الرئيسية / مقالات / ألأسباب الموجبة لقيام ثورة 14 تموز 1958

ألأسباب الموجبة لقيام ثورة 14 تموز 1958

السيمر / فيينا / السبت 04 . 07 . 2020

د. ماجد احمد الزاملي

الهيمنة البريطانية على السياسة والاحلاف ومعاهدات الانتداب، وكان هدف بريطانيا هو الحاق العراق بالسياسة البريطانية وان يكون تابعا لها ومنفذا لاستراتيجياتها بواسطة ربطه بمعاهدة 1922 ثم معاهدة 1926، ثم معاهدة 1930 ومعاهدة 1948 ثم تلى ذلك حلف بغداد والذي كان يضم العراق وإيران وتركيا وباكستان. وكان الشارع العراقي يرفض الحلف والحكومة العراقية خصوصاً الخلاف بين مصر وسوريا من جهة والعراق من جهة أخرى. وهيمنة الشركات الأجنبية على الاقتصاد بضمنها شركات النفط التي لعبت دوراً كبيراً في تقويض الاقتصاد العراقي لاسيما بعد ربط الاقتصاد العراقي بالكتلة الاسترلينية مما أدى إلى تضخم العملة العراقية وغلاء الاسعار. من وجهة نظر الدول الغربية فإن سلسلة المعاهدات مع العراق وبعض الدول العربية وآخرها حلف بغداد ما هي إلاّ صفقة إستراتيجية الغرض منها هيمنة بريطانيا وفرنسا ومن ثم لاحقاً أمريكا على المنطقة لدواعي إستراتيجية أهمها الوقوف بوجه الإتحاد السوفيتي والسيطرة على منابع النفط واستيلاء الولايات المتحدة على إرث بريطانيا وفرنسا خصوصاً بعد حرب السويس أو ما سمي بالعدوان الثلاثي على مصر، ووقوف حكومة نوري السعيد بشكل معلن مع دول العدوان. فترة خروج القوات البريطانية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وولاية الوصي على العرش عبد الإله ومن بعده الملك فيصل الثاني, كانت حركة التنمية تسير بوتيرة منخفضة، فسادت اجواء التخلف وتباطؤ حركة البناء والعمران تحولت الحياة السياسية إلى حالة من الركود حيث انتاب الحركة النيابية الجمود وأصبح البرلمان لعبة بيد مراكز القوى السياسية كنوري السعيد وعبد الإله، اما الأحزاب والقوى الوطنية فقد انحسر دورها، وطغت على السطح الأحزاب الشكلية الخاوية من ايديولوجيات أو برامج العمل. كما ان الحكم الملكي اضطهد قيادة حركة مايو / مايس 1941 واصدار احكام الإعدام بحقهم، وربط العراق باحلاف سياسية ومعاهدات جائرة مع بريطانيا مسّت سيادته وهدرت ثرواته الوطنية، دون النظر إلى المصلحة العراقية الوطنية. و كانت اتهامات لحكومات وزعامات الحكم الملكي بفساد النخبة السياسية من غير الملك وعائلته، وانتشار المحسوبية والفساد الإداري والمالي. وكذلك يؤخذ على الحكم الملكي عدم حل المشكلات الداخلية كالتلكوء بمنح الاقليات الحقوق الثقافية. وعلى الصعيد الخارجي اثرت السياسات والصراعات الداخلية على المواقف العربية، فبدأ الحكم الملكي يتخذ مواقف هدفها تنفيذ المصالح البريطانية في المنطقة على حساب مصالح بعض الدول العربية كعدم الجدية في الوقوف مع القضايا العربية التي تمس الامن الوطني العراقي كظهور الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وخسارة الحرب الفلسطينية الأولى عام 1948، على الرغم من المشاركة الواسعة والفاعلة للجيش العراقي، إلا أن تدخل الحكومات قوّض النصر الحاسم في المعركة. وكذلك عدم الجدية بالوقوف مع مصر في العدوان الثلاثي وحملة العداء على سوريا .
