الرئيسية / مقالات / الإعلام الأمني في مَنظومة العمل الشُرَطي

الإعلام الأمني في مَنظومة العمل الشُرَطي

السيمر / فيينا / الثلاثاء 14 . 09 . 2021 

د. ماجد احمد الزاملي

يُعتبر الإعلام الأمني نمط من أنماط الإعلام المتخصص الذي إرتبط بمحاربة الإنحراف والجريمة في المجتمع، وذلك من خلال إعداد أنشطة إعلامية توعوية وبثها عبر وسائل الإعلام المختلفة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، تهدف من خلال هذه الأنشطة إلى ترسيخ قناعة أفراد المجتمع بأهمية مشاركتهم وتعاونهم مع الأجهزة الأمنية لمكافحة الآفات الإجتماعية والظواهر الإجرامية إلى جانب توعيتهم بمخاطرها وسبل الوقاية من الوقوع فيها. ويتأثر الأمن تأثيرا كبيرا بما تعرضه أجهزة الإعلام من برامج ومواد إعلامية، فالإعلام يقوم على مخاطبة الشعور، والأمن في حد ذاته شعور يحس من خلاله الفرد بالأمان والاطمئنان، لذلك فإن مخاطبة هذا الشعور من خلال أجهزة الإعلام يؤثر تأثيرا بالغاً وسريعاً، ومن هنا كان للإعلام تأثيره البالغ على الأمن، فقد يكون هذا التأثير إيجابيا على المواطن، يسعى لإضفاء الهيبة والاحترام والتقدير لرجال الأمن، وقد يكون العكس بإحداث تأثير سلبي لا يخدم الأمن بل يؤدي إلى تقليل أهمية الأجهزة الأمنية وإلى إظهارها بغير مظهرها الحقيقي، الأمر الذي يؤدي إلى زعزعة الثقة في قدرات الأجهزة الأمنية على تحقيق أهدافها. إن فعالية الإعلام الأمني ونجاحه يتوقف على مدى إهتمام الأجهزة الأمنية وقناعتها بأهمية هذا النوع من الإعلام، الذي يعتمد في أدائه لوظيفته على مدى تعاون الأجهزة الأمنية التي تُقدم المادة العلمية والحقائق الأمنية إلى وسائل الإعلام، لتقوم هذه الأخيرة بإعدادها في الشكل الإعلامي المناسب لعرضها على الجمهور، بما يحقق تجاوب الجماهير مع الأفكار الأمنية المطروحة، وعلى الرغم من القوة التي تتمتع بها وسائل الإعلام للعمل على تنمية الوعي الأمني، فإنها تبقى رهينة للمصادر التي تزودها بالمعلومات والتوضيحات والبيانات (وهي الأجهزة الأمنية التي تمتلك المعلومات). ووسائل الإعلام بالتعاون مع الأجهزة الأمنية بإمكانها أن تمارس دورها الأمني سواء عن طريق تلَمّس ورصد الظواهر التي قد تتسلل إلى المجتمع وتدفع إلى نشوء الشخصية الإجرامية، أو عن طريق تبني مواد وبرامج تهدف إلى تبصير الجماهير بمخاطر بعض العادات والتقاليد الغربية التي تفسد قيمنا ومبادئنا الإسلامية والثقافية والاجتماعية حتى لا تقع في الانحراف والإجرام الأمر الذي يُساهم في الوقاية من الجريمة والإنحراف، أو التأثير على سلوك الجماهير من أجل التعاون مع أجهزة الأمن والشرطة في ضبط الجريمة من خلال حَث المواطن على الإبلاغ عن الجريمة والإدلاء بالشهادة والحفاظ على آثار الجريمة (مسرح الجريمة) بإعتباره مصدراً للإستدلال على المجرم. إضافة إلى ذلك يمكن أن يُساهم الإعلام في جوانب الإصلاح والرعاية عن طريق تهيئة المجتمع لتَقبُّل المنحرف بعد إصلاح سلوكه ليصبح مواطنا صالحاً وعضواً فاعلاً في المجتمع، وكذلك غرس الثقافة ، تعزيز التعاون الإعلامي والفني بين الهيئات الإذاعيـة والتلفزيونية العربية