أخبار عاجلة
الرئيسية / اصدارات جديدة / ومازالت تاء تأنيث المَلَك تتعثَّر بين يدي الفنان المسلم!

ومازالت تاء تأنيث المَلَك تتعثَّر بين يدي الفنان المسلم!

السيمر / الثلاثاء 16. 03 . 2021 

د. نضير الخزرجي 

علقت في أذهاننا ونحن أطفال، أن الملائكة التي تتحدث عنها الكتب المقدسة، هم أجسام أنثوية ذات أجنحة، فكلما تناهى الى السمع اسم الملائكة استحضر الذهن إمرأة جميلة حنونة ذات أجنحة خفاقة، مثلما نستحضر في الذهن إمرأة ذات جمال خلاب بجذع سمكة رشيقة عندما يتناهى الى الذهن اسم “عروسة البحر”. 

وهذا الفهم التراثي الإغريقي الجاهلي للمَلَك الأنثوي، نستحضره اليوم بقوة عندما نشير إلى العاملات في الشأن الصحي والطبي وبخاصة الممرضات اللواتي يقمن بخدمة المريض على مدار الساعة فأطلقنا عليهن “ملائكة الرحمة”، وهو تشبيه لما هو عالق بالذهن عن المَلَك الأنثوي، وعلى الرغم من وجود الممرض الذكوري إلى جانب الممرضة والطبية إلا أن التشبيه إنحصر بالطبيبة والممرضة. 

ربما يكون من الطبيعي أن تكثر التماثيل والرسوم في الكنائس ودور العبادة وهي تصور الملائكة على هيئة أنثى حسنة الجمال والهيأة والمنظر، ولكن من غير الطبيعي أن تنتقل هذه الفكرة الخاطئة إلى الفنان المسلم، والقرآن يصرح علنا: (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) سورة الزخرف: 19، فيستحضر في فنه الفهم المغاير لما عليه الوحي القرآني القطعي الصدور الذي نفى الجسمية البشرية الثنائية عن الملائكة، فالثنائية مختصة بذوات الأرواح ومنها الإنسان الذي يتكاثر بعامل الثنائية المتغايرة خلقة الذكر والأنثى، وحتى يومنا هذا يغالط الفنان المسلم الحقيقة ويعارض صريح القرآن متحديا له مناغاة لعواطف الناس التي استحسنت رؤية الملائكة إناثا! 

وحيث يكثر حديث الملائكة في الإسلام عند التحدث عن النبي محمد (ص) وأهل بيته الكرام (ع)، وحيث تحتفظ الرواية الإسلامية بحديث نزول الملك جبريل عليه السلام أو نزول الملائكة على الإمام الحسين (ع) وهو في المهد صبيا، فإن ريشة الفنان المسلم بشكل عام تغيب عن الواقع فتظهر الملك أنثى، وهو غياب يعارض النص يوقع صاحبه في المحظور الديني، وهو ما نشاهده مع الأسف حتى اليوم في المناسبات مثل مناسبة ميلاد الإمام الحسين (ع) وهو ما كنا نشاهده صغارا في كربلاء المقدسة ومازلنا نراه كباراً في المدينة نفسها وفي غيرها حيث يضعون دمية طفل مغطاة وحوله ملائكة إناث يرعونه، وكما في شهر محرم حيث يضعون دمية عبد الله بن الحسين (ع) المستشهد بين يدي أبيه في عاشوراء بسهم حرملة في سرير متحرك (المهد) وحول ملائكة إناث يدارونه، وليت عقلاء القوم وقفوا أمام هذا الإرث المغلوط المتوارث خطأً وهذبوا الفهم ليكون الفن متناغما مع المتن القرآني والسنَّوي وليس محاكاة للتراث الأغريقي والجاهلي. 

وحيث ردَّ القرآن جسمانية الملائكة وثنائية الذكر والأنثى، فما حقيقتهم وما هو نوع تعاملهم مع البشر الثنائي الخلقة وتعامل البشر معهم؟ 

جواب السؤال وغيره نجده في كتيب “شريعة الملائكة” للفقيه المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي الصادر حديثا (2021م) في 56 صفحة عن بيت العلم للنابهين في بيروت مع ثلاث مقدمات واحدة للناشر وثانية للمعد وثالثة للمصنِّف تتبعها 75 مسألة شرعية مع 21 تعليقة للفقيه آية الله الشيخ حسن رضا الغديري. 

 هوية الملائكة 

وحيث لا يمكن لعين البشر رؤية الملائكة، فإن الإيمان بوجودهم أمر حتم كإيماننا بوجود الخالق، ومن خالف الحقيقة وأطاع مولاه دون ربه، فمن باب أولى أنه لا يؤمن بمخلوقات رب الأنام وما برأ، ولكن الثابت من النصوص أن المَلَك خلق نوري كما أن الإنسان خلق ترابي والجن خلق ناري، ولأنهم كذلك فهم يتشكلون بأشكال حسب المهمة، فتشكل المَلَك للنبي إبراهيم على هيئة إنسان: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ. فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ) سورة هود: 66 و70، وتشكل للعذراء عليها السلام بشراً سويا (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً. فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً) سورة مريم: 16 و17، وتشكل للنبي محمد (ص) على هيئة الصحابي دحية الكلبي. 

