الرئيسية / مقالات / ” لُعبة بغداد “

” لُعبة بغداد “

السيمر / فيينا / الثلاثاء 20 . 12 . 2022

سهى الطائي *

يتراود الى أذهاننا كثيراً من الذكريات ، فلا نزال نحكي لأبنائنا عن الألعاب التي كنا نلعبها حين كُنا صغاراً حين نذكرها ، ونراهم يبتسمون حين سماع سردنا كيف وبماذا كُنا نلهو ، فلم تكن موجودة آنذاك
ألالعاب الالكترونية ولم توجد أو تتوفر حينها إلا بعض الألعاب التي كنا نمارسها بكل شغف رغم بساطتها ، فأكثرها كانت إما من إختراعنا ، أو ربما بعضها مُقتبسة فالكثير من الألعاب مأخوذة من نسخة عربية كانت أو أجنبية ؛ ولكننا حتماً كُنا نضيف لها نكهتها العراقية المُميزة والتي تجعلها خاصة بنا تحمل بصمتنا رغم أنها نسخة لغيرها في مكانٍ ما .
وفي زحام هذه الحياة وحين تقف لوهلة وأنت تدرك ما حولك من أسماء وشواهد ومعالم وعنوانات ، يطرأ على ذهنك فجأة لعبة كنت تلعبها بكل حب دون تزوير أو تجاوز فتحيط بك شوارع بغداد وأزقتها بكل مسمياتها لتتذكر معي ” لعبة بغداد ” التي شاع اللعب بها قبل سنوات مضت ، فكنا نلعبها بكل حب ونحلم أن نمتلك هناك في بعض احياءها بيوت صغيرة ومجسمات لبنايات يتم شراءها فتسجل لنا وتصبح تحت تصرفنا خلال اللعبة على الأقل ،قد لا يعرف الكثير منا أن هذه اللعبة لعبة عالمية وهي ” لعبة المونوبولي” أو بنك الحظ أو لُعْبَةُ الاحْتِكَارِ ،وتاريخ لعبة الاحتكار اللوحية هذه يمكن أن يرجع تاريخها لبداية القرن العشرين،حيث تم تصميم هذه اللعبة وكانت تعرف باسم المالكLandlord’s
وتم تصميمها من قبل الأمريكية “إليزابيث ماجي”وقد حصلت على براءة اختراع للعبة في عام 1904 ولكن من الجدير بالذكر أن هذه اللعبة كانت موجودة مُنذ بداية عام 1902،صممت ماجي اللعبة على أساس مفهوم الاحتكار الاقتصادي لشرح نظرية الضرائب لهنري جورج، وأرادت أن تكون أداة تعليمية لشرح وجهة نظرها عن سلبية الاحتكار، أو مفهومه
ويقال أن تاريخها الأساسي يعود لسبعينات القرن الماضي حيث بدأت الفكرة ، وقد أصبحت هذه اللعبة فلكلوراً شعبياً أخذ طابع البلد الذي تمت فيه إستعارة اللعبة بنسختها العربية كانت أو الأجنبية الأصل ،
وقد طُبع في تعليمات اللعبة لسنوات عديدة وفي كتيب لعبة الاحتكار، واستشهد كتاب عام عن اللعبة في 2007 يحمل هذا المفهوم.
إن الإختلاف في النسخ لهذه اللعبة لايتم إلا من خلال أسماء المناطق والشوارع المشهورة ، وهنا كانت اللمسة تحمل بصمة البلد التي تُمارس هذه اللعبة فيه ،
ولقد كانت هذه اللعبة أكثر ألعاب الألواح مبيعاً في العالم،وتقوم فكرة اللعبة على تنافس اللاعبين (لاعبين إلى ثمان لاعبين) لمحاولة جمع ثروة تبعاً لقواعد معينة عن طريق بيع وشراء العقارات وتأجيرها أثناء تحرك اللاعبين على اللوحة حسب نتيجة رمي ” النرد “تعني كلمة “مونوبولي ” باللغة العربية “الإحتكار “وهو المبدأ الإقتصادي الذي يسيطر فيه بائع ما على سلعة ما معينة،ومنه أخذت اللعبة اسمها،في النسخة الأصلية سميت المساحات في اللعبة على شوارع حقيقة، في النسخة البريطانية سميت على شوارع في لندن وفي النسخة الأميركية سميت على شوارع في اتلانتيك سيتي ، ونيوجيرسي ،
كما حملت بنسختها العراقية مناطق بغداد الحبيبة
وقد كُنا نحرص حين لعبنا على شراء وإنشاء البيوت في أماكنها الراقية مثل الجادرية والمنصور فكان الشراء حينها يأتي بتخطيط بعد رمية نرد خالية من التجاوز وبعيدة عن إغتصاب الأراضي وإمتلاكها دون أحقية ، وبمبالغ معقولة .
، فلم يحاول أحد منا مثلا أن يستحوذ على أرض ليست له ولم يتجرأ لاعب ما على أمتلاكه لاراضي مملوكة للدولة ، كان لعبنا بريئ نقي نظيف خالي من كل هذا .
من منا لا يرجو أن يعود به الزمن ليلعب هذه اللعبة الشيّقة ، ليمتلك خيالاً على الأقل وليحقق حلماً طالما رأه في منامه ،من منا لا يتمنى هذا ،والمحزن أن بعضنا أجبر على أن يلعبها دون الإلتزام بقوانين اللعب الحقيقة ، فلم يهمه الآن الا الإستحواذ على أكبر عدد من الاراضي ليكون مالكها ومحتكرها ، وأصبح الفقير يحلم في شراء مترٍ في بلده أو أمتلاك دارٍ فيها ،
الى جميع أؤلئك المتمنين ، أدعوكم للعب النظيف
وأن تتأكدوا أن كل مادفع من أموال لشراء ماتودون من أراضي وبنيان أصله حلال ممزوج بلذة التعب مجبول بعرق الجبين ،تُحيطه نية الربح الحلال قبل الإحتكار والإنتظار لرفع الأسعار ، ولأولئك الذين لا يملكون ديناراً لشراء بيت يسكنونه في بلدهم الكبير أقول عودوا للعب في ” لعبة بغداد ” وحققوا أمانيكم في لعبة ؛فتحقيقها خيالاً خيرُ من أشخاص يتلاعبون ببغداد كلها ؛ بدل أن يلعبوا في لعُبتها !

*صحفية وشاعرة عراقية

اترك تعليقاً