في تبادل الأخبار والإنتاج ألبرامجي المشترك، وتحمل مسؤولياتها القومية في إرساء ثقافة السلام والوسطية والتسامح، ونبذ التطرف الفكري والديني والإرهاب، والتصدي للتدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة. إن وسائل الإعلام الأمنية تسعى إلى نقل المعلومات أولاً كمهمة رئيسية، حيث تُشكِّل هذه المعارف والمعلومات مكونات مهمة، في إتجاهات الشباب وسلوكهم، كذلك إشباع المعرفة، وخاصة حب الاستطلاع ومدَّهم بالأفكار والمعلومات التي يستخدمونها في رفع مستوى معارفهم، مما يدعم اتجاهاتهم النفسية وتعزيز القيم والمعتقدات والأعراف أو تعديلها والتكيّف مع المواقف السليمة. ويُعد جهاز الشرطة أحد أهم الأجهزة التى يستخدمها المجتمع فى القيام بعملية الضبط الاجتماعى لسلوكيات أفراده. فهو أداة الدولة والتجسيد الطبيعي لسلطة المجتمع فى حفظ وصون الأمن، وإقرار النظام، وتنفيذ القوانين التى تُشَرِّعها السلطة التشريعية في هذه المجتمعات لصالح الجماعة. وفي سبيل قيام الشرطة بالمهام المُسنَدة إليها فهي مطالبة بالتصدي للعديد من المشاكل الأمنية التى تواجه المجتمع وتهدد أمنه واستقراره فى الداخل. وهذا يتطلب نوع من الحزم والحسم فى كثير من مواقع العمل الشرطي بما يتضمنه من فرض قيود والتزامات يجب على الجمهور احترامها وعلى الجانب الآخر قد يتسبب ذلك فى نوع من أنواع الضيق للأفراد ويتسبب فى توتر العلاقة بينهم وبين الشرطة. وتتجسد مهمة الإعلام الأمني الأساسية في رصد ومواكبة الحياة الأمنية، حيث باتساع مجالات الأمن اتسعت حدود الحياة الأمنية، فأصبح الموضوع الأمني غنياً ومتنوعاً ومعنياً بالكثير من المجالات هذا وأدى تطور مفهوم الأمن ليصل إلى التبني الكامل لمفهوم الأمن الشامل إلى إتساع المجال الأمني وتعقده وتحوِّله إلى حياة كاملة كافلة بالأحداث والظواهر والتطورات وتعني بمختلف الفئات والشرائح الاجتماعية.
وبروز ظاهرة الإرهاب وما يرتبط به من عنف وتطرف وترويع وجريمة منظمة وما يتبعه من خوف ورعب ومقاومة مسلحة واختطاف رهائن وطائرات وقتل وتدمير، أصبح من أهم سمات العالم المعاصر، وللتصدي لمثل هذه الظواهر السلبية في المجتمع أضحى ترسيم إعلام متخصص يهتم بالأوضاع الأمنية ضرورة على درجة كبيرة من الأهمية في ظل التهديدات الأمنية الحديثة من خلال تبصير الأفراد والجماعات بحقيقة الفكر الإرهابي وكشف أساليبه الإجرامية، وفضح الخارجين على قيم المجتمع ومعاييره وتوضيح أهداف الجماعات المسلحة، الأمر الذي بات يتطلب تحديد الإحتياجات التي يمكن من خلالها توظيف وإستخدام الإعلام الأمني بمختلف وسائله من أجل مواجهة المخاطر التي تُهدد الأمن الوطني للدول. التطور التكنولوجي الكبير الذي عرفه العالم في نهاية القرن الماضي، وبروز مفهوم العولمة الذي أخذ حيزاً كبيرا في مسرح العلاقات والتعاملات الدولية، أو بين الأفراد داخل الدولة الواحدة، ساهم بقدر كبير في بروز العديد من التغييرات على المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وكذلك الأمنية، حيث نجد أن هذه الأخيرة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأجهزة الإعلامية، نظراً