ويفهم من سياق الآيات الشريفة أنهم وسائط بين البشر ورب الأرباب، وهذا المعنى يشير الفقيه الكرباسي في التمهيد عند بيان معنى الملائكة اصطلاحا: (فالملائكة تعني في المصطلح القرآني الرسل، وذلك لأن الله استخدمهم كذلك، وهم الذين يُسيِّرون أمور الكون بأمره، ولكل منهم مسؤوليته وخصوصيته). 

وربما لأنهم موجودون في أقطار السماوات والأرض كانوا من النور الذي له الحركة في كل اتجاه، قال الرسول الأعظم (ص): (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم)، وهنا إشارة إلى قوله تعالى: (خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ. وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) سورة الرحمان: 14 و15. 

ولأنهم نور كما يفيد المصنِّف: (من هنا لا يمكن رؤيتهم إلا إذا تشكلوا بشكل مادي كثيف كما أنهم سريعو الحركة، فإذا كنت سرعة الضوء (300000) ثلاثمائة ألف كيلو متر في الثانية فإنه لا يمكن رؤيتهم بهذه الكيفية، نعم يمكن أن يشعر الإنسان بوجودهم ولكن لا يمكنه رؤيتهم، وإذا كانت الأشعة فوق البنفسجية وما وراء الحمراء وما إلى ذلك من خصوصيتها أن تُرى بالآثار إلا أنها تبقى غير مرئية). 

بالطبع لا يمكن رؤية حركة النور لأن الله خلق لعين الإنسان مدى محدداً للرؤية وهذه حقيقة، فعلى سبيل المثال فإننا لا يمكننا رؤية دوران حركة مروحة الطائرة العمودية أو الطائرة ذات المراوح لأنها ذات سرعة قريبة من سرعة الصوت، نعم لبعض عدسات الكاميرات سرعة التقاط موافقة لسرعة دوران المروحة وعندها نجد المروحة وكأنها واقفة مع أنها تدور بسرعة وتحرك معها الطائرة، أي أن عدسة العين استطاعت أن تلتقط الصورة عبر توافق عدسة الكاميرا مع حركة المروحة، وهو ربما قريب لتشكل الملائكة بأجسام مادية بحيث تتوافق مع رؤية عدسة البشر في الظروف الطبيعية. 

وحيث الملائكة نور فهم موجودون في كل مكان وبتعبير الفقيه الغديري: “الحق هم موجودون في العالم سواء في السماوات والأرضين والجبال والبحار وغيرها من أجزاء العالم بل وهم مع كل الموجودات ومنها الإنسان، وهم كرام كاتبون، ولا علم لنا بهويّاتهم وشخصياتهم إلا ما جاء ذكرهم في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والروايات الصحيحية المروية عن الأئمة المعصومين (ع)، وهم خلق نوري روحي مجرّد”. 

وحسب فهمي للآيات القرآنية فإنهم يتأثرون بالجاذبية، فالضوء بشكل عام يسير بخطوط مستقيمة ولكنه ينحني وينكسر متأثرا بظروف خارجية مثل الجاذبية وحركة الأجرام، وهذه حقيقة علمية ثابتة، من هنا فإن القرآن الكريم عندما يتحدث عن حركة الملائكة يصفه بالعروج، قال تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) سورة المعارج: 4، والعروج لغة واصطلاحا هي الحركة التي تتخلها انحناءات وتكسرات، من هنا كان صعود النبي (ص) إلى السماوات العلى عروجاً، وهكذا هي حركة المركبة الفضائية، حركة غير مستقيمة متناغمة مع جاذبية الأرض والأجرام السماوية، والملائكة كونهم نورا لا يشذون عن هذه القاعدة الكونية الفيزيائية، وهذه واحدة من محصلات معرفة الملائكة بالآثار. 

 وماذا عن الأجنحة! 

نورية الملائكة وعدم قدرة العين الباصرة رؤيتها، ربما تعارضها من حيث الظاهر ما ورد في النص القرآن والسنة عن الأجنحة، كما في قوله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة فاطر: 1، وحيث الجناح من حيث اللغة أمر جسماني، والملائكة غير جسماني، فإن المقام يقتضي القول بأن الجناح مفاده الأداة، وهو ما يؤكد الفقيه الكرباسي: (فإن المراد بالجناح هو الأداة التي بها يمكن لهم التحليق في الأجواء والفضاء، ولا ضرورة لأن تكون مشابهة لأجنحة الطيور، وأهل اللغة يستخدمون ذلك في موارد أخرى سوى بالمجاز أو بالحقيقة، كما تقول أجنحة الطائرة أو أجنحة القاعة وما إلى ذلك)، واتساقا مع هذا الفهم غير المادي يضيف الكرباسي: (إذاً فإن القدرة على التحليق هي المراد في المقام، وما مسألة عدد الأجنحة إلا لبيان قوة الدفع، فهي على سبيل التشبيه لا غير)، من هنا: (فالظاهر أن المراد بالأجنحة ليس هي التي في الطيور التي فيها الريش والزغب والعظم واللحم والجلد وما إلى ذلك، بل المراد القدرات، والتشبيه إنما في القدرات، واستخدام المفردات هذه هي كاستخدام المفردات الأخرى في القرآن الكريم مثل العرش والكرسي واللوح والقلم ويد لله وما إلى ذلك). 

