أخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / مواقع التواصل الاجتماعي ونشر الوعي السياسي والثقافي

مواقع التواصل الاجتماعي ونشر الوعي السياسي والثقافي

السيمر / فيينا / الخميس 10 . 11 . 2022

د . ماجد احمد الزاملي

بعد أن كان من الصعب التواصل بين الأفراد في انحاء العالم المتفرقة، فقد قرَّب الإنترنت المسافات بين الأفراد في جميع انحاء العالم، وأصبح الإنترنيت من افضل الوسائل لتعارف الأفراد والإتصال بين الأفراد وبعضهم البعض.وقد اصبحت التكنولوجيا الحديثة تفرض نفسها على واقعنا الحالي، فأصبحت التكنولوجيا وجودها واستخدامها حتمي لمعظم الأفراد، ويرى اصحاب نظرية الحتمية التكنولوجية ان التكنولوجيا نجحت فيما فشل فيه الناس للتواصل على أرض الواقع. وفي ضوء التطورات التقنية الراهنة والانتشار الواسع لشبكات الإنترنت، وتزايد إقبال المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي امتد التطور التقني إلى الحياة السياسية، ففي الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث وتتدفق فيه المعلومات بشكل تراكمي كبير يجعل من الصعب التحكم فيها، احتلت مواقع التواصل الاجتماعي موقعاً متميزاً في سياق تحرير الفرد من مختلف أشكال التسلط والاستبداد السياسي، وتخلَّص من الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وتُعتبر مواقع التواصل الاجتماعي إحدى وسائل الاتصال الحديثة، التي ظهرت في العقد الأخير من القرن العشرين؛ والتي أضحت تغزو مختلف مجالات الحياة الاجتماعية كوسيلة للاتصال وتبادل الأفكار السياسية والمعلومات، من خلال رفع وتيرة مشاركة الفرد في الحياة السياسية وتغيير قناعاته وسلوكياته تجاه بعض القضايا والمشكلات السياسية.  وتظهر مساهمتها وتأثيراتها المختلفة على البناء الاجتماعي في تشكيل الوعي السياسي والاجتماعي باعتباره مؤشراً قوياً على تطوّر المجتمعات والنظم السياسية، كما يساهم في تنبيه الأفراد إلى حقوقهم وواجباتهم وتوجيههم توجيها صحيحاً نحو تبني سلوكيات تساهم في تنمية مجتمعاتهم، إضافة إلى نشر ثقافة التسامح والتطوع الاجتماعي؛ استثمار مواقع التواصل الاجتماعي لتنمية قيم المواطنة بين أفراد مجتمعاتنا ، كما ينبغي غرس القيم والمُثل  الحضارية وذلك من أجل الابتعاد عن العنف، والتطرف وهذه المسؤولية تتحملها كافة أطراف ومؤسسات المجتمع. وحول مدى مساهمتها في نشر العنف، والتطرف والفوضى وبروزها كتهديد لأمن الدول وزعزعة استقرارها، وتحولها إلى سلاح خطير في يد التنظيمات الإرهابية، هذه الأخيرة التي أصبحت من أخطر القضايا التي يشهدها العالم العربي منذ اندلاع ما يعرف بـثورات “الربيع العربي” وما لحقها من تطورات خاصة في ظل فشل المقاربة الأمنية العسكرية للتصدي  لمواجهة واحتواء هذه الظاهرة المعقدة, وحجب المواقع الالكترونية التي تحرّض على العنف والفساد، والمواقع التي تدعوا لتبني الفكر المتطرف والإرهاب، فهذا الأسلوب يُعد من الأساليب المجدية والنافعة, فمثلا خلال عام 2014م قامت الحكومة العراقية بحجب مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، توتير، يوتوب سكايب وفيبر، وذلك بسبب تأثير تنظيم “داعش” على الساحة الإلكترونية.  ولصفحات التواصل الاجتماعي عدة مميزات بداية بـالعالمية التي تلغي الحواجز الجغرافية والمكانية، إذ يستطيع الفرد في هذا العالم التواصل مع أي شخص وفي أي مكان. كما أنها تتميز بالتفاعلية أي أن الفرد فيها مُستقبِل وقاريء، و مُرسِل، كاتب ومشارك، فعلى عكس الوسائل التقليدية في الإعلام، هناك حيز للمشاركة الفاعلة من المشاهد والقاريء. إضافة إلى ذلك تتميز مواقع التواصل الاجتماعي بالتنوع وتعدد الاستعمالات حيث يستخدمها الطالب للتعلم، والعالِم لبث علمه وتعليم الناس، والكاتب للتواصل مع القراء ,وغير ذلك. إلى جانب سهولة الاستخدام فالشبكات الاجتماعية تستخدم بالإضافة لبساطة اللغة، الرموز والصور التي تسهل للمستخدم التفاعل. كما يمكن إضافة خاصية أساسية لعبت دورا كبيرا في انتشارها وهي خاصية التوفير الاقتصادي إذ تُعد اقتصادية في الجهد، الوقت والمال، في ظل مجانية الاشتراك والتسجيل، دون احتكار جماعة أو شخص ما عليه(1). وتعتبر وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً مهماً لنشر التوعية الصحية وزيادة المعرفة بين الناس كونها دخلت كافة البيوت دون استئذان، ولكنها في الوقت ذاته تبقى سلاحاً ذو حدين، ففضلاً عن مميزاتها الكثيرة فإن لها محاذير كثيرة. ومواقع التواصل الاجتماعي أثرها كبير في الوعي السياسي لفئة الشباب من الجنسين ,تسهم في تشكيل الاتجاهات السياسية وفي طرح قضايا معاصرة تهم الشباب الجامعي، وبالأخص التأثير في السلوكيات السياسية والفكر السياسي لدى الشباب الجامعي، وانعكاساته على الشارع السياسي . وينظر البعض لتوجهات الآراء في شبكات التواصل، على أنه مؤشر للرأي العام، خاصة في الدول التي تنعدم فيها المؤسسات الحزبية ومؤسسات رصد الرأي العام، فتصبح شبكات التواصل البديل لمعرفة توجهات المجتمع.                               