لأهمية مفردة الأمن على واقع أي مجتمع سواءً داخلياً أو خارجياً. وللإعلام الأمني تأثير كبير في مجال مكافحة الجريمة، سواءً من خلال وسائل الإعلام أو الأجهزة الأمنية، إلاّ أنَّ هذه الأخيرة حسب العديد من الباحثين والمختصين في المجال تُعتبر أقل تأثيراً في المجتمع، وهذا لإكتفاءها في غالب الأحيان بمطاردة المجرم ومكافحة الجريمة بعد أن تقع أو في مرحلة وقوعها من خلال وسائل التحري والبحث، إلاّ أنهُ في الواقع لا تؤثر في المناخ الذي تنشأ فيه الجريمة، وليس لها دور في منع تكييف الأجواء الاجتماعية والسلوكية التي من خلالها تنشأ الجريمة، في حين نجد أجهزة التوجيه بما فيها أجهزة الإعلام الأمني كلها مؤسسات اجتماعية قبل أن تكون مؤسسات رسمية ومؤثرة، فوسائل الإعلام بمختلف أنواعها تُعتبر الواحدة التي بإمكانها أن تدخل إلى بيوتنا وتقتحم حياتنا الخاصة دون إستئذان، مما يجعلها قوية ومؤثرة بشكل رهيب على حياة الفرد، وهي أقدر على التأثير في الوقاية من الجريمة، لما تملكها من أدوات ووسائل ميكانيزمية كثيرة تستطيع من خلالها التعرف على الظواهر الجنائية والإنحرافية قبل أن تحدث من خلال التوعية ، حيث أن للإعلام الأمني عدة أبعاد يمكن من خلالها تفاعلها مع ما يجري بالمجتمع التأثير في الرأي العام ونشر الوعي الاجتماعي. والمساهمة في تكوين رأي عام واسع بتعاون مع الأجهزة المختصة من أجل الوقاية من الجريمة ومكافحتها على درب تحقيق طموحات المواطنين إلى مزيد من الاستقرار والنماء والرخاء وحماية المجتمع من شرور الإجرام والفساد ومن مختلف المحاولات العدوانية منها الموجهة من الداخل أو الخارج.
إنَّ التعاطي الحديث مع موضوع الأمن كونه أكثر شمولية والتصاقاً بالإنسان ، فذلك ناتج من طبيعة المتغيرات المؤثرة في حياته والمتأثر بها وتعدد الإشكاليات التي تتطلب جهداً ذاتياً من الفرد نفسه بحيث تعمل الجهود المؤسسية في إطار الأخذ بيده وحمايته ليؤدي مسؤولياته بكل مهنية، وهو بذلك يستدعي أن يضع الاعلام الشرطي في أجندته التركيز على كل المدخلات المؤصلة لأمن الإنسان بأساليب وآليات مبتكرة، ومحاولة تصحيح بعض المفاهيم التي ما زالت عالقة في أذهان البعض بتركيز العمل الشرطي على مجرد اللحاق بالمجرمين وإيقاع العقوية بالمتجاوزين للنظام ، وبالتالي إيجاد شراكة حوارية تفاعلية في طبيعة الدور الذي يقوم به جهاز الشرطة في كونه ركيزة للإصلاح والتنمية والتطوير المجتمعي وترسيخ منظومة الأمن الشامل وتعزيز بناء الذات الإنسانية القادرة على الإستجابة للمتغيرات وإدارة التحولات المجتمعية بصقل قدراتها وبناء مهاراتها من خلال ما تتضمنه الرسالة الإعلامية من موجهات في التوعية والتثقيف والرصد للواقع اليومي والسلوك المجتمعي العام، حتى أصبحت الرسالة الاعلامية الشرطية تفوق في حجم مسؤولياتها والقناعة بأهمية تطويرها وتحسينها ما يقوم به الاعلام العام لكونها أقرب إلى التخصصية وسرعة الاستجابة في الوقت ذاته، وتمتلك قدرة أكبر لفهم الواقع الإجتماعي والسلوك العام بما تمتلكه من أدوات الرصد والإحصاء والتقييم وبما تُمثِلَه من سيادة في القرار وسرعة في التنفيذ.

اترك تعليقاً