والتشبيه في مثل هذا المقام قياس فطري تسالم عليه البشر، كقولنا في قوة ماكنة السيارة أنها تعادل قوة خمسين أو مائة حصان، عندما تكون سرعة الحصان مقياسا، او القول بأنَّ الفارس الفلاني في عرصة الوغى يعادل ألف مقاتل، والله تعالى من فضله على البشر أن يقرب غير المحسوس إلى الأذهان بمحسوس، كتشبيه وضع يده على يد المبايعين للنبي محمد (ص) يوم الحديبية (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) سورة الفتح: 10، فهذا التشبيه الذي يتضمن القوة والقدرة أقرب لفهم الإنسان وإدراكه. 

ويتابع الفقه الكرباسي مسألة تاء التأنيث الملحقة بالملائكة فيرى أن: (تأنيث اللفظ فهذا أمر لغوي لا يرتبط بالجنس)، من هنا يقطع بأنه: (لا يجوز رمي الملائكة على أنهم إناث كما شاع ذلك بين الناس لأنه منافٍ لذم القرآن من نسب الأنوثة إليهم). 

 ما لا يجوز فيهم ويجوز 

يتابع الفقيه الكرباسي في مسائل الملائكة شرعية ما يجوز وما لا يجوز بالنسبة للعلاقة بين الإنسان الترابي والملائكة النوري، فكما يجب الإيمان بهم وبوجودهم في حياتنا، فإنه يحرم عبادتهم: (ويخرج الإنسان من الإيمان ويحكم بكفره). 

وكما لا يجوز عداوتهم فإنه: (يجوز السلام على ملائكة الله جلّ وعلا فإنهم رسل الله سبحانه وتعالى). 

وكما يجوز التبرك بأسمائهم كإطلاق الأسماء على المواليد (جبرائيل) و(إسرافيل)، فإنَّ: (إهانة الملائكة وسبَّهم محرَّم)، ولهذا: (من لعن أو أهان أو تقوَّل على الملائكة لا مفرَّ له إلا التوبة إلى الله تبارك وتعالى توبة نصوحا). 

وكما: (يجوز تشبيه الإنسان بالملائكة في الجمال أو بالصفاء أو بغيرهما من الصفات الحسنة)، فإنه: (لا معنى للحجاب وعدمه من الملائكة لأي اعتبار كان). 

وكما قام الإيمان على نزول الملائكة على رسله الكرام، فإن إدعاء الإنسان العادي: (بنزول الوحي عليه بواسطة الملائكة يوجب الكفر وهو ادِّعاء مؤداه إلى النبوة)، كما لا يجوز: (تلفيق القصص والحكايات عن الملائكة بما لا يليق بشأنهم). 

وحيث أن الله عبر وحيه ورسله وأنبيائه دعا الإنسان إلى التفكر فيما خلق، فإنه كما يبحث عن الأجرام السماوية الأخرى ويبعث بالمركبات الفضائية إلى القمر والمريخ وغيرهما، فإنه كما يؤكد المحقق الكرباسي: (ينبغي البحث والتحقيق عن الملائكة ما دام الله أورد ذكرهم في القرآن الكريم، وحيث إنه كتاب عمل واعتبار نزل على البشرية فعلى العلماء التحقيق في كل ما ورد فيه)، وهذا الفهم الحضاري والعلمي لما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة عن المخلوقات الأخرى يؤيده الفقيه الغديري بقوله: (وبلحاظ أننا مأمورون بالإيمان بهم فيجب علينا التعرف عليهم قدر المستطاع). 

وحسبنا من معرفة صفاتهم ما أنبأنا عنهم باب مدينة علم رسول الله (ص) الإمام علي (ع) بقوله: (وملائكة خلقتهم وأسكنتهم سماواتك، فليس فيهم فترة، ولا عندهم غفلة، ولا فيهم معصية، هم أعلم خلقك بك، وأخوف خلقك منك، وأقرب خلقك إليك، وأعملهم بطاعتك ولا يغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا فترة الأبدان، لم يسكنوا الأصلاب ولم تضمهم الأرحام، ولم تخلقهم من ماء مهين، أنشأتهم إنشاءً، فأسكنتهم سماواتك وأكرمتهم بجوارك، وائتمنتهم على وحيك، وجنبتهم الآفات، ووقيتهم البليّات، وطهرتهم من الذنوب …). 

الرأي الآخر للدراسات- لندن 

اترك تعليقاً