السيمر / فيينا / الاحد 26 . 04 . 2020
د. مصطفى يوسف اللداوي/ فلسطين
ليس أخبث نفساً من هذا العدو الصهيوني، ولا أمكر منه عدواً، أو أكثر منه حقداً وأشد عنصريةً، فهو لا يترك وسيلةً للأذى لا يستخدمها، ولا سبيلاً للضرر لا يسلكه، ولا أداة للقتل لا يلجأ إليها، ولا شكلاً للظلم والعدوان لا يؤمن به.
فقد استعذب عذابات الفلسطينيين واعتاد على معاناتهم، وطاب له إيذاؤهم والاعتداء عليهم، واستمرأ أنينهم وغض الطرف عن شكواهم، وكأنه يمارس فيهم هواية الصيد أو لعبة القنص، فلا يعنيه إلا عدد من يصيبهم بسلاحه، أو يطالهم بنيرانه، أو يسكتهم بجبروته ويقهرهم بعدوانه.
ولا يهمه إن قتل طفلاً رضيعاً أو صبياً صغيراً، أو امرأةً عزلاء أو شيخاً عجوزاً، ولا يقلق إن دمر بيوتهم وأسقط سقوفها عليهم، وقتل تحت ركامها وردم بنيانها سكانها وأطفالها، بل لعل هذا ما يسعده ويبهجه، ويضفي في نفسه سعادةً وعلى حياته فرحاً، فالقتل في عرفهم قُربى، وسفك الدم في إرثهم رفعة ومكانة.
رغم هذه الصورة المقيتة التي يرسمها العدو الإسرائيلي في أوساط شعبنا وعلى أرضنا الفلسطينية، إلا أنه يدعي أنه لا يتعمد القتل، ولا يستهدف السكان، ولا يقصد التجمعات، ولا يحرص على هدم البيوت وتدمير المساكن، ولا يقبل بقتل الصبية والأطفال، أو الشيوخ النساء.
ويدعي كاذباً أنه يستهدف المطلوبين ويطلق النار على الخطرين، وأن جيشه يستخدم أحدث الأسلحة وأكثرها دقةً لضمان الإصابة الدقيقة، وعدم القصف العشوائي أو التدمير العام، وأنه لا يلجأ إلى القوة المفرطة والأسلحة الثقيلة في تعامله مع نقاط التوتر الفلسطينية، بل يوازن في سلاحه ويقتصد في نيرانه، ويحرص على تقليل الخسائر ما أمكن.
يعلم العدو الصهيوني أنه يكذب في دعواه، ويطمس الحقائق في شهادته، ولا يتحرى الصدق في روايته، ولعل الرواية الفلسطينية تكذبه، والشهادات الدولية المستقلة تفند أقوله وتفضح أكاذيبه، والصور والمشاهد الإسرائيلية والفلسطينية والمستقلة تثبت أنه قتل أطفالاً رضعاً ونساءً حوامل، وقتل صبية وتلاميذ مدارس، واستهدف المقعدين وذوي الحاجات الخاصة، وتحرى قتل المدنيين المشاركين في المسيرات السلمية والمظاهرات الاحتجاجية، البعيدة عن العنف والمواجهة مع جنوده.
وأطلق النار بقصدٍ وعمدٍ على الطواقم الصحية وعناصر الدفاع المدني، وعلى المصورين والصحافيين وكل العاملين في المجالات الإعلامية، رغم أن جميع الطواقم الإنسانية والإعلامية المستثناة من الاستهداف في الحروب والمعارك، والمحمية بالقوانين الدولية وشرائع حقوق الإنسان، يلبسون الشارات الخاصة بمهامهم، ويلبسون السترات المحددة لعملهم، ولا يوجد أدنى شبهة في عدم تمييزهم أو معرفة عملهم، ولكن العدو يقصد قتلهم، ويتعمد أحياناً قنصهم.
