السيمر / فيينا / الجمعة 17 . 04 . 2020
حامد گعيد الجبوري
يا ظبية البان بين الرند* والخزم*
ترعى الحشاشة كفي العتب لا تلمي
واغمدي سيف جفن قد سفكت به
دمي بلا حرج من قال حل دمي
جاورت قلبي فرفقا فيه من تلف
ان الكرام تحامي عن جوارهم
لا اتقي الله في صب اخي وصب
لم يشفه غير لثم القرط والخزم
إني رضيع الهوى لا أرعوي أبدا
وما رضيع الهوى العذري بمنفطم
من لي بذات دلال ان شغفت فلم
تشغف وإن رمت قربا فهي لم ترم
غراء يخجل بدر التم ان سفرت
عن خير مبتسم بالدر منتظم
هتكت في حبها سري وهان دمي
وعيل صبري على ما فاتها ندمي
حوريةٌ فعلت أجفان مقلتها
في مهجتي فعل ماضي الحد بالقلم
وعنبر الخال في ورديّ وجنتها
بعقرب الصدغ يحمي لثم ملتثم
ما البدر ان برزت ما الصبح ان سفرت
كالشمس مذ لمحت في حندس الظلم
ما المسك ان نفحت ما الظبي ان سرحت
ما السيف ان نظرت في طرفها السقم
في كفها شرك يصطاد افئدة
فكم فؤاد بهما قد صار ذا ألم
جاءت تجرعني صدّاً فقلت لها
جودي بما شئت اني غير مهتم
…
وله
ماست فازرت غصون البان بالميل
نجلاء كم فتكت بالأعين النجل
لها المنازل من قلبي منزهة
عن ساكن غيرها ما لي وللبدل
من لي بهيفاء ان قامت فتحسبها
قضيب بان على دعص من الرمل
فرعاء لمياء ذات العجب يا عجبي
من الظبا وتصيد الأسد بالمقل
شكوتها الهجر فازدادت وقد عذلت
وليس منها بعدل سرعة العذل
فإن لحاني عذولي بالهوى جدحا
وإن تصدى فما قلبي بمعتزل
أيا ابليس فإني لا أرى بدلا
عنك وان تقطعي حبلي وان تصلي
وما لفكري سوى تذكار ما سلفت
من الويلات بين الضم والقبل
والصبر أجمل لي كي يشتفى وصبي
وعلّ تقضى حقوق للهوى قبلي
وعل تقضى وعود بتّ أرقبها
وإن يحالف بين القول والعمل
ما ضرني حادثات الدهر إذ خطرت
كلا ولا ابتغي في الحب من حول
وليس ضائرني من بات يعذلني
فما سولت وصبغ الشوق لم يحل
……
هو بطرس بن إبراهيم كرامة، من أعيان حمص، ولد فيها سنة ١٧٧٤م،
وتوفي عام ١٨٥١م، ونشأ وتأدب فيها، ثم حدث اضطراب واضطهاد للطائفة الكاثوليكية،
وكان عمه المطران أرميا كرامة على قلاية دمشق، ارتسم عليها سنة ١٧٦٢م، فقدِم السيد
أرميا المذكور إلى حمص، ونزل ضيفًا على أخيه إبراهيم.
ووفد في تلك السنة على حمص مطران من السريان الكاثوليك أصله من
(صدد)، ولم يقبله السريان اليعقوبيون، فنزل على المطران أرميا في بيت أخيه
إبراهيم، وأقام القداس هناك بضعة أيام، ثم سافر إلى الجبل، فاغتاظ من ذلك شيخ صدد،
وأغرى مسعود أغا سويدان حاكم حمص — يومئذٍ — أن يشكوه إلى بطل باشا عند قدومه إلى
حمص، ويقول له إن إبراهيم كرامة جعل بيته كنيسة، ويشكو سائر الكهنة الكاثوليكيين
اضطهادًا للكاثوليك على الإجمال، فقبضوا عليهم وسجنوهم وأهانوهم وضربوا عليهم
مالًا لا يخرجون إلا بعد دفعه، فجمعوه ودفعوه، فكره إبراهيم الإقامة في حمص بسبب
ذلك، فخرج إلى عكا مع ابنه بطرس، ومنها إلى لبنان.
وكان بطرس ذكيًّا من حداثته، يقول الشعر ويحسن اللغة التركية، وكان
ذلك عزيزًا في تلك الأيام. واتفق أن الأمير بشير الشهابي الكبير أمير لبنان الشهير
احتاج إلى من يُعلم ولديه خليلًا وأمينًا، وبلغه خبر بطرس المذكور فاستقدمه إليه
سنة ١٨١٠م، فرأى من كفاءته وتعقله ما حببه إليه، فقربه وجعله معتمدًا من قبله في
المسير إلى عكا إذا اقتضت الحاجة مخابرة واليها.
وكانت — وقتئذٍ — خزينة حكومة لبنان بلا نظام، فوضع لها القوانين
ورتبها على أسلوب أعجب الأمير بشيرًا، فرفع منزلته وجعله كتخداه؛ أي: نائبه، فأصبح
نافذ الكلمة، لا يراجعه الأمير في أمرٍ أحبه، فوقعت في القلوب هيبته، وانتشرت
شهرته. وما زال يدبر أعمال لبنان بحكمة وسياسة حتى قضت الأحوال بنفي الأمير بشير
سنة ١٨٤٠ إلى الآستانة، فرافقه المعلم بطرس، وكان له أكبر تعزية في تلك الغربة،
وتقرب هناك من رجال الدولة فتعين مترجمًا في المابين الهمايوني، وما زال في ذلك
المنصب حتى توفي سنة ١٨٥١م.
وكان (رحمه الله) شاعرًا مجيدًا كثير المحفوظ، متوقد الذهن فصيح
اللسان، بليغ القول مهيبًا مكرم الجانب، وله مصنفان لم يطبعا، وأما منظوماته فهي
في ثلاثة دواوين؛ أحدها منظوم في سورية، والثاني في مصر، والثالث في الآستانة، وقد
طبع منها ديوان سنة ١٨٩٨م، وأكثر ما فيه من منظومات سورية عدد أبياته نحو سبعة
آلاف بيت، أكثرها في مدح الأمير بشير ووصف أعماله، ومدح من عاصره من الأمراء
والعظماء، ومكاتبة الشعراء الأدباء؛ من ذلك قوله من قصيدة غزلية:
فتن القلوب وقد تمنطق خصره من أعين العشاق أي نطاق
أمسى يداعبني بورد خدوده لما رآه يفيض من آماقي
يفترُّ عن درٍّ فأبكى مثله لله در الطرف من سرَّاقِ
وقال يصف رشحًا ألم به:
وليلة بتُّ أشكو الرشح من ضرر حتى فنيت وحال الحال وانسابا
قالوا أترشح يا هذا فقلت لهم كلا ولكنَّ أنفي صار ميزابا
كأن عيني عين الماء في هطل وصار أنفي دلو الماء صبَّابا
…..
بُطْرُس إبراهيم كَرَامَة (1188 – 1267 هـ / 1774 – 1851 م) شاعر
سوري
….
مصدر البحث كتاب الديوان الذي يحوي على الكثير من الشعراء العرب
يقع ب ٣٠ جزء / ب١٥ مجلد
*: الرند شجرة من فصيلة الغار طيبة الرائحة تنبت في سوريا وخصوصا
الساحل السوري ولبنان وفلسطين.
الخزم *: نوع من الأشجار يصنع من لحاءها الحبال