السيمر / فيينا / الخميس 17 . 09 . 2020
د. ماجد احمد الزاملي
عند انتهاء الحرب العالمية الاولى تُرجِمَ الاهتمام الدولي لحقوق الإنسان الى مواد معينة في ميثاق عصبة الامم، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تُرجِمَ هذا الاهتمام الى مواد في ميثاق الامم المتحدة الذي أقَرَّتهُ بالاجماع في مؤتمر سان فرنسسكو في الخامس والعشرون من شهر حزيران 1945 حيث اعربت شعوب الأمم المتحدة في ديباجة الميثاق تصميمها على تأكيد ايمانها من جديد بحقوق الإنسان الاساسية وبكرامة الفرد وقيمتة العليا وبالحقوق المتساوية للرجال والنساء ولكافة الامم الكبيرة والصغيرة من دون تفرقة بسبب العنصر او الجنس او اللغة او الدين حيث تُوِّجَت جهود المنظمة الدولية في العاشر من كانون الاول 1948 باصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على انه المستوى المشترك الذي ينبغي ان تستهدفه كافة الشعوب والامم حتى يًسعى كلُّ فردٍ وهيئة في المجتمع واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب اعينهم الى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ اجراءات مُطَّرِدة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فَعّالة بين الدول الاعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها. عند انتهاء الحرب العالمية الثانية وعلى اثر ما حَلَّ بالعالم من مآسي وتضحيات والتي كانت السبب بموت الملايين، اتجهت افكار المجتمع الدولي من اجل وضع حداً لهذه النزاعات والحروب التي لم تجلب لهم سوى الويلأت والدمار الى اتخاذ الوسائل السلمية لحل المشاكل دون استخدام القوة العسكرية التي لايكون من ورائها سوى الدمار والفناء. وعلى ضوء ذلك كان لابد للمجتمع الدولي من الاحتكام واللجوء الى المنظمة الدولية لغرض حل هذه المشاكل والنزاعات بين البلدان بالطرق السلمية والقانونية دون اللجوء الى القوة وتَعَرُض الملايين من البشر الى أهوالها، وكذلك حتى تَمنَع عمليات الإبادة والقتل الجماعي على أُسس عرقية وإثنية او طائفية وكذلك حتى توفر ابسط الحقوق الانسانية للاشخاص.
لقد تَضَمَنت (المادة الاولى ) من الاعلإن المبادئ الفلسفية والتي تنص ,, يولد جميع الناس حرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق وهم قد وِهُبوا العقل والوجدان وعليهم ان يعاملوا بعضهم بروح الاخاء ،،
وتضمنت (المادة الثانية) على المبدا الاساسي الخاص بالمساواة وعدم التمييز فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات الاساسية وتراعى تلك الحقوق والحريات للجميع بلا تمييز بين العنصر او الجنس او اللغة او الدين. والمواد من (3- 21) تتضمن اعلان الحقوق المدنية والسياسية المعترف بها وهذه الحقوق ضرورية للتمتع بكل الحقوق الاخرى المنصوص عليها في الإعلان. وقد اعتمدت الكثير من الدول وضع هذه المواد في دساتيرها.
والمواد من ( 22 – 27 ) فهي تحدد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كحق العمل بحرية وبشروط عادلة والحماية من البطالة والحق في أجرٍ مساوٍ للعمل يكفل له ولإسرته العيش عيشة لائقة بكرامة، وفي ان يُنشيء وينضم الى نقابات حماية لمصلحته، وعلى العموم لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كافٍ للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولإسرته، ويتضمن ذلك التغذية الصحية والملبس والسكن اللائق والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترحيل والشيخوخة.
اما بخصوص المواد ( 28 – 30 ) فتعترف بحق كل انسان في التمتع بنظام اجتماعي ودولي يمكن ان تتحقق بمقتضاه جميع الحقوق والحريات الاساسية للإنسان كاملة ويؤكد على واجبات ومسؤوليات كل انسان تجاه مجتمعه.
و المادة (29 ) فانها توكد على ان لايخضع اي فرد في ممارسة حقوقه الاّ للقيود التي يقررها القانون. وقد حذَّرت المادة ( 30) من الإعلان من(انه لايجوز لاي دولة او جماعة او لاي فرد ادعاء اي حق بموجب الإعلان في القيام باي نشاط او باي فعل يهدف الى هدم اي من الحقوق والحريات النصوص عليها في الإعلان). ويحدد الإعلان الحقوق الاساسية لكل شخص في العالم بغض النظر عن لونه او جنسيته او دينه او رأيه وهذا الإعلان هو المعيار الدولي لحقوق الإنسان. وعلى الرغم من ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان احدث تأثيرا كبيرا ومهما في العالم وعلى كافة المستويات سواءاً كانت دولية او وطنية، كما كان مصدر إلهام عند اعداد المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وكذلك دساتير وقوانين كثيرة من الدول اضافة الى احكام المحاكم. (فقد اتبعت الكثير من الدول سواء في دساتيرها وتشريعتها وعلى درجات مختلفة المبادئ والقواعد الخاصة بحقوق الإنسان الواردة في الإعلان، واصبح الإعلان مصدرا اساسيا لكل الجهود الوطنية والدولية لتعزيز حقوق الإنسان).
