الرئيسية / مقالات / فتوى الجهاد.. بين المؤسساتية والجماهيرية

فتوى الجهاد.. بين المؤسساتية والجماهيرية

السيمر / فيينا / السبت 13 . 06 . 2020

عباس البخاتي
تعد لحظة الإعلان عن فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الاعلى السيد علي السيستاني بتاريخ 13-6-2014 بمثابة إنعطافة كبيرة اتاحت ولادة فهم جديد للواقع .
هذا الواقع الذي أصبح عليه الشأن العراقي بعد التغيير الذي أطاحَ بنظام البعث في نيسان من العام 2003، وبالتالي إنعكس هذا الفهم على مجريات الحرب ضد تنظيم داعش الذي إستباح مدينة الموصل في 9-6-2014 وإتخذ منها منطلقاً لبقية مناطق المنطقة الغربية وصولا لمشارف العاصمة بغداد.
إنَ سرعة إستجابة العراقيين لتلك الفتوى رسمت مشهداً جسَدَ درجةَ التلاحم التي كانت عليها الجماهير مع مرجعيتها، فخرج آلاف الشباب معبرين عن تأييدهم لبيان المرجعية الذي تلاه ممثلها الشيخ الكربلائي من على منبر الجمعة في الصحن الحسيني المطهر.
حيال هذا الامر وجدت الحكومة العراقية نفسها مجبرة على التفكير بطريقة مناسبة، لإحتواء هذا الزخم البشري فكان الإعلان عن تشكيل هيئة الحشد الشعبي لضم المتطوعين بتاريخ 15-6-2014.
يمكن القول إن تأسيس تلك الهيئة جاءَ منسجماً إلى حد ما مع نصيحة السيد السيستاني بضرورة أن تأخذ الجهات المؤسساتية دورها في نظم شؤون الأمة بعيداً عن التخبط والعشوائية.
كان لافتاً للنظر تأكيد المرجعية على عدم التعامل مع حشود المتطوعين بوصفهم نتاج فتوى معينة، وبالتالي فهي تؤكد على عدم شخصنة الأمور بالشكل الذي يحجم البعد الوطني للمنجز الذي تحقق بتحرير العديد من المناطق، التي كانت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي في حزام بغداد وديالى وصلاح الدين والرمادي وصولاً الى الموصل.
إذن فالحشد الشعبي كان بنظر صاحب الفتوى يمثل حالة وطنية فرضتها ظروف الحرب إستدعت تحشيد الطاقات العراقية لمنع هذا التنظيم المتطرف من التمدد أكثر، وبالتالي القضاء عليه بشكل نهائي وهذا ما تم.
يمكن تشخيص البعد الجماهيري للفتوى التي كانت صريحة في عدم إشارتها لحصر الحشد والمتطوعين بالشيعة.. بل كان الأمر لوصف الحشد كقوة تشترك جميع مكونات المجتمع في تمثيلها، الأمر الذي فند جميع الإتهامات التي تعرضت لها الفتوى، إذ أنها كانت نقلة الى الأُفق الوطني الواسع والفضاء الشامل بعد أن أًريد لها أن تُحَدَ بأًفق طائفي ضيق.
لم يعد خافياً على المتابع المنصف إن الفتوى إبتعدت عن ربط الحشد بأي جهة وحتى صاحب الفتوى نفسه.. بل جاء التأكيد على أن الدولة بمؤسساتها الرسمية هي المرجعية الوحيدة التي يرجع اليها المتطوعون في صفوف الحشد، من الناحية الإدارية والقانونية والأجرائية.
يبقى القول بأن صاحب الفتوى هو زعيم الطائفة الشيعية، لذلك كان الشيعة هم الأكثر إستجابةً والأسرع تلبيةً، فكانت تضحيات المتطوعين الشيعة سبباً لتحرير كثير من مناطق السنة التي كانت مستباحة من قبل تنظيم داعش، ومع ذلك كانت هنالك مساهمات لا يمكن إنكارها لكثير من أبناء المناطق الذين كان لإلتحاقهم ووقوفهم الى جنب إخوتهم، أثره البالغ في تحقيق النصر في المعارك.