ما كانت عليه الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة آنذاك. وكيف كانت البلاد نفسها تمضي في مهب الريح، والدليل على ذلك تشكيل نوري السعيد ثلاث عشر وزارة استمرت كل منها فترة قصيرة قبل أن تسقط. بينما كانت البلاد تغرق في الفقر والجهل وتعيش تحت رحمة نظام إقطاعي ظالم مٌصادر لحقوق الفلاحين. لقد كان لتمادي الحكّام في التضييق على الشعب وانتهاك حقوقه في جميع المجالات الاقتصادية/الاجتماعية/الثقافية الدور الكبير لدفع الضباط الاحرار لتأسيس تنظيم لهم ,ولأن السياسة العراقية كانت تدور في فلك السياسة البريطانية فكانت بعض الحكومات العراقية غير جادة أحيانا بتنمية الجيش وتقوية قدراته القتالية والتسليحية وهذا السبب اجج مشاعر ضباط الجيش خاصة أصحاب الرتب الصغيرة الذين هم عماد الجيش ونواته الأساسية والتكاتف والتلاحم بينهم لاسقاط حكومة نوري السعيد والقضاء على الحكم الملكي واقامة النظام الجمهوري .
ان ثورة 14 تموز لم تكن حدثا آنيا على وفق التحليل التاريخي للأحداث هنالك دائما عوامل مباشرة والتي لعبت دوراً كبيرا بقيام ثورة 14 تموز 1958 فهنالك أسباب تكمن في أزمة الحكم الملكي في العراق والتي تتلخص في طبيعة البنية التأسيسية للحكم الملكي والتي ولّدت تيارين متناقضين في الايدولوجية والمرجعية الوطنية والسلوك السياسي في مواقفهما تجاه ما كان يعصف بالعراق والمنطقة العربية من أحداث جسام كالحربين العالميتين والمعاهدات مع الدول الكبرى والأحلاف التي كان الغرض منها جر المنطقة العربية إلى سياسة المحاور والاستقطاب الدوليين. بدات حركة الجيش العراقي في 14 تموز 1958 كأنقلاب عسكري وسرعان ما تحوّلت إلى ثورة تدعمّها الجماهير الشعبية ، فقد تم تحقيق أنجازات كبيرة لمصلحة الشعب لا يمكن أن يجادل أي أنسان موضوعي بأهميتها. تولى الزعيم عبد الكريم قاسم منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة والعقيد الركن عبد السلام عارف نائب رئيس الوزراء ونائب القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية. وتم توزيع الحقائب الوزارية والمسؤليات حسب ادوار الضباط من اعضاء تنظيم الضباط الوطنيين واسهامهم بالحركة. ثورة 14 تموز ساهمت بتغيير وجه العراق حينذاك وهي ثورة حقيقية لانها غيّرت الوضع الاقتصادي السياسي والاجتماعي . اهم مكتسباتها خلال أربع سنوات ونصف … الخروج من حلف بغداد الاستعمارى- اخراج العملة العراقية من الارتباط بالجنيه الاسترلينى- اصدار قانون الاصلاح الزراعى –اصدار قانون الاحوال الشخصية لانصاف المراة- اصدار قانون رقم 80 لاسترداد اراضى العراق من قبضة الشركات النفطية الاحتكارية.-اصدار قانون العمل والضمان الاجتماعى للعمال –اتفاقية الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفييتى. عدا وضع الخطط الآنية والمستقبلية للبنى التحتية ولرفع شان الفقراء خاصة وازدهار العراقيين عامة بتقليل الفوارق بين القرية والمدينة وازالة الفوارق الطبقية بين الفقراء والاغنياء وغيرها من المكاسب . لقد فرضت ثورة 14 تموز 1958 وضعا جديدا كانت الحاجة فيه لاول مرة الى مقاربات فكرية جديدة تنتج مواقف سياسية مناسبة للاحداث غير المسبوقة, اذ رغم الحاجة الدائمة لمناضلين اصحاب قدرات تنظيمية لكن الاولوية اصبحت للافكار سيما وان العمل شبه العلني فرض على القادة الذين عملوا طويلا في السر، الظهور واتخاذ مواقف سياسية لاحداث مستجدة ومتغيرة . واِنعكس التطور على صعيد النفط العراقي بضرب شركات النفط بمصادرة الأراضي التي كانت