وان الإعلان بَقِيَ كمستوى للسلوك او مقياس لدرجة احترام او مدى التزام الدول بتلك الحقوق .(وبالرغم ماقيل عن الإعلان وما جاء فيه من ذكر للحقوق المدنية والسياسية الاّ انه ليس له قيمة قانونية ملزمه ، وانما له قيمة ادبية فقط ). واعتبر الإعلان الاساس في ولادة اكثرمن 100 اتفاقية دولية، خاصة بعد صدور العهدين الدوليين الأول الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والثاني الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966. كان للتواجد الدولي المتمثل بالعملاقين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي الاثر الاكبر في خلق حالة من التوازن في العالم في مرحلة مهمة سميت بالحرب الباردة والتي امتدت مابين 1945 –1991 . المجتمع الدولي قد مَرَّ بمرحلة تاريخية صعبة وحرجة خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء مايسمى بالحرب الباردة وانفراد الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار الدولي كقوة دولية عظمى مهيمنة تتخذ قراراتها دون الرجوع الى المنظمات او القوانين الدولية، حيث عملت على تهميش وإقصاء المنظمة الدولية بصورة انتقائية بل انها استعملت المنظمة الدولية أداة لتبرير فعالياتها غير القانونية واصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي القطب الوحيد الذي يُشرعِن ويفعل قرارات المنظمة الدولية حسب قناعاته وسلوكياته السياسية بالإستناد الى استراتيجيتها العالمية. وقد أصبَحَت حقوق الإنسان قِيمَة عُليا لايمكن تقسيمها، وأصبحت كافة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية مكفولة لكل الناس وفي كل بقعة من بقاع الارض وعلى أساس ثابت من المساواة وعدم التمييز.
استنادا الى ما بيَّنا اعلاه فان انتهاكات حقوق الانسان تشمل تعديات الحكومات الاستبدادية على الحقوق التي تعتمدها القوانين الوطنية والاقليمية والدولية ويمثل العراق في فترة حكم النظام الديكتاتوري السابق ونظام الشرعية الانتخابية الذي اعقب الاحتلال الامريكي للعراق نموذجا لتلك الانتهكات الصارخة لحقوق الانسان. ان عملية فهم ودراسة انتهاكات حقوق الانسان تتطلب منح المجتمعات المتضررة من تلك الانتهاكات الوسائل الكفيلة بمنع تكرار تلك الممارسات الضارة اعتمادا على سياسات المصالحة والبناء ومعالجة كافة الانقسامات والتصدعات التي ارتكبتها الانظمة الشمولية والاستبدادية، وتفعيل دور الهيئات والمنظمات الدولية مثل المحكمة الدولية لحقوق الانسان ولجنة حقوق الانسان للأمم المتحدة ومجموعة العمل الخاصة بحالات الاختفاء القسري التابعة للأمم المتحدة . لقد انتهكت الولايات المتحدة الامريكية الشرعية الدولية عندما استخدمت القنابل الذرية اثناء الحرب العالمية الثانية في اليابان وكذلك استخدامها الاسلحة المُحَرَّمة دوليا ضد العراق عام 1991 واثناء غزوها للعراق عام 2003 لترتكب افضع الجرائم بحق الشعب العراقي.
و كان للشرعية الدولية دورا سلبياً واضحا تَمَثَّلَ بعدم ادانتها للغزو الامريكي للعراق واعتباره احتلالاً رغم ما قامت به الولايات المتحدة وحلفائها من تدمير دولة وطنية عضوا في هيئة الأمم المتحدة وعضوا مؤسساً للجامعة العربية وشَرَّدت الملايين من العراقيين في داخل وخارج البلاد بسبب شعارات الديمقراطية والحرية المزيفة التي خَلَّفت ورائها الملايين من الايتام والارامل والمعوقين. وقد استغلت الولايات المتحدة الامريكية الكثير من الانظمة الاستبدادية في سحق الملايين تحت مسميات عديدة اكثرها تداولاً مكافحة الارهاب والجريمة. بالرغم من ان الولايات المتحدة من اكثر الدول التي تتحدث عن حقوق الانسان وشعاراته فإنها تستخدم حقوق الانسان كورقة في سياستها الخارجية لغرض تحقيق مصالحها الاستراتيجية.
و العالم اليوم يواجه تحديات عديدة ليس في مجال الحريات العامة السياسية وحسب بل هناك الكثير من القضايا العالقة كالبطالة التي انهكت الطبقات الفقيرة وقضايا الهجرة وما خَلَّفت ورائها من كوارث أهمها تنامي النزاعات العنصرية في دول المهجر، اضافة الى قضايا التلوث البيئي نتيجة استخدام الاسلحة المُحَرمة دوليا في الحروب التي خاضتها الدول الكبرى ضد الدول الفقيرة بحيث انتشرت الامراض المستعصية في تلك البلدان كالعراق وافغانستان، وهناك ايضا قضايا المخدرات ودورها في افساد اخلاقيات الاجيال الجديدة ناهيك عن صعود طبقات برجوازية تتحكم بسياسات واقتصاد الدول الوطنية مما جعل الانسان البسيط يعيش حالة من اليأس وانعدام الامان الاجتماعي والسياسي.