السيمر / فيينا / الأثنين 26 . 09 . 2022
زيد شحاثة
قد ينزعج كثير من العرب ونحن العراقيون منهم, من توصيف واحد أو مجموعة بأنهم قادتنا أو زعمائنا, فنحن لا نحب “الإنقياد” بل ونميل لتصور أننا كلنا قادة.. ونملك من الرأي والقدرة والقيادية ما نتفوق به على الكل, بل وعلى بعضنا البعض, ونميل للإستبداد برأينا, ونتشدد بل ونندفع لوصف من يتبعون زعامات ما بأنهم ” عملاء أو ذيول” وربما نتهمهم بعبادة صنم.. حتى قال شاعر منا في وصف هذا الحال, بأننا نشبه مزرعة البصل!
رغم أن هناك فعلا من يقدس قياداته بطريقة مخزية, سياسية كانت أو إجتماعية أو دينية أو غيرها, بطريقة منحهم فيها العصمة ويكفر خصومهم, ورغم أن الإسلام كعقيدة وفكر ومنهج, أراد للإنسان أن يكون حرا فكريا, فيتبع الحق لا الأفراد.. لكنه كان أيضا يريدنا أن نتوحد حول حامل الراية الأقرب للحق, خصوصا إن كان بمواصفات صالحة..
بعد سقوط نظام البعث عام 2003, ظهر قادة جدد كانوا في المنافي, وكثير منهم لم يسمع بهم أحد, فالنظام كان يضيق على الشعب حتى الهواء.. ناهيك عن تنكرهم تحت أسماء ووهمية, إلا قلة منهم كمحمد باقر الحكيم, وجلال الطالباني ومسعود بارزاني, وأخرون كانوا معروفين بأسمائهم العلنية, وكان لهذا ثمن باهض دفعوه إعداما وتنكيلا, بكل من يقرب لهم أو ينتمي لنفس عشيرتهم حتى..
تولى كثير من هؤلاء قيادة مرحلة النظام الحالي, ورغم محاولاتهم تأسيس دولة جديدة, وإستثمار ثروات العراق الكبيرة, لكن تواضع قدرات بعضهم, وقلة خبرتهم بما يتطلبه بناء الدولة, وما يحيط بهم من ظروف, ومحيط معادي بشدة ومواقف دولية متواطئة, جعلهم يفشلون في تقديم ما يوازي ما كانا متاحا لهم من إمكانيات وثروات, وما انتظره الشعب منهم من حياة حرة كريمة..
بعيدا عن العاطفة الإنفعالية والتسقيط والخداع الإعلامي, الذي تمارسه الجيوش الإلكترونية لبعض التيارات والأحزاب ضد بعضها البعض.. فهناك نجاحات نسبية يمكن أن تحسب لهؤلاء القادة, رغم أن معظمها يتعلق بتأسيس النظام وبناء الدولة, وذلك غير واضح للمواطن العادي, بل وغير مهم أيضا.. فهو يرى فقط ما يحتاجه من خدمات تمس حياته, ولا تهمه الأمور الإستراتيجية, وبناء النظام والوضع السياسي, فهو يراها كلها كماليات وترف يهم الطبقة السياسية ولا يهمه هو..
هذا دفع المواطن نحو تكفير ” القادة” بشكل جماعي, دون تمييز بين من أفسد منهم وفشل فعلا, ومن لديه فشل ونجاح هنا أو هناك, أ, من لم يكن له دور في هذا الفشل والتراجع الذي نعيشه, وبين من كان هامشيا أصلا ولا يستحق وصف قائد, وبين من لازال موغلا بدمائنا وبإفساد حياتنا تحت يافطة شعارات كاذبة فارغة..
من المنطقي أن نضع كل هؤلاء مم يوصفون بأنهم ” قادتنا” في ميزان التقويم فنتهمهم بالتقصير, لكن ليس من المنصف أن ” نكفرهم جميعا”.. فالقضية ليست أبيض أو أسود, أو بحث عن شخص بمواصفات علي أبن أبي طالب, عليه وأله أفضل الصلوات, فلا وجود لهكذا نموذج حاليا.. وعلينا أن نفهم ونقيم بشكل واقعي, ولا نطالب بمثالية ليست ممكنة, فهذا هو المتاح حاليا من واقعنا وما فيه من أمراض وعيوب, فالقادة نتاج مجتمعاتهم وليسوا مستوردين..
هذا لا يعني بأي حال السكوت عنهم وعن فشلهم المتكرر, ولا يعني أيضا الإستسلام وتقبل هذا الواقع, أو السعي لصناعة جيل جديد من القادة, يمتلك شيئا من الخبرة المكتسبة بالممارسة ” والوقوع في الأخطاء”.. ويعني أيضا التمييز بشكل واقعي بين من يوصفون بأنهم ” القادة” فمن قتل أو تسبب بالقتل, ليس مثل من أفسد, وهذا الأخير ليس مثل من فشل, وكلهم لا يمكن بأي منطق أن يتم مساواتهم مع من لديه نجاحات وكبوات..