وهو الذي يقتل الفلسطينيين على الحواجز والمعابر، لمجرد الاشتباه بهم أو عدم الارتياح لأشكالهم، ويبرر جرائمه ضدهم بأنهم كانوا يحملون سكاكين أو أدواتٍ حادةٍ، وأنهم كانوا يخططون للقتل أو الدهس، ولكن المشاهد المنقولة تظهر كذب الروايات الإسرائيلية، وتؤكد أن جنودهم يتعمدون القتل دون مبررٍ، بل والإفراط في إطلاق النار على المواطنين الفلسطينيين بغزارةٍ ومن كل الاتجاهات، وكأنها حفلة دموية يتشاركون فيها جميعاً، ويتنافسون فيما بينهم على دقة الإصابة وغزارة النيران.
وهم أنفسهم الذين يقتلون الجرحى والمصابين، ويجهزون عليهم رغم أنه لا حول لهم ولا قوة، إذ يكونون مضرجين بدمائهم على الأرض، مصابين في أكثر من موضعٍ في أجسادهم، ولا يستطيعون الحراك فضلاً عن النهوض على أقدامهم، ولا يسمح لطواقم الإسعاف بالاقتراب منهم، أو لأحدٍ من المواطنين بمد يد المساعدة إليهم، ورغم أنهم لا يشكلون أدنى خطرٍ على حياة الجنود أو غيرهم، إلا أن جنود العدو يصرون على إعدامهم، ويطلقون النار عليهم، وكأنهم في ميدان رماية أو في مواجهة خصمٍ يقف على قدميه ويبادلهم النيران.
وتبين الوقائع المثبتة بالصور أن جنود العدو الذين يتعمدون إطلاق النار على من يشتبهون فيهم، رجالاً أو نساءً، يتركونهم ينزفون على الأرض لفترةٍ طويلةٍ، ولا يسمحون لأحدٍ بالاقتراب منهم، ولا يأذنون للجان التنسيق الأمني بنقلهم، بل تتركهم ينزفون لفترةٍ طويلةٍ حتى يلفظوا أنفاسهم الأخيرة، وتثبت بعد ذلك التقارير الطبية أن إصابة بعضهم لم تكن خطيرة، وأنه كان بالإمكان إنقاذ حياتهم لو أنهم نقلوا إلى المستشفيات، أو ضمدت جراحهم وهم على الأرض، ولكن حقد العدو يمنع، وعدوانيته المقيتة تحول دون أن يلتزم بأخلاق المحاربين، ومناقب الجيوش التي تعتز بقيمها وتفتخر بشيمها.
أما المستوطنون، غلاتهم وقادتهم وعامتهم، فلا قانون يردعهم، ولا جيش يمنعهم، بل إن مؤسسات الكيان الرسمية تدعمهم وتشجعهم، وتحميهم وتؤيدهم، فهي التي سمحت لهم بحمل السلاح، وأجازت لهم إطلاق النار على من يشتبهون به أو يّدَّعون أنه اعتدى عليهم، أو عَرَّضَ حياتهم للخطر.
وبموجب هذه الذريعة يقومون بإطلاق النار على الفلسطينيين في الطرقات وعلى الشوارع، وفي حقولهم وأماكن عملهم، ويدهسونهم بسياراتهم أو يلقون بالقنابل الحارقة في بيوتهم، ولا يخشون من شرطةٍ توقفهم، أو قضاء يدينهم ويسجنهم، وحتى في حال إدانتهم فإن محاكمتهم التي تتم في ظل حريتهم تتأخر، وفي النهاية تصدر المحاكم الإسرائيلية بحقهم أحكاماً مخففة قابلة للاستئناف، وغالباً لا يتم المجرمون مدة محكوميتهم، إذ يتم إطلاق سراحهم قبل انتهاء فترة حكمهم، سواء بعفوٍ خاص أو بموجب قوانين نصف المدة.
إنه احتلالٌ غاشم واستيطانٌ مريعٌ، عينه على الأرض، وحلمه في القدس، وأمله في طرد أهل البلاد أو قتلهم، لتخلو فلسطين من غيرهم، وتصبح لهم دون سواهم، ولكنهم ما علموا أن القتل في عرفنا شهادة، وأن الدم في أرضنا يزهر، ويروي الأرض ويثمر، وأنه مهما قتل واعتقل، وطرد ونفى، فإننا في أرضنا نغرس، وقاماتنا في سمائها تشمخ، وستبقى فلسطين لأهلها، والقدس ستعود لملاكها، وستشرق شمس الحرية على بلادنا الحرة وقدسنا المطهرة من جديدٍ.
بيروت في 26/4/2020