السيمر / فيينا / الجمعة 20 . 08 . 2021
سليم الحسني
باكية كربلاء تقضي ليلها. حزين هذا الوجود. قتلوا سبط الرسول، طحنوا ضلوعه بخيلهم، وسيق السبايا بالسلاسل تدميهم سياط أمية.
وقف الناس على الطريق يبكون ما صنعوا بآل الرسول. يقول المؤرخون إنهم يبكون ندماً. لكن الأمر غير ذلك، فمن يندم بصدق يصحح الخطأ. لم يكن ندماً، كان عجزاً سال على وجوههم، فوسمهم بالذل وألحقهم لعنة الزمن.
لم يكن حزناً، فالمحزون تنطلق منه آهة تحرق القيود وتذيب الحديد. لم يكن حزناً، كان خوفاً خائراً سارت عليه خيول بني أمية نحو كربلاء. استغلوا صمتهم فصيّروه رايات حرب يستعينون بها على قتل الحسين، فالصمت عون الظالم وطريق الخراب، وليس في نهج الحسين من يكتم الكلمة.
خطبتْ زينب فيهم. عنّفتهم. ضربتهم على اسماعهم، ومضت تتفقد الأيتام، تضمهم لصدرها، تمسح الخوف عن عيونهم. والسجاد بقيوده يجالد المرض، يخطب مثل جده عليّ، يشكو تخاذلهم، يحذّرهم من أيام سود إن بقوا على هذا الحال. كانت قيود بني أمية ثقيلة تلف جسمه، لكنها لا تحبس صوته، إنه صوت الحق، من يعرف حق آل محمد لا يكتم صوته.
غاب ركب السبايا عن الأنظار، كانت الصحراء باستقبالهم، جرداء يابسة، أنهكها الحزن وجففها المصاب، فكانت أصدق المواسين للموكب المفجوع.
بين رمل الصحراء ونجوم الليل، أنين يسمعه السائرون على درب الحسين، أنين خالد لا يفتر ولا ينقطع، فجرح كربلاء نازف، وهل يلتئم جرح في جسد الحسين؟
بلغت زينب مجلس يزيد، سمع الحاضرون كلمات عليّ في صوتها. إهتزت الشام وتداعى قصر الأمويين. كان صوتها جحافل ثورة، بيارق وعي، كتاب الله متلواً على الأسماع ومفسراً بأوضح بيان.
زينب يا حافظة الثورة ومديمتها، اصرخي بنا، فثمة رهط هنا اضاعوا نهج الحسين، صاروا يقسّمونه على الهوى بين (حسيننا وحسينهم) واسماع الناس تنتظر كلمة الحق فلا تصدر.
أنقذينا يا زينب، فبنو أمية يريدون اعادتها كربلاء ثانية. اسمعيهم خطبتك يا ابنة عليّ وأخت الحسين والعباس وعمّة السجّاد. فصوتك يهز الباب ويُرعب حارسه.
١٩ آب ٢٠٢١