في حوزة الشـركات الأجنبية بعد إصدار القانون 80 لعام 1961 ، الذي يعني تنفيذه في نهاية المطاف : (تجريد الشركات من حقوق التنقيب المعطاة لها بموجب اِتفاقية النفط) مما أعاد الحقوق الوطنية التاريخية العراقية في جميع الأراضي . وقامت الشركات بالاِعتماد على الأنظمة المجاورة للعراق في زيادة إنتاج النفط من الدول المجاورة كونها تمثل وحدة اِحتكارية متحدة بغية عدم زيادة الإنتاج النفطي من العراق ، وبالتالي التوقف عن زيادة العائدات المالية الحكومية للعراق بهدف إحداث اِرباكات سياسية واِقتصادية في الدولة العراقية . وكذلك اِنسحبت الدولة العراقية من حلف بغداد العسكري والسياسي . وخرجت من منطقة الخضوع للجنيه الإسترليني البريطاني.
لولا وأد ثورة 14 تموز في مهدها لكان العراق الان في مصاف الدول المتقدمة. ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة وككل الثورات كان الخلاف الايديولوجي بين الإطراف المختلفة من رجالها سببا في تداعيها والقيم النبيلة ولكنهم اخطأوا في تسويقها والارتفاع عليها بينهم، وما كان المرحوم عبد الكريم قاسم إلا الانسان النظيف اليد والضمير ولا يمكن مقارنة نظافة يده ووطنيته بأحد.عبد الكريم قاسم لن يكلف احد بمسؤولية في الحكومة مالم يكن متأكد من طهارته، لم يأت بمزوري الشهادات بل أتا بالكفاءات والحريصين مثل محمد حديد … لم يتستر على المختلسين ولا على سراق المال العام وقوت الشعب. إن الثورة وجهت ضربة للنهج الطائفي الذي سارت عليه النخب العراقية الحاكمة منذ تأسيس الدولة العراقية عام1920. وفتحت الثورة الأبواب أمام العراقيين وبشكل متساو لتسلم المناصب الحكومية. وهذا مكسب كبير أزال التمييز بين الطوائف المكونة للنسيج العراقي فلم يعودوا مواطنين من الدرجة الثانية. ناصبت الثورة العداء قوى كثيرة بضغوط إقليمية من شاه إيران وجمال عبد الناصر ومدت الجسور مع أقطاب التمييز الطائفي في الداخل ليدخلوا في حلف غير مقدس للإطاحة بالحكم الوطني في انقلاب شباط الأسود. كان عبد الكريم قاسم وطنياً لا خلاف على ذلك بالرغم من الأتهامات الباطلة حول عمالته للأنكليز . وكان من أبناء الطبقة المتوسطة ولا يمكن لعسكري ينتمي بعقليته إلى تلك الطبقة مع وطنيته إلاّ أن يتصرف وفقاً لما تعلّمه وعرفه ومارسه في ذلك الوقت من نهاية خمسينيات القرن العشرين . ولابد لنا من تقييمه موضوعياً وتأريخياً فبالرغم مما أنجزه من أصلاحات وقوانين جيدة. عبد الكريم قاسم واحد من أهم الوطنيين العراقيين ، الذين وصلوا إلى حكم البلاد ، وكان الرجل نزيهاً وعفيفاً وعمل على أصلاح بلده, وخلافا لإدعاءات القوميين وقت ذاك، فإن الزعيم عبد الكريم قدم الكثير لنصرة الثورة الجزائرية، وللشعب الفلسطيني، وهو لم يكن، كما ادّعوا، عدوا للوحدة العربية، وإنما كان رجلا واقعيا، ويرفض الوحدة الاندماجية التي أرادها الناصريون والبعثيون، وهي الدعوة التي فجّرت التناحرات الحزبية العنيفة، وأشعلت صراعات أربكت الثورة وزعزعتها، وشكلت ضغوطا هائلة على خطوات الزعيم ، وأحبطت قراره بصياغة دستور دائم والانتقال لعهد أكثر استقرارا. تلك الصراعات قد تركت آثارها المؤذية على التطور العراقي اللاحق . ولا زلنا نعاني من فرقة الأحزاب الوطنية في الوقت الحاضر ونحن نجابه حرباً طائفية وخارجية ،اضافة الى ماعانينا ولازلنا نعاني منه “الإرهاب” .

اترك تعليقاً