور بالشعوب الى نقطة عدم التحمل والانفجار تخرج كالقطيع بلا قيادة .
ويكون للاستعمار وعملائه قيادات امنية بالاضافة الى مؤسسات غير حكومية تؤدي
وظائفها كحقوق الانسان والخوذ البيض وحقوق المرأة وكثيرٌ من مثل هذه
العناوين التي هي حق اريد بها باطل وتكون جاهزة للعمل لقيادة تلك الجماهير
السائرة على غير هدى ليتم استعمالها الى حيث لا تريد . في لبنان يقولون
كلهم يعني كلهم ثم يجد هؤلاء المنتفضون أن الخيارات المطروحة من رئيس
الوزراء مثلاً هو نفس (الكلهم) والذي اوصل لبنان هو وبطانته الى ما هي
عليه. يبدو ان هذا ليس جديداً فبيت الشعر العربي يقول داوني بالتي كانت هي
الداء . لقد اوصلت تلك الطبقة الحاكمة في لبنان اقتصاده الى حالة الافلاس
منذ سنة 2002 وهو منذ ذلك التاريخ يعيش في غرفة الانعاش . فهو يعيش على
باريس واحد وباريس 50 و100 مليار من الديون . بالمناسبة قام البروفيسور
ليستر سي ثورو بعد ازمة المكسيك المالية سنة `1994 والتي تسببت بانهيار
العملة المكسيكية وانهيار الاقتصاد المكسيكي . وجد صندوق النقد الدولي أن
المكسيك بحاجة الى 50 مليار دولار لانقاذ الاقتصاد المكسيكي . كانت نتيجة
دراسة البروفيسور من جامعة MIT أنه كان الافضل للمكسيك أن لا تقبل قرض
الصندوق وحتى لو اعلنت افلاسها فأول الخاسرين سيكونوا الممولون الدوليون
الذين سببوا هم وحكوماتهم المديونية والازمات السياسية والاقتصادية .
في
العراق قد لا يوجد شعب مظلوم ومحق في الثورة على وضعه الراهن اكثر من
الشعب العراقي . فهو يجلس فوق بحورٍ من النفط وينتج قرابة 5 مليون برميل
في اليوم فكيف يمكن ان يكون بدون ماء ولا كهرباء ولا اي من ضروريات الحياة
الاساسية ؟ المتظاهرون ينادون بإسقاط النظام الذي يتحكم فيه الفاسدون .
والسؤال هنا من جاء بهؤلاء الفاسدين على ظهر الدبابات ؟ ومن اسس للفساد
والفاسدين ؟ منذ ايام الغزو الامريكي وبريمر بدأت سرقات النفط وهناك عشرات
مليارات الدولارات التي لا يعرف أحد اي هي . منذ ايام بريمر كان الاحتلال
وبعض الفاسدين يتقاسمون الفرق ما بين سعر النفط الحقيقي وسعر البيع المعلن.
من الذي يمتلك عشرات القواعد العسكرية ومن هو المستهدف منها ؟ داعش؟ ألم
تكن (صنعت في امريكا) كما اعترفت هيلاري كلينتون ؟ هل ساعدت هذه القواعد
بايقاف غزو داعش واحتلالها لاكثر من نصف الاراضي العراقية وهي متواجدة في
قواعدها في العراق ؟ لو قلنا أن (كلهم برة برة ) فمن يجب أن يكون برة أولاً
؟ من جاء بداعش أو من ساعد بقهرها . هنا في العراق مرة أخرى ثورة الجماهير
على الوضع الراهن ولها كل الحق في ذلك ولكن تم قيادتها الى المكان الخطأ
من قيادة خفية تعمل من وراء ستار .
اشتدي أزمة تنفرجي:
قد
تبدو الصورة كئيبة في وطننا العربي هذه الايام. هناك احتلال هنا وهناك
وهناك اضطرابات تكاد تكون في كل مكان وهناك تبديد ثروات هي ملك الامة
يبددها بعض مغتصبي السلطة هنا وهناك . وهناك صهاينة عرب اصبحوا اكثر
صهيونية من اكثر الصهاينة تعصباً . لكن في المقابل هناك تغيرات جذرية
استراتيجية تجعل من بقاء هذا الحال من المستحيل . بدأت عملية الفرز الحقيقي
ووضوح الرؤية. فلنأخذ القضية الفلسطينية . اصحاب اوسلو في السلطة
اللاوطنية قد اعلنوا افلاسهم . ونظامهم هو نسخة بدون مكياج عن النظام
الرسمي العربي. هؤلاء المقاولون للدفاع عن الاحتلال يقابلهم فئة قليلة
مؤمنة محاصرة من كل جانب قد استطاعت ان تصمد بل وأن تُغير قواعد الردع بحيث
ان فصيلاً واحداً استطاع أن يضع نصف سكان الكيان المحتل تحت الارض في
الملاجئ وأن يتم اقفال المدارس وتعطيل القطارات ووسائل النقل العام … الخ .
وهناك في الشمال فئة مؤمنة اخرى . هذا ما يقول عنها رئيس اركان جيش
الاحتلال السابق للجيش الإسرائيليّ الجنرال في الاحتياط غادي آيزنكوت عمّا
أسماه خطط حزب الله لاقتحام الجليل، فقال “خلال كلمة له في مؤتمر أبحاث
الأمن القوميّ، التابِع لجامعة تل أبيب، قال إنّه لدى حزب الله قوة من آلاف
المقاتلين مخصّصة لاحتلال مستوطنات، مضيفًا في الوقت عينه أنّ حزب الله
يبني … قدرة اقتحام من ستة آلاف مقاتل يدخلون من خلال عشرة مسارات تحت
الأرض، بهدف مباغتة اسرائيل”
فلنتصور
أننا اليوم نستطيع ان نضرب كل بقعة في الكيان المحتل وتدمير بنيته التحتية
ونقل الحرب الى داخل اراضي في الوقت الذي لم يتم اطلاق رصاصة واحدة داخل
الكيان المحتل من كافة حروب الجيوش العربية والتي كان يتم هزيمتها في يوم
أو بضع يوم . ولنتصور ايضاً أن أول انسحاب لدولة الاحتلال الصهيوني من ارض
عربية محتلة كان في لبنان وبدون قيد أو شرط . فلنقارن هذا مع ما دفعته
الانظمة العربية وما زالت تدفعه مقابل الانسحاب من اراضيها المحتلة .
يتم
اليوم توجيه الحراكات في العراق ولبنان بعيداً عن مطالبها المشروعة
والحقيقية لمحاربة محور المقاومة ومحاولة تحقيق ما لم تستطع الولايات
المتحدة وحلفائها تحقيقه عن طريق القوة العسكرية . ويجب أن اشير هنا أن
الحراكات مطالبها مشروعة ويجب محاربة الفساد والفاسدين لانهم هم الطابور
الخامس داخل الوطن العربي.
*مستشار ومؤلف وباحث