الرئيسية / مقالات / وجهاتُ نظرٍ إسرائيلية تجاه التطبيعِ مع الأنظمةِ العربيةِ

وجهاتُ نظرٍ إسرائيلية تجاه التطبيعِ مع الأنظمةِ العربيةِ

السيمر/ فيينا/ الاثنين 14 . 12 . 2020

د. مصطفى يوسف اللداوي

قد لا يكون الإسرائيليون جميعاً سعداء بهرولة الأنظمة العربية الرسمية تجاههم، وإقبالهم عليهم واعترافهم بهم، رغم أنه كان حلمهم القديم، وأمنيتهم المستحيلة، التي تمناها قادتهم التاريخيون، وعمل من أجلها سياسيوهم الكبار، وخطط لها رؤساء حكوماتهم جميعاً، إذ كانوا يأملون تشريع كيانهم، وتأمين حدودهم، وسلامة مستوطنيهم، وكسب اعتراف الجوار بهم، وتطبيع العلاقات معهم، وتبادل السفراء بينهم، وإقامة أسواق تجارية مشتركة معهم، وتبادل الخبرات والتنسيق معهم في مختلف المجالات، الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية والعلمية والقانونية والقضائية وغيرها، ليكون كيانهم جزءاً طبيعياً من المنطقة جغرافياً وسكانياً، فلا يكون غريباً شاذاً، ولا منبوذاً مكروهاً، ولا معزولاً محاصراً، ولا معادياً مُحَارَبَاً.

إلا أنهم لا يتفقون على رأيٍ واحدٍ تجاه هذه الموجة المتصاعدة، التي تبدو فيها الأنظمة العربية تتسارع وتتنافس، وتجاهر وتعترف، وتعارض إرادة شعوبها وتقهرهم، ففي الوقت الذي يظهر فيه بعضهم سعادةً بالغة وسروراً كبيراً باعتراف بعض الدول العربية بهم، وانفتاحهم عليهم، وتعاونهم معهم، وفتح أجواء بلادهم لهم، فإن فريقاً آخر لا يرى فيما يجري نفعاً أو فائدة، ولا يشعر بأن للتهافت العربي والتسارع الرسمي نحو الاعتراف بشرعية وجود كيانهم في هذا الوقت بالذات إيجابياتٍ تذكر، ويسوقون على مواقفهم أدلةً وبراهين، ويعززونها بالشواهد والحقائق، ويدعون حكومة كيانهم إلى الأخذ بها وعدم إهمالها وإغفالها.

يرى بعضهم أن كيانهم “إسرائيل” أصبح من القوة والردع، والقدرة والتفوق، والاستقرار والثبات، ما يجعلها في مأمنٍ من كل دول الجوار العربية المصنفة دولاً معادية، فلا تهدد أمنها دولة، ولا يقوى نظامٌ على التحرش بها أو الإضرار بمصالحها، مخافة رد الفعل القاسي والعنيف، الذي يترجمه جيشهم غاراتٍ انتقامية وردود فعلٍ تأديبية، تطال أدق الأهداف وأبعدها، وأكثرها خطورةً وحساسيةً، مما يجعل الأنظمة تفكر ألف مرةٍ قبل الإقدام على أي خطوةٍ من شأنها إثارة غضب إسرائيل، أو دفعها للرد المباشر أو غير المباشر، ولعل كثير منها يحارب التنظيمات الفلسطينية، ويرفض منحها أي تسهيلاتٍ في بلادها، خوفاً من ردود الفعل الأمريكية والإسرائيلية التي تراقب كل التحركات الخارجية لقادة الفصائل الفلسطينية فيها.

وفي الوقت نفسه فإن كل دول المنطقة ضعيفة وغير قادرة، ومهزوزة وغير مستقرة، وتعاني من اضطراباتٍ داخلية، وصراعاتٍ مسلحةٍ متعددةٍ الأطراف، وتشغلها قضاياها الداخلية وهمومها الوطنية عن أي قضيةٍ أخرى، وهي تعرف أن أي محاولة للمساس بأمن إسرائيل قد يسقطها ويفقدها استقرار أنظمتها، في الوقت الذي لا تقف شعوبها معها أو تدافع عنها، مما يدفع هذا الفريق للتساؤل، ما الذي يجبر الحكومة الإسرائيلية على تقديم تنازلاتٍ لدولٍ فاشلةٍ وأنظمةٍ ضعيفةٍ ساقطةٍ، أو يبني معها مستقبلٍ لن يدوم، ويوقع معها اتفاقياتٍ تخدمهم أكثر مما تعود بالنفع على كيانهم.

