السيمر / فيينا / السبت 14 . 08 . 2021
سليم الحسني
ضفتان، ولا ماء بينهما، إنما خيط رفيع:
جاء الشيطان مهتاجاً يحمل لواء الأمويين، في صدره ثأر قديم، فهو طريد الله، وآل أمية طلقاء رسوله. حبلٌ من نار يوحدّهم. مصاهرة الحقد تجمعهم. فتعاضدَ ثأر ُ إبليس وثأر أبي سفيان.
أطعمهم الشيطان ميتةً ودماً ولحمَ خنزير، ثم سقاهم شراباً من عادٍ وثمود. خطب فيهم بخوار العجل. عقد لهم لواءً من قوم لوط. فتصارخوا بكره آل الرسول.
لا ينتهي حقد آل أبي سفيان على آل محمد، أرضعوه صغارهم، تعاهدوا عليه جيلاً بعد جيل. على فراش الموت يوصون لأبنائهم بقتل آل الرسول. ويفتي وعاظهم: لا تبقوا لهم باقية.
وفي الشيعة عمائم تسمع وتعرف، ثم تذهب اليهم راكعة، تشكرهم وتثني عليهم.
…
على الضفة الأخرى:
جمع الحسين أصحابه يخاطبهم، اركبوا الليل قبل أن يفتح الموت عينيه.
لا أحد منهم يريد الليل سفينةً ينجو بها. فالحسين شراع البقاء وسفينة النجاة. رجالٌ عرفوا الدرب، سمعوا القرآن يحدثهم. شقيّ من يهجر قرآنه.
لن أتركَ ركبكَ يا حسين. غذّتني أمي أطهرَ اللبن، وعلّمني أبي صلاة محمد، ورأيت بعقلي حقّ عليّ.
تتيهُ الخطوات بغير دربك يا حسين. رأيتُ أقواماً ساروا هنا واتجهوا هناك، فما وصلت بهم الأقدام مقصداً. رأيتُ قوافل سارتْ تحمل خزائن قارون وذهب فرعون وترف كسرى، ومالكُ يضربهم على وجوههم.. هذه جهنم التي كنتم توعدون.
لا يكون لي الليل جملاً، إنه وادٍ سحيق. ليل أعمى يضيع فيه الدليل. انا معك يا ابن الرسول في كربلائك الأولى ومعك في كل كربلاء.
أعرتُ الله جمجمتي فكيف استردها من الربّ الكريم؟ لن أفعل ولو صُبّت الدنيا بكفي ذهباً.
أنا درعُ آل محمد يا ابن الرسول. درتُ زنازينها تتلوى على ظهري السياط. سرتُ في وديانها حافي القدمين، مسكتُ على الجوع ولائي، حبست على العطش انتمائي، فما غرّني زاد ولا ماء.
أعلمُ يا ابن الرسول أن الليل جملٌ ينجيني من سيوف القوم، وأعرف أن دنيا الرشيد بسّامة هناك، لكني أراها بغير دربك موحشة تعوي في زواياها الذئاب.
ما جئتُ من بعيد أسعى اليك، إلا لأنك موردي. قدمتُ إليك من كربلاء دجلة في تكريت، قطعتُ عقود السنين أطويها على عجل، أبحث عن كربلاء الفرات. طال بي طريق الزمن، مررتُ على آلاف الطفوف، رأيتُ يزيد وابن سعد وابن ذي الجوشن في كل طف. ورأيتُ الرضيع والعباس والحسين. وفي كل مرة أجد الذين أخفوا قلوبهم بغطاء الخوف وشهروا عليك السيوف.
الصمتُ كتيبة من جيش يزيد. وطريق كربلاء موقف وصرخة.
١٤ أغسطس ٢٠٢١