ويُشكِّل الإعلام الجديد وتحديدا مواقع التواصل الاجتماعي إضافة نوعية لوسائل الإعلام التقليدي، كما يوفر سبل أكثر سرعة وانتشار للترويج للقضايا وتبادل الآراء، وتعبئة الرأي العام، ولكن بالرغم من ذلك فمواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالمخاطر التي نجهلها، وبالتالي يجب على المستخدمين أخذ المزيد من الحذر عند التعامل مع هذه المواقع، خاصة في ظل انتشار الأخبار والمعلومات الملفقة والمضللة، وفي ظل التناقض في الحديث عن خصوصية هذه المواقع الأمر الذي يستدعي تنويع وسائل التحقق والتثبت، وعدم الانجرار وراء الاكتفاء بالفضاء الافتراضي. وتُوصف  مواقع التواصل الإجتماعي  بالاعلام البديل أي الموقع الذي يمارس فيه النقد، ويولِّد أفكاراً وأساليب لها أهميتها، وأيضاً طرقاً جديدة للتنظيم والتعاون والتدريب بين إفراد المجتمع، وربما الأكثر أهمية، يشير الى أن البديل يتناول الموضوعات الحساسة في الآليات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والتوترات بين السيطرة والحرية، وبين العمل والبطالة، وبين المعارضة والحكومة، ومن ثم  يتضاءل البديل إلى إن يصبح نمطاً، للاتصال الجماهيري .ومفهوم المشاركة المجتمعية مع جيل الشباب الصاعد المثقف والواعي لما يدور حوله، وزاد من حجم الاهتمام بالقضايا العامة داخل المجتمعات. ويقف المتلقي على الجانب الآخر متعرضاً لرسائل عديدة تساهم بشكل كبير في امداده بالمعلومات والمعارف السياسية وبناء فكره السياسي ووصولاً الى تشكيل ارائه ومعتقداته واتجاهاته ومن ثم سلوكه السياسي ،  فوسائل الإتصال تقف بين الجمهور والأنشطة السياسية والمصادر الأخرى المتعلقة بالايديولوجية الطبقية .وقد امكنها بفضل هذه الحالة الوسطية ان تعلّق على التطور السياسي وتفسِّره حيث اصبح الإتصال ضرورة في المجتمع ولايستطيع الفرد ان يثبت وجوده بدونها.                                    

وختاماً يمكننا  القول إن شبكات التواصل الإجتماعي (مثل: الفيسبوك – تويتر وغيرها) أحدثت طفرة نوعية ليس فقط في مجال الاتصال بين الأفراد والجماعات بل في نتائج وتأثير هذا الاتصال، إذ كان لهذا التواصل نتائج مؤثرة في السلوك الإنساني والإجتماعي والسياسي والثقافي، إلى درجة أصبحت أحد أهم عوامل التغيّر الإجتماعي بما تتيحه هذه الوسائل من إمكانات للتواصل والسرعة في إيصال المعلومة، بعيداً عن الوسائل التقليدية السابقة.  ويمكن من خلال الشبكات الاجتماعية الخاصّة تبادل المعلومات والملفّات الخاصّة، كما أنها مجال رحب للتعارف والصداقة، وخلق جوّ مجتمعيّ يتميّز بوحدة الأفكار والرغبات غالباً، وإن اختلفت أعمارهم وأماكنهم ومستوياتهم العلمية. إن مواقع التواصل مثل سائر الأدوات الموجودة في الحياة لها منافع وسلبيات، والحصول على المنافع وتجنّب الأضرار يتوقف على الشخص نفسه وطريقة تربيته وأفكاره، وعلى سبيل المثال، هناك من يستخدم هذه المواقع في التعرف على معلومات عامة لا يجدها في الكتب الدراسية، وهذا من الأمور المهمة لأي شخص لأن العلم والمعرفة يسهمان في أن يكون الإنسان ناضجاً بشكل كافٍ، وبالتالي يصبح صالحاً لنفسه والمجتمع.                                                 

 والتعامل مع تلك المواقع لا يجب أن يكون بعيداً عن رقابة الأهل. وإضافة الى هذا وذاك فالإنترنيت يُضعف سطوة الأنظمة الحاكمة ,واصبح لتكنولوجيا الاعلام والمعلومات دوراً كبيراً في احداث التغييرات الفكرية والآيديولوجية عبر تناقل وتصدير المعلومات ، المتمثلة بالأخبار والأفكار والثقافات المختلفة ، الإيجابية منها والسلبية  حيث ان التطور السريع في تكنولوجيا الإعلام والمعلومات اصبح يُهدد سلطة ومسؤولية الدولة وهذا ما اكده  مؤتمر لندن في العام 2000حول الانترنت حيث ناقش المجتمعون قضايا ما بعد ثورة المعلومات ، وما يسمى بطريق المعلومات السريع ، ودور الإنترنت في الإنفتاح المعلوماتي المذهل حول العالم.         

—————————-

1-حسان ، أيمن ، دور مواقع التواصل الاجتماعي في نشر الفكر المتطرف، المركز الأوربي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات، تم تصفح الموقع يوم 24 ديسمبر 2017، https://www.europarabct.com.

اترك تعليقاً