السيمر / فيينا / السبت 27 . 06 . 2020
سليم الحسني
(كتبت المقال بعد التدقيق والمقارنة في الكثير من المعلومات التي وصلتني، إذا وجد أحد السادة أن فيها خطأً أرجو ان يدعم الحقيقة بإيضاحها وله الشكر)
…
وصلت الكاظمي معلومات تؤكد وجود مجموعة مسلحة تتواجد في منطقة (ألبو عيثة) قرب معسكرات الحشد الشعبي، وأن هذه المجموعة غير تابعة للحشد كما أن مكانها غير تابع لمعسكرات الحشد، وهي التي تقوم باطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء وعلى السفارة الأمريكية. كما وصلت المعلومات للكاظمي أيضاً بأن القوات الأمريكية تخطط لتوجيه ضربة جوية بطائرات مسيرة لهذه المجموعة فجر يوم الجمعة ٢٦ حزيران ٢٠٢٠.
حاول رئيس الوزراء تلافي وقوع الضربة الأمريكية بمداهمة المجموعة والقبض عليها، وهذا ما تم مساء الخميس ٢٥ حزيران. لكن العملية لحقتها مفاجآت غير متوقعة، فقد استنفرت قيادات الحشد الشعبي قواتها ودخلت المنطقة الخضراء، فيما كان مجاميعه تنتشر حولها وفي مناطق مهمة من بغداد.
قيادات الحشد الشعبي تلقتْ معلومات بأن قوات مكافحة الإرهاب بأمر من رئيس الوزراء داهمت مقر الحشد الشعبي (البو عيثة) واعتقلت عدداً من مقاتليه. وهذا ما جعلها تتخذ قرارات سريعة وتدخل ميدان الموجهة مع الحكومة. وكان النداء الذي تلقته مجاميعه بالتحرك العاجل وأن الهدف هو الإطاحة بالكاظمي.
بدأت الاتصالات تتصاعد بسرعة، وظهرت بوادر الغضب في قيادة الحشد الشعبي. إتصل الكاظمي في الساعة التاسعة مساءً (٢٥ حزيران) برئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، يسأله عن موقع الاقتحام وعن المجموعة المتواجدة فيه، وهل هي تابعة للحشد الشعبي أم لا؟ فأجابه الفياض بعدم تابعيتها للحشد.
أجرى الكاظمي اتصالاً آخر مع هادي العامري يسأله نفس السؤال، فجاء الجواب بالنفي أيضاً. وهذا ما جعل الكاظمي يطمئن بأن المعتقلين من غير الحشد، وعليه لابد ان يستمر في اعتقالهم ويرفض الاتصالات المطالبة باطلاق سراحهم.
لم يسمع الكاظمي من الفياض ولا من العامري ما يشير الى استنفار الحشد الشعبي وبلوغ الغضب مدياته الخطيرة. لكنه سمع بعد قليل أصوات سيارات ومجاميع الحشد الشعبي وهي تدخل المنطقة الخضراء.
وصلتْ مجموعة من الحشد الى مقر قوات مكافحة الإرهاب في المنطقة الخضراء، فأصدر الكاظمي أوامره بعدم التصادم مع المهاجمين وتركهم يسيطرون على المقر.
تدخلتْ بعض الشخصيات المعروفة في خبرتها وحكمتها لتطويق الأزمة وتهدئتها، فشعلة الانفجار قد لاحت جذوتها. وقد استطاعت هذه الشخصيات (أتحفظ على ذكر الأسماء في هذا المقال) أن تتواصل بين الطرفين للخروج بحل وسطي يُنهي الأزمة بأسرع وقت ممكن. وبالفعل جرى الاتفاق على تسليم المعتقلين الى أمن الحشد الشعبي بحسب السياقات المعمول بها، وعادت مجاميع الحشد الشعبي الى مقراتها.
في هذه الأزمة التي أوشكت على التحول الى معركة دموية واسعة، هناك مفصلان تُثار عليهما الشكوك:
الأول: مصدر مهم أوصل للكاظمي قبل بدء العملية معلومة خاطئة بأن هذه المجموعة غير تابعة للحشد الشعبي ـ ليس المقصود هنا الفياض أو العامري، لأن الاتصال بهما كان بعد العملية ـ.
إن هذا المصدر يجب أن يتتبعه رئيس الوزراء، ويحيله الى التحقيق فهو متهم ليس بالتضليل فقط، إنما بالسعي لتفجير الأوضاع الأمنية، وفق مخطط دقيق وتدبير عميق.
الثاني: هناك مصدر آخر أوصل لقيادات الحشد الشعبي معلومات مضللة أو مبالغ فيها عن عملية الاعتقال وأنها كانت عملية اقتحام لمعسكرات الحشد واعتقال أفراده. وقد تم إيصال هذه المعلومات الى القيادات الميدانية للحشد، وليس الى رئيس هيئة الحشد فالح الفياض ولا الى هادي العامري. ومن شأن هذا الإخبار أن يثير قيادات الحشد ويدفعها لموقف سريع، خصوصاً وأن الحشد مستهدف من قبل الأمريكان وعدم ثقة قيادات في الحشد بالكاظمي يساعد على ذلك.
هذا المصدر يفرض على قيادات الحشد أن تجري تحقيقاً معه وتستوضح منه الأمور بشكل دقيق، فمعلومة ثانية في وقت آخر قد تتسبب بكارثة دموية تضر الحشد والأمن والمواطنين.
لا أميل الى أن رئيس الوزراء كان يخطط لضرب الحشد الشعبي، فهو يعرف أن هذه الخطوة تعني خروجه السريع من رئاسة الوزراء. كما أنه يعرف جيداً بحكم عمله في جهاز المخابرات بأن ردة فعل الحشد الشعبي لا يستهان بها، وأنها ستكون وثبة غاضبة تملأ بغداد والوسط والجنوب برجال لا يوقفهم سوى الموت.
الكاظمي يعرف ذلك جيداً، لم يُخطط لضرب الحشد، ولا يفكر بضربه. لا يفكر بذلك ايضاً أي رئيس وزراء يأتي من بعده. فتوجيه ضربة للحشد يعني ليلة لا يطلع عليها نهار.
الكلام هذا لا يعني عدم إعادة النظر في تشكيلات الحشد الإدارية وبعض قياداته، فعملية المراجعة والتقييم والهيكلية الأفضل مسألة مطلوبة.
٢٧ حزيران ٢٠٢٠
الجريدة لا علاقة لها بكل ما طرح من آراء بداخل المقالة