السيمر / فيينا / السبت 21 . 11 . 2020
سليم الحسني
لم يُعرف عن السيد السيستاني اهتمامه بالسياسة وحركتها، فلقد قضى حياته منصرفاً عن الدنيا مستغرقاً في الدرس والعلوم الدينية. فهو من طراز العلماء الذين انتهجوا الزهد والتزموه من أعماقهم، فالعزلة فضاؤهم الرحب، وشظف العيش نعيمهم الخلّاب.
لقد كان واضحاً في أجواء الحواشي أن السيد السيستاني بعيد عن طموحات المرجعية والمسؤوليات العامة، وهذا ما جعله خارج دائرة المرشحين الذين يجري تداول أسمائهم بسرية في غرف أصحاب القرار من الحواشي، كما أن علاقة السيد السيستاني لم تكن جيدة مع أبناء الامام الخوئي، ومن أسباب ذلك نزعته الشديدة نحو الزهد، بينما كان أبناء السيد الخوئي يعيشون الترف من وراء ظهر أبيهم، ويتحكمون بأموال الحقوق الشرعية التي كانت تسد عين الشمس، نظراً لسعة مرجعيته وطول فترتها.
كانت شؤون المرجعية العليا بعد عام ١٩٨٠ بيد المرحوم محمد تقي الخوئي، ومع تقدم العمر وتزايد المرض، وجد أبناء الخوئي وحاشيته ضرورة تهيئة خليفة للمرجع الأعلى الطاعن في السن، فهذا الموت الذي يدهم البيوت فجأة سيأخذ معه الجاه والأموال والنفوذ الذي لم تملكه مرجعية من قبل في عالم الشيعة.
استقر رأي حاشية السيد الخوئي على السيد محمد الروحاني تلميذه المبرّز من الرعيل الأول من تلامذته. وكان المرحوم السيد الروحاني قد أُبعد من العراق بعد انتصار الثورة الإسلامية في ايران عام ١٩٧٩ واستقر به المقام في مدينة قم استاذاً في حوزتها لما يمتلكه من مكانة علمية مرموقة.
كان اختيارهم للسيد محمد الروحاني على درجة عالية من الدقة والتدبير، فاضافة الى منزلته العلمية، فانه كان متحفظاَ على الثورة الإسلامية، وعلى خلاف مع الإمام الخميني، وهذا يعني أنه سيكون مقبولاً من الاتجاه التقليدي العريض في أوساط الحوزة ومجتمعات الشيعة، كما أن تحفظه من منهج الإمام الخميني والحكومة الإيرانية ستجعله موضع قبول حكومة صدام حسين والدوائر الدولية.
مع حلول صيف ١٩٩٠ حان وقت العمل، وبدأت أولى الخطوات ليجلس السيد محمد الروحاني على كرسي الانتظار خليفة للإمام الخوئي. ففي تموز ١٩٩٠ أقامت مؤسسة الخوئي في لندن مهرجاناً كبيراً بمناسبة عيد الغدير يتزامن مع انتقالها الى المبنى الجديد (المبنى الحالي) في منطقة (بروندز بري) وسط لندن. وقد كان التخطيط أن يحضر السيد محمد الروحاني ليفتتح المبنى الجديد ويؤم المصلين، وسط تغطية احتفالية واسعة.
قبيل الموعد المقرر للاحتفال، سافر شخص يحمل جوازات سفر السيد الروحاني وأفراد عائلته من إيران الى دبي. وقد جرى ترتيب موعد للمبعوث مع القنصل البريطاني في دبي، حيث حصل على تأشيرات الدخول لبريطانيا في نفس اليوم. وقد جرى ذلك عن طريق (جعفر رائد) السفير الإيراني في السعودية على عهد الشاه، وكان وقتها يقيم في السعودية لاجئاً سياسيا، ويتولى مهمة التنسيق بين السعودية وحكومة صدام وبعض الجهات البريطانية في تمهيد الطريق لمشروع محمد تقي الخوئي حول المرجع الخليفة.
غادر السيد الروحاني وعائلته الى لندن تحت عنوان العلاج. كان في استقباله في لندن السيد محمد تقي الخوئي قادماً من النجف لحضور المهرجان وافتتاح المبنى الجديد، والأهم من ذلك لقاء السيد الروحاني وترتيب الخطوات اللاحقة.
لندن كانت محطة عبور حسب المخطط المرسوم، فمنها يتجه السيد الروحاني الى النجف الأشرف. وقد جرت الأمور مثلما كان مخططاً لها من إفتتاح مبنى المؤسسة الجديد والصلاة في الحاضرين.
بوساطة مباشرة من محمد تقي الخوئي حصل الروحاني على تأشيرة دخول من السفارة العراقية على جواز سفره الإيراني. ولم تبق سوى أيام قليلة بعد انتهاء مهرجان الغدير حتى يغادر الروحاني وعائلته الى العراق، لكن حدثاً كبيراً صدم العالم وأصاب المخطط بانتكاسة. فقد احتل صدام الكويت يوم ٢ آب ١٩٩٠ وصدرت المواقف الدولية تنذر بتطورات خطيرة، مما فرض تأجيل السفر حتى تهدأ الأوضاع وتنجلي الغبرة.
لم تهدأ الأوضاع، إنما راحت تتأزم، فتوقفت الرحلات الجوية بين لندن وبغداد، وتصاعدت المواقف الدولية باتجاه المواجهة العسكرية، مما جعل السيد الروحاني يتراجع عن مشروع السفر الى العراق. فعاد الى إيران وبقي فيها حتى وفاته عام ١٩٩٧.
بعودة السيد روحاني الى إيران، كان السيد محمد تقي الخوئي قد صرف النظر عن خلافة الروحاني لوالده في المرجعية، فهو يريد المرجع الأعلى مقيماً في النجف الأشرف، يتحكم به ويدير شؤونه، لقد كان يريد مرجعاً أعلى تحت إمرته، فذلك الشرط كان يملأ رأسه ويسيطر على توجهات الحواشي التابعين له بالطاعة التامة والولاء المطلق.
للحديث صلة
في المقال القادم: محمد تقي الخوئي يبرم اتفاق مرجعية السيد السيستاني.
٢١ تشرين الثاني ٢٠٢٠
الجريدة غير معنية وغير مسؤولة عن كل ما تم طرحه من آراء داخل المقال ، ويتحمل كاتب المقال كامل المسؤولية