الرئيسية / تقارير صحفية وسياسية / “الرب” سيظهر علامة على غضبه في السماء.. كولومبوس “المخادع” الكبير!

“الرب” سيظهر علامة على غضبه في السماء.. كولومبوس “المخادع” الكبير!

السيمر / فيينا / الخميس 02 . 03 . 2023 

يمتلئ التاريخ بالدروس والعبر، ولا يخلو في مختلف مراحله من الخير والشر. وهو بذلك يعد كتابا للحياة، إذا قرأناه على حقيقته من دون أن نغلفه بالأكاذيب ونجمل أحداثه بمساحيق لامعة.

أحداث التاريخ لا يمكن أحذها على علاتها، أو المرور بها من دون تبصر وتمعن، أو تفسيرها بمعايير أخلاقية مختلفة. كل ذلك يجعل من التاريخ “شاهد زور” ويفرغه من قيمته الكبرى باعتباره شاهدا يوثق حياة البشر بخيرها وشرها، بانتصاراتها وهزائمها بفضائلها ورذائلها.

هذه المقدمة ضرورية في معرض استعراض “خدعة” كبرى حاك خيوطها كريستوفر كولومبوس، الرحالة والمستكشف الإيطالي الشهير الذي يُربط اسمه باكتشاف الأمريكتين.

تقول تفاصيل هذه الخدعة الماكرة أن “المكتشف العظيم” أقنع يوم 29 فبراير عام 1504 مجموعة من سكان جاميكا الأصليين أن “الإله” الذي يعبده، غضب منهم لأنهم توقفوا عن تزويد رجاله وبحارته بالإمدادات، وأن “الرب” سيظهر علامة على غضبه في السماء، وكانت تلك العلامة خسوفا للقمر، كان كولومبوس يعرف أنه وشيك!

جرت وقائع هذه الحادثة التي استغل بواسطتها هذا الرحالة الكبير علومه لخداع بشر أقل منه معرفة بسبب انعزالهم الجغرافي، خلال رحلة كولومبوس الرابعة والأخيرة إلى الأمريكتين، والتي بدأت من مرفأ قادس جنوب غرب إسبانيا عام 1502. 

رسى كولومبوس في تلك الرحلة الأخيرة بالقرب من الساحل الشمالي لجامايكا في 20 يونيو 1503 باثنتين فقط من سفنه الأصلية الأربع التي كانت بالكاد تطفو لتآكل ألواحها. 

في البداية رحب السكان الأصليون بكولومبوس وبحارته واستقبلوهم بأذرع مفتوحة، وزودوهم بالطعام والإمدادات الأخرى مقابل حلى من الزجاج الرخيص.

تلك العلاقة “الودية” لم تدم طويلا. على مدى الأشهر العديدة التالية، فقد سكان جامايكا الأصليون أي رغبة في التعامل مع مثل هؤلاء الضيوف، وذلك لأن بحارة كولومبوس ردوا على كرم سكان الجزيرة الأصليين بسرقتهم وخداعهم بشكل متكرر، علاوة على مداهمة قراهم للحصول على مزيد من الإمدادات، وتعدى ذلك إلى القتل والاغتصاب.

وبمحصلة ذلك، قرر السكان الأصليون بحلول يناير 1504، التوقف عن إمداد الأوروبيين الدخلاء بالطعام أو إعانتهم، ووقف المتاجرة معهم.

مصير رحلة كولومبوس بكاملها كان في خطر من دون غذاء أو مراكب. وجد المكتشف الحل في جداول فلكية كانت معه للعالم الفلكي الألماني يوهانس مولر فون كونيغ بورغ، وفيها بيانات عن خسوف للقمر يوم 29 فبراير 1504 بحسب التوقيت المحلي الألماني.

أجرى كولومبوس حساباته ودقق في موعد الخسوف بالتوقيت المحلي. مهّد لخطة الخداع بدقة ودعا زعماء القبائل المجاورة إلى اجتماع قبل وقت قصير من موعد هذه الظاهرة الطبيعية.

خاطب كولومبس الزعماء الحاضرين قائلا لهم إن إلهه غاضب منهم لتوقفهم عن تقديم الإمدادات له ولرجاله، وعلامة على غضبه منهم سينتزع منهم القمر في بداية عقاب لهم على أفعالهم!

خسوف القمر الكلي المتوقع حدث في الموعد المحدد، وبحسب فرديناند نجل كولومبوس، وكان معه في هذه الرحلة: “لاحظ الهنود هذا (الخسوف) وكانوا مندهشين وخائفين لدرجة أنهم مع صياح وعويل عظيمين جاءوا يركضون من كل اتجاه إلى السفن، محملين بالمؤن، متوسلين للأدميرال أن يتوسط بكل الوسائل مع الرب نيابة عنهم ليبعد غضبه. ووعدوا بأنهم سيزودونه بجميع الاحتياجات في المستقبل”.

وافق كولومبوس على التوسط لهم أمام إلهه وذهب إلى مقصورته “للصلاة”، وكل ما فعله كان ترقب اللحظة المناسبة!

كان يعرف أن القمر سيبقى تماما في ظل الأرض لمدة 48 دقيقة تقريبا، لذلك انتظر الوقت المناسب لبدء القمر في الظهور.  قبل وقت قصير من حدوث ذلك، عاد وأبلغ السكان الأصليين أنه طلب المغفرة لهم من إلهه، وأن إلهه استجاب!

بدأ القمر في الظهور مجددا ولم يعد يواجه كولومبوس وبحارته أي مشاكل في الحصول على المؤن الضرورية.

بعد بضعة أشهر رحل وبحارته عن جاميكا بعد أن وصلت إليه سفينة من جزيرة “هيسبانيولا” الواقعة شرقي كوبا في 29 يونيو 1504، وصلوا معززين مكرمين إلى إسبانيا في 7 نوفمبر 1504، وبقيت قصة هذه الخدعة تفصيلا صغيرا  من تاريخ رحالة شهير. ولعل البعض يعدها مأثرة أو خطة بارعة تستحق المديح!

المصدر: RT

اترك تعليقاً