بهذا الموقف يمكن القول إن السيد المرجع وضع تفسيراً منطقياً للمسافة بينه وبين الحشد الشعبي شبيهةٌ بماهو عليه من مواقف حيال مسارات العملية السياسية، وهذا واضح من خلال دعواته المتكررة لضرورة أن تأخذ الدولة دورها، في دعم المتطوعين الذين طالما طالبهم سماحته، بأهمية الإلتزام بالضوابط المشجعة على ترميم اللحمة الوطنية وإفشاء روح المحبة وضرورة التقيد بأدبيات المعركة وقوانينها.
إن الرعاية التي أولاها السيد السيستاني لجموع المتطوعين، كان لها بالغ الأثر في نفوسهم، الأمر الذي أنعكس إيجاباً في تغيير المعادلة على الأرض، فقد كان سماحته ممتناً لتضحياتهم وبنفس الوقت رافضاً لأي ممارسة سلبية يمكن أن تصدر من أي فرد ضد أهالي المناطق المحررة.
كان هذا واضحا عندما أصدر جملة توصيات بتاريخ 13-2-2015 كانت عاملاً إضافياً، لرفع الروح المعنوية للمقاتلين وتؤكد حقيقة وأهمية المعركةالعادلة التي يخوضها ابناء العراق.
كتبت العديد من المقالات وأُجريت كثيرُ من البحوث والدراسات حول السر وراء نجاح تلك الفتوى وتحقيق أهدافها، برغم الإنهيار الحاصل في كثير من مفاصل الدولة العراقية.
يرى بعض المختصون في الشأن المرجعي إن التفاعل الجماهيري، وروح الإيثار التي كان عليها أبناء العراق، كانت من أهم عوامل النجاح وتحقيق النصر.
لقد كان لمواكب الدعم اللوجستي التي شاركت بها مختلف طبقات الشعب سواء بسطاء الناس أو الأغنياء فضلاً عن النخب الأكاديمية والثقافية، بل تعدى الأمر ليتجاوز مساحة مقلدي سماحة المرجع، الى فضاءات أوسع في الساحة الدينية ناهيك عن إن الفتوى كانت سبباً لهداية بعض الشباب، الذين إتخذوا مما يجري محطة لمراجعة الذات وتقييم السلوكيات النفسية، على حد وصف معتمد المرجعية سماحة الشيخ أحمد الجويبراوي الذي أشرف على نشاطات موكب الإمام علي عليه السلام للدعم اللوجستي.
إذ أكد سماحته على إن أيام الجهاد كانت سبباً للتعبئة الجماهيرية الواسعة التي إتسمت بروح التفاني والإيثار،
حيث ساهم الأهالي في أحد الايام بدعم الموكب بمبلغ عشرون مليون دينار، لتأمين متطلبات المعركة خصوصاً في معارك الصقلاوية والبوشجل التي أُطلق على إحدى ليالي القتال فيها، بليلة عاشوراء لشراسة المعركة وكيف أثبت المتطوعون أنهم نعم الرجال، فكان صمودهم مانعا لعبور العدو وبالتالي كانت تلك المعركة مفتاحا لتحرير بقية مناطق جزيرة الخالدية، والتي تكبد العدو فيها بتلك الليلة ما يزيد على 100 قتيل من أشد مقاتليه، ولا زالت إهزوجة المرابطين في تلك الليلة ” ساتر حيدر ما ننطيه ” تتردد في مسامع من كان حاضراً هناك، ويضيف سماحته إن مجموع ماتم تقديمه فقط من خلال موكب الإمام علي عليه السلام يزيد عن خمسمئة مليون دينار عراقي،
كذلك كان لمكاتب المرجعية المباركة على مختلف مسمياتها دورا لا يمكن التغاضي عنه ناهيك عن جهود العتبات المقدسة خصوصا العباسية منها التي كان سماحة السيد حسن السيد سعدون الموسوي وهو المجاهد الذي يسكن نفس الحي  الذي يسكنه الشيخ الجويبراوي،  لقد عمل الموسوي وبالتعاون مع مكاتب المرجعية وبعض الأهالي  على إدانة زخم الدعم المادي والمعنوي لتحقيق النصر في جميع معارك العز والشرف ضد داعش.
هذا فقط من منطقة صغيرة من مناطق الجنوب، مع الاخذ بنظر الاعتبار صعوبة الوضع الاقتصادي، وفقر معظم الناس.. فكم سيكون المبلغ ان تم إستقصاء جميع مواقف الإيثار على طول مساحة الوطن؟

اترك تعليقاً