السيمر / فيينا / الثلاثاء 20 . 12 . 2022
احمد الجمال * / مصر
تُعد.الأمثال الشعبية عاملا هاما لفهم ثقافة وحضارة الشعوب والأمم، ومدى ما وصلت إليه في نواحيها السياسية والإقتصادية والعمرانية والعلمية،
تحكي الأمثال الشعبية جزءا كبيرا من ثقافات الشعوب المختلفة.. والسير الشعبية مليئة بالحكايات والأساطير، ويستعين بها دائما لتأكيد صحة ما يقول، أو كوسيلة أختصار سريعة الكلام بداء عن ذكر الموقف والتكلم بحديث طول .
ولكن خلف كل مثل قصة وحكاية ضرب لها الكلام وصار مثلآ ، ونستعرض لكم فى التقرير القادم عن قصة مثل يجرى على لسان جميع العرب والكثير من لا يعرف معناه :
الرواية الأولى:
يقال أن براقش كانت كلبة، وقد أغار قوم على قومها، فنبحت، فنبهت قومها، فقاموا، وذهبوا إلى مغارة؛ ليختبوا فيها، وعندما جاء اللصوص أخذوا يبحثون عن أهل القرية، ولم يجدوا أحد، وعندما هموا بالانصراف نبحت الكلبة براقش، فانتبه لها اللصوص، فقتلوا عددا من قومها، وقتلوها أيضا، فقيل: جنت على أهلها براقش.
الرواية الثانية:
يقال أن براقش كانت امرأة لقمان بن عاد، واستخلفها زوجها، وكان لهم موضع إذا فزعوا دخلوا فيه، فيجتمع الجند، وفي إحدى الليالي عبثت جواريها، فدخن، فاجتمعوا فقيل لها: إن رددتيهم، ولم تستعمليهم في شيء، لم يأتك أحد مرة أخرى، فأمرتهم فبنوا بناء فلما جاء لقمان، سأل عن البناء، فقيل له: على أهلها تجني براقش.
وروى أن “براقش” امرأة لقمان بن عاد (وهو ليس لقمان الحكيم الذي جاء ذكره في القرآن الكريم)، وكان بنو أبيه لا يأكلون لحوم الإبل، فنزل لقمان على بني أبيها (والد زوجته) فأولموا ونحروا جزورًا إكرامًا له، فراحت براقش بشيء من لحم الجزور فأكل لقمان منه، فقال: ما هذا؟ ما أكلت مثله قط، فقالت: هذا من لحم جزور، قال: أَوَلحوم الإبل كلها هكذا في الطيب؟ قالت: نعم، ثم قالت له: جملنا واجتمل (أي أطعمنا وأطعم نفسك من لحوم الإبل)، وكانت براقش أكثر أهلها إبلًا فأقبل لقمان على (نحر وتناول لحوم) إبلها وإبل قومها؛ فأشرع فيها وفعل ذلك بنو أبيه، فقيل: “على أهلها تجني براقش” فصارت مثلًا.
الرواية الثالثة:
وفي كتاب “مجمع الأمثال” لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري المعروف بالميداني، روى يونس بن حبيب عن أبي عمرو بن العلاء قال: براقش هي امرأة كانت لبعض الملوك (زوجة ملك)، فسافر الملك واستخلفها، وكان لهم موضع إذا فزعوا دخنوا فيه؛ فإذا أبصره الجند اجتمعوا (أي إذا رأى الجنود الدخان أسرعوا لنجدة مَن بالحصن)، وإن جواريها عبثن ليلةً فدخن فجاء الجند، فلما اجتمعوا قال لها نصحاؤها: “إنك إن رددتهم (الجند) ولم تستعمليهم في شيء (أي لم تطلبي منهم عمل شيء) ودخنتهم مرةً أخرى لم يأتك منهم أحد (لن يستجيبوا مرة أخرى)”، فأمرتهم (المرأة) فبنوا بناءً دون دارها، فلما جاء الملك سأل عن البناء فأخبروه بالقصة، فقال: على أهلها تجني براقش، (أي أنها من تسببت بهذا البناء)، فصارت مثلًا.
وروي أيضًا، أن “براقش” اسم امرأة وهي ابنة ملك قديم خرج إلى بعض حروبه واستخلفها على مملكته، فأشار عليها بعض وزرائها أن تبني بناء تُذكر به؛ فبنت موضعين يقال لهما “براقش ومعين”، فلما قدم أبوها قال لها: أردت أن يكون الذكر لك دوني (أي أردت إنشاء مبنى يذكرك به الناس دون أن يذكروني)؛ فأمر الصناع الذين بنوْهما بأن يهدموها (غيرة منه)، فقالت العرب: “على أهلها تجني براقش”.
ويحمل المثل دلالتين؛ الأولى هي أن الإنسان ربما صنع صنيعًا حسنًا وعاد عليه بالضرر والشر، لأنه ربما صنع هذا المعروف في غير أهله، والثانية هي أنه صنع صنيع سوء، وعاد عليه صنيعه بما فعل من السوء.
وقد شاع لدى الناس أن مفهوم المثل هو من فعل السوء، لقي جراء فعلته السوء.
أيضًا يشير المثل إلى وجوب التفكر في الأمور وحسابها قبل التصرف.
*باحث في التاريخ الحديث والمعاصر
رئيس مركز الدراسات التاريخية بالإتحاد العالمي
للمثقفين العرب.
كاتب ومؤرخ مصري.