كما أن الأنظمة التي تهرول وتوقع، وتعترف وتطبع، في أغلبها دولٌ غير سيادية، وعديمة القرار الحر المستقل وإن بدت أنها مستقلة، فهي تخضع لنفوذ دولٍ أخرى، وتخضع لضغوطٍ أنظمةٍ أقوى، ويعاني بعضها من آثار الحصار وضغوط العقوبات الاقتصادية، وهي أنظمة قمعية وغير ديمقراطية، وديكتاتورية لا تحترم حقوق الإنسان، وتمارس قهراً على شعوبها لا يوصف، وظلماً واضطهاداً لمواطنيها لا يقبل، وتحرمهم من خيرات بلادهم، وتتسبب في فقرهم، وتساهم في خلق بيئات متطرفةٍ وتجمعاتٍ محرومةٍ متشددةٍ.

ويرى آخرون أن هذه الأنظمة تتطلع جميعها لحل مشاكلها الخاصة، وتجاوز أزماتها الوطنية، وتعتقد أن الاعتراف بإسرائيل يخدمها وينفعها، ويدفع الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية للتعامل معها، ومساعدتها والنهوض بأوضاعها، فبعضها يسعى إلى رفع الحصار والتخلص من العقوبات، وإزالة اسم بلادها من قوائم الإرهاب، أو الاعتراف بسيادة بلادها على إقليمٍ من أرضها مختلفٍ عليه، أو حمايتها من تغول الدول الجارة، أو يضمن لها استقرار أنظمتها وتسهيل انتقال السلطات إليها، وغيرها تخشى من الحراكات الشعبية وانتفاضات المواطنين المتكررة، واحتمالات سقوطها أو الانقلاب عليها.

بعض غير الراضين عن هذه الاتفاقيات نسبياً، يدعو الحكومة الإسرائيلية إلى عقد اتفاقيات سلامٍ مع الدول العربية المركزية، التي تشكل إلى جانب مصر ثقلاً حقيقياً، وتغير مواقفها في مسار الصراع في المنطقة، وتستطيع أن تفرض السلام فيها، كسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية، مع عدم استبعاد الجزائر أو الاستخفاف بالسودان، فهذه الدول محورية وأساسية، ولها دور كبير في رسم سياسات المنطقة، وكان لجيوشها أدوار حقيقية في الحروب، كما أن لها دوراً كبيراً في تمويل المنظمات الفلسطينية، أو إيوائها وفتح مراكز تدريبة ومقراتٍ قياديةٍ لها.

لكن المعارضين جميعاً والساخطين على الاتفاقيات الموقعة رغم منافع بعضها لكيانهم، وإيجابيات آثارها على المنطقة ونتائجها على الصراع المستحكم في منطقة الشرق الأوسط، لا يرون قيمة لكل هذه الاتفاقيات في المستقبل القريب والبعيد، ما لم تجد إسرائيل والأطراف العربية كلها، بالاتفاق مع الفلسطينيين وضمانة الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، حلاً يرضي الفلسطينيين ويحقق بعض أحلامهم، فهذه الاتفاقيات لا تسكت الشعوب، ولا تسكن الحروب، ولا تطفئ جمرها الكبير، الذي وإن خبا نارها حيناً فإنه سيعود ويتقد من جديد.

حينها ستعود إسرائيل من جديدٍ إلى دوامة العنف ومربع الاستهداف، وستعاني مرةً أخرى من شرعية الوجود، وأزمة القبول، وفقدان الأمن وعودة المنطقة إلى مربعات الصراع الأولى، التي لن تعرف النهاية ما لم يعلن الفلسطينيون أنهم وصلوا فعلاً إلى النهاية التي يريدون، وقبلوا بالنتيجة التي إليها يتطلعون، ولعل هؤلاء وإن كانوا هم العدو، إلا أنهم يستطيعون قراءة عقل المواطن العربي جيداً، ويعرفون عقيدة الفلسطيني أكثر، ويدركون عناده وإصراره على حقه، وإن بقي وحيداً يقاتل، وصمد في مواجهة عدوه دون عونٍ من غيره، فما بالكم وشعوب الأمة كلها معه، تؤيده وتنصره، وتؤمن بحقه وتقف معه.

بيروت في 14/12/2020

*كاتب من ارض فلسطين العربية المحتلة

